العدد 55 - بورتريه
 

خالد أبو الخير

أساهُ ظاهر للعيان، لكن الأمل ما زال يحدوه. يعاين بصمتٍ تجربةَ حياة ما زالت في بعض مفاصلها عُرضةً لجدل قد يطول.

رأى محمـــد العوران النور في أحداق الطفيلة العــام 1941، في بيت عرف عنه انغماسه في السياسة، فوالده عضو في المجلس التشريعي للإمارة 1929 - 1947، ثم نائب في المجلس النيابي الأول 1947 - 1950، وهو البرلمان الذي شهد قيام الوحدة بين الضفتين العام 1950.

«أبي كان عصامياً، بنى نفسه بنفسه، وامتاز بشخصيته الفذة وقوة شكيمته، ربطتني به علاقة وطيدة ذات طابع ودي، على الرغم من أني كطفل كانت لي أحياناً توجهات سياسية معينة تخالف آراءه».

عرف بيت العوران بأنه البيت الذي يزوره الأمير ومن ثم الملك عبد الله الأول، حين يحل في الطفيلة، صحبة مسؤولين ودبلوماسيين. وما زالت في بال الصبي، حكايا كثيرة عن حوارات وسجالات وآمال عراض دارت في تلك الدار.

انتسب إلى مدرسة الطفيلة طالباً في المرحلة الابتدائية، ويذكر يوماً شاع فيه خبر انتصار العرب في معركة في فلسطين، عقب حرب 48، فهاج الناس وماجوا في المدينة الجنوبية احتفالاً بالنصر الذي بعده «خربت الشغلة وضاعت البلاد».

السيارة التي أقلّته من قيظ الجنوب إلى ربى عمّان، في طريقه لإكمال دراسة الثالث والرابع الثانوي في كلية الحسين، أقلت أيضاً في جملة ما أقلته، أحلامه الصغيرة، وبعضاً من عنفوان وجنوح للتمرد.

أقام في كنف شقيقه المرحوم ذياب، أيام كانت عمّان «بعدها عمّان، عمّان الصغيرة، الكلية العلمية الإسلامية نهايتها غرباً، تليها الأحراش والغابات، وسيلها موجود، تحفه الجنائن والمتنزهون».

كتعبير عن تمرد الفتى الجنوبي شارك في التظاهرات التي اجتاحت عمّان تنديداً بحلف بغداد. «الحياة السياسية كانت متقدمة، ونشطة، والقوى السياسية تنقسم إلى ثلاث: قومية، وإسلامية، ويسارية، وقد ملت بحكم النشأة وتأثيرات القضية الفلسطينية وجمال عبد الناصر وثورة يوليو، ميلاً قومياً. كان الأمل يحدونا بتوحد العرب والانتصار وإرجاع فلسطين، لكن «لا إله إلا هو».

عاد أدراجه في طرقات الجنوب إلى الكرك هذه المرة، بغرض التقدم لدراسة المترك الأردني، الذي حازه العام 1957، ثم قفل عائداً إلى عمّان للتقدم لنيل التوجيهي المصري العام 1959 من الكلية العلمية الإسلامية.

ودع عمّان في العام الذي تلا متوجهاً إلى عاصمة الضباب مبتعثاً من الجيش العربي لدراسة الطب، ومن لندن شهد هزيمة 1967 التي «قضت على كل الآمال في الوحدة والتحرر، وأضاعت باقي فلسطين بدل أن تحررها».

حاز البكالوريوس في الطب العام 1970، وقفل عائداً إلى عمّان التي كانت تضمد جراحاتها عقب أحداث أيلول. «تلك صفحة أضرب صفحاً عن الحديث عنها».

التحق بعمله في مستشفى ماركا الرئيسي «العسكري» ويلحظ أن تجربته العملية كانت جيدة، «أسميها بداية العمل الطبي المتقدم، رغم تواضع الإمكانيات، الذي انعكس في النهاية بصورة إيجابية على الخدمات الطبية الملكية وما زال للآن».

ترك الخدمات الطبية الملكية العام 1974، وسافر إلى بريطانيا مجدداً بغرض التخصص في الأمراض الداخلية «الباطنية». وكان تزوج قبيل سفره، ولديه من الأبناء ثلاثة بنات وابن وحيد هو طارق.

إلى جانب دراسته، عمل طبيباً في مستشفى سانت فرانس في لندن، فاكتسب خبرات كبيرة.

افتح مطلع العام 1978 عيادته الخاصة في عمّان في مستشفى ملحس، ثم انتقل إلى الدوار الثالث، وبقي هناك حتى العام 1995 حيث اختير مديراً لمستشفى ملحس. ومنذ 1997 عين مديراً للخدمات الطبية في شركة الفوسفات. وفي العام نفسه نجح في الانتخابات النيابية عن محافظة الطفيلة، كما صار نقيباً للأطباء لدورتين متتاليتين.

طغى ميله السياسي على توجهاته الأخرى، فأنشأ حزب «الأرض العربية»، نظراً لـ«الحاجة إلى تيار قومي قوي يؤمن بالتعددية السياسية وبالعمل الديمقراطي»، وصار أميناً عاماً له. وحزبه أحد أحزاب تنسيقية المعارضة الخمسة عشر.

يشرح أن «تجربته النيابية كانت ثرية، وقد حسب على النواب المعارضين، لكنه كان يأمل أن يكون وضع مجلس النواب أفضل، ينتخب بموجب قانون انتخاب متقدم ويترك تأثيراته السياسية على الشارع».

اختاره معروف البخيت وزيراً للتنمية السياسية في كانون الثاني/ديسمبر 2005، «فوجئت بالوزارة أولاً، لكني قبلتها من منطلق أنني اتطلع لخدمة بلدي بطريقتي، وكنت متفائلا بأن أؤدي واجبي في الوزارة كاملاً».

وكان مثيراً أن حكومة البخيت هي التي قدمت مشروعات قوانين، عدت برأي البعض تراجعا عن توجهات التنمية السياسية أهمها قانون الأحزاب.

يجادل العوران بأنه حاول جهده في الوزارة، وأبدى معارضة لمشاريع القوانين التي سلف ذكرها، وأدى واجبه ودوره على أكمل وجه بما يرضي «ربي ووطني ونفسي».

وقد سبب أكثر من إحراج للحكومة، منها حين صرخ في مجلس الأعيان: «إنها جريمة بحق الأردن»، بعد أن أقرّ المجلس قانون أحزاب يشطب ثلثيها فور دخوله حيز التنفيذ. فضلاً عن رثائه الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي لا ترى فيه الحكومة البطل الذي يراه وحزبه من ورائه.

لكن أكاديميين يرون أن «العبرة في النتائج، فمشاركته في الحكومة التي كان هدفها المعلن دفع الديمقراطية إلى الأمام، لم تثمر شيئاً، وبقيت المشاركة بغرض المشاركة». ويأخذ عليه هؤلاء بأنه كثيرا ما كان يصرح بأن وجوده غير فعّال في الوزارة.. «فلماذا استمر بها»؟.

«كنت أدافع عن القيم والأفكار والمبادئ التي أؤمن بها، وقد استغرب كثيرون مواقفي كوزير يعارض قانوناً أعدته حكومته، هذه سابقة لم تحدث في تاريخ الحكومات الأردنية». يقول العوران الذي أغلق حزبه قبل شهور بموجب القانون الذي عارضه.

ثم يرسل نظره عبر النافذة مطيلاً التحديق في أطياف المطر تغدو وتروح، بعنفوانها المتجدد، تلعب بآخر أوراق خريف لم يكتمل رحيله بعد.

محمد العوران :وزير عارض “حكومته”.. ولكن!
 
14-Dec-2008
 
العدد 55