العدد 56 - أردني
 

سعد حتّر

قرار الحكومة بمنح أعضاء مجلس الأمّة صلاحية بيع إعفاءات سياراتهم الجمركية ،يثير تساؤلات حيال دستوريتها، فيما يصفها قانونيون بأنها ضرب جديد من «الفساد» لاسترضاء رجال التشريع، بخلاف الدعوات الرسمية لشد الأحزمة على البطون.

يجادل رجال قانون بأنه كان من الأجدى إلغاء قرار سابق بالإعفاء الجمركي، بدلاً من السماح لرجال التشريع بـ«تكسب إضافي» من بيع اللوحات المعفية. ويذهب عدد منهم إلى اعتبار أن «طابق تجارة الإعفاءات» الجمركية يأتي استكمالاً لسياسة «استرضاء» بدأت بتأشيرات الحج وانتهت بزيادة 500 دينار على راتب النائب، ما يعادل عشرة أضعاف ما حصل عليه الناخب في قرى ومدن الأردن.

«تمييز النائب عن الشعب من أبسط القضايا التي يمكن وصفها بالفساد حتى بدون وجود دليل»، هكذا يشخص قاضي التمييز السابق (1990-1997) عبدالرزّاق أبو العثم «تنفيعة» النواب الجديدة. بل يذهب الخبير القانوني إلى اعتبار «التمييز تعد على خزينة الدولة»، ثم يتساءل:«إلى أي نص اتكأت الحكومة في إجازة الإعفاء. فالأصل أن تكون سيارات المواطنين مجمركة». ويضيف: «لا يوجد قانون أو منطق يقر بإعفاء نائب الأمّة من تطبيق قانون الجمارك». والأهم أن هذا الإجراء «يناقض أبسط القواعد الدستورية: المواطنون أمام القانون سواء».

ويخلص أبو العثم إلى القول: على العكس «الأولى بنواب الأمّة أن يرفضوا المنح والعطايا ويطالبوا بمعاملة الناس دون تمييز»، مع استثناءات درجت كعرف مثل إعفاء جمارك سيارات كبار ضباط الجيش والأمن العام قبل خمس سنوات، بعد إلغاء نظام تخصيص سيارات رسمية لهم.

يقدّر خبير اقتصادي بـ مليون و650 ألف القيمة المهدورة على الخزينة نتيجة إعفاء 165 عيناً ونائباً، إذا قدّر معدل الإعفاء ضمن 10 آلاف دينار.

جبهة العمل الإسلامي، التي تحوز على ستة من مقاعد المجلس النيابي الـ 110، كانت قد أعلنت رفضها قبول «منحة» الإعفاء الجمركي.

المراقب العام السابق للإخوان المسلمين عبد المجيد الذنيبات - حاضنة جبهة العمل - يستذكر قرار الجماعة بـ«عدم استخدام هذه الوسيلة من عطايا وهبات لأسباب سياسية وليس دينية». ويؤكد الناشط الإسلامي ورجل القانون على «أهمية تنزيه النائب عن مثل هذه القضايا باعتبارها تمييزاً في غير محله». كما أن «أعطيات» السلطة التنفيذية يمكن أن تشكّل إرضاء للنائب وتؤثر على مواقفه السياسية».

ويتساءل أحد النواب ما إذا كان رئيس الحكومة يحتاج لتقديم «تنازلات غير دستورية»، بعد أن سجّل معدلات استحسان عالية لدى النخب في آخر استطلاع رأي نفذّه مركز الدراسات الاستراتيجية. بل إن الذهبي هو أول رئيس وزراء يحظى برضى شعبي وإعلامي متصاعد منذ سنوات، بعد سنة من استقراره في الدوار الرابع.

مؤرخ سياسي يرى أن الحكومات درجت على محاولة «شراء ذمم رجال السلطة التشريعية» لتمرير قرارات وقوانين مستعصية. ويستذكر المؤرخ بأن ثلث مجلس النواب الحالي لم يمنح الثقة لموازنة الدولة (2008)، ما يشي بوجود درجة من «التمرد» لدى أعضائه.

مصدر في مجلس الأمّة يستذكر قرارات استرضائية صدرت عن حكومات سابقة.

أعضاء مجلس الأمّة السابق لم يحصلوا على إعفاءات جمركية، لكنهم نالوا بدلا منها «تسهيلات» جمركية ضمن صفقة شاملة لشراء سيارات بالجملة من وكالة محلية، يواجه صاحبها شبهة فساد مالي وقضايا معلقة. وحصل عدد منهم على إعفاءات ضمن منح فردية.

رؤساء حكومة سابقون، لا سيما فيصل الفايز (2003- 2005)، صرفوا ملايين الدنانير كمساعدات نقدية «لعائلات فقيرة» كان ينسّب بها أعضاء في مجلس النواب. المنح، بمئات وآلاف الدنانير، كانت تصرف ضمن مسارين؛ مباشرة إلى «المحتاجين» في القرى والأرياف ومخيمات اللاجئين أو «عطايا» إلى النواب، بحسب المصدر نفسه، الذي يستذكر كيف حصل نائب في أكبر مخيمات اللاجئين على 150 ألف دينار.

أحد النواب المخضرمين يرى أنه لا ضير في حصول رجال التشريع على امتيازات، لكنه يدعو إلى «وضعها في الميزان. فهناك ما هو فائض وهناك ما يحتاج إلى إعادة نظر». ويؤكد النائب الذي لم يشأ الإفصاح عن اسمه على «ضرورة حصول ممثل الشعب على بنية تحتية وسيارة لتأدية مهامه وإدامة التواصل مع قاعدته الانتخابية». لكنّه يقرّ في المقابل بضرورة شطب «ميزات إضافية مثل الجمع بين الراتب والتقاعد».

مصدر برلماني يؤكّد أن النواب يتمتعون بإعفاءات وعطايا قبل الإعفاء الجمركي. والأصل أن ينهض مجلس الأمّة بدور رقابي وأن يكون حارساً على موارد الأردنيين في بلد يعيش ثلث سكانه تحت خط الفقر. ويطالب رجال قانون بكسر أي شراكة سلبية بين السلطة التنفيذية والتشريعية، يدفع ثمنها الشعب.

تمايز فئوي بعد فارق رفع الرواتب وتأشيرات الحج تساؤلات حول دستورية إعفاءات النواب الجمركية
 
25-Dec-2008
 
العدد 56