العدد 9 - اقتصادي
 

صعود أسعار النفط عالميا إلى مستويات غير مسبوقة وانعكاساته السلبية على الأردن، اعاد الى الواجهة مشاريع البحث عن بدائل للطاقة بدءا من الصخر الزيتي مرورا باشعة الشمس وطاقة الرياح ووصولا إلى استغلال اليورانيوم في المفاعلات النووية.

في هذه الحلقة نفتح ملف الصخر الزيتي الذي راوح في الادراج لعقود.

يقدر مخزون الأردن من هذا الصخر بحدود الـ 40 مليار طن، يحتوي زيوتاً بترولية بنسبة تتراوح بين 10 إلى 14 بالمئة ، فيما تقدر كميات النفط التي بالإمكان استخراجها منه بحوالي 4 مليارات طن، أي ما يعادل 28 بليون برميل تكفي احتياجات المملكة لمدة تزيد على 100 عام. بحسب التقرير المشترك لدائرة الإحصاءات العامة ووزارة الطاقة وهيئة تنظيم قطاع الكهرباء الذي صدر مؤخراً .

ما يزال استخدام الصخر الزيتي مطروحاً على طاولة بحث الحكومات الأردنية المتعاقبة، منذ ثلاثين عاماً ، ليكون بديلاُ للنفط الذي وفقا للحكومة ، تبلغ فاتورته السنوية نحو المليار دولار، وأحيانا يلف الغموض بعض جوانب النقاش بشأنه.

تكنولوجيا استخراج النفط من الصخر الزيتي تتمثل في طريقتين الأولى كندية، والثانية تكنولوجيا طورتها شركة Shell الهولندية تعتمد على استخراج النفط

من الرمال القطرانية التي تملك كندا منها كميات هائلة تصل إلى 300 مليار برميل من النفط الثقيل، وتنتج الشركات الكندية حاليا حوالي مليون برميل من النفط المستخرج من الرمال القطرانية. ومن المتوقع ان ترتفع هذه الكمية إلى مليوني برميل في اليوم في العام 2020.

على مدار عقود خضعت هذه التكنولوجيا للعديد من التعديلات بحيث أصبحت صالحة لاستخراج النفط من الصخر الزيتي، وقد استخدمت فعلا على أساس تجاري في كندا، الولايات المتحدة، استراليا، البرازيل، روسيا واستونيا.

تعمل التكنولوجيا الكندية على أساس مبدأ “الفرن الدوار”، ويتألف من أربعة أوعية تجري فيها عمليات تسخين الصخر الزيتي، وتجفيفه للتخلص من الرطوبة، وحرقه واستخدام الحرارة الناجمة عن الحرق.

مدير سلطة المصادر الطبيعية، ماهر حجازين، يؤكد أن الأردن يحتل مرتبة متقدمة من حيث احتوائه على كميات كبيرة جداً من الصخر الزيتي، يوجد معظمه على سطح الارض وبعضه في الاعماق.

“تم اجتذاب الشركات العاملة في هذا المجال لاستخراج الصخر المتواجد على السطح، ووقعنا مذكرات تفاهم مع العديد من الشركات وطلبنا منها القيام بدراسات متكاملة للبدء بموضوع الصخر الزيتي بشكل تجاري.

هذه الشركات، يضيف حجازين، ترغب قبل قيامها بالاستثمار بعمل دراسات على نفقتها بشكل كامل، والحكومة لا تتحمل أي فلس من تكلفتها، نحن نتابعها بشكل متواصل، ومن المؤمل ان تنتهي العام القادم وتتخذ بعدها قرارها بالاستثمار من عدمه،وستطلع الحكومة على نتائج تلك الدراسات وتقييمها، وبعد ذلك سنتفاوض معها، للبدء باستغلال الصخر الزيتي المتواجد في الأعماق".

ولفت في حديثه لـ “السّجل” إلى أن المفاوضات جارية مع شركة مصانع الإسمنت الأردنية لاستغلال خام الصخر الزيتي كمصدر للطاقة في مصنع إسمنت الرشادية. توقع إطلاق المرحلة الثانية من الاستثمار في موقع العطارات لاستخراج الصخر الزيتي في غضون الأشهر الأولى من العام الحالي .

يعتبر حجازين أن من تجارب استغلال الصخر الزيتي الناجحة، الطريقة التجارية بالحرق المباشر في أستونيا، “ وقعنا معهم مذكرات تفاهم، لوضع محطة كهرباء على حسابهم، وسنشتري الكهرباء منهم”.

وأكد خبراء واقتصاديون في مناسبات شتى، أن استغلال الصخر الزيتي سيعود على الأردن وميزان مدفوعاته بفوائد اقتصادية جمة ستمكنه من الاكتفاء الذاتي في مجال النفط وستوفر على ميزان مدفوعاته ما يقدر بـ 4.19 مليار دولار (قيمة فاتورة استيراد النفط المتوقعة في عام 2010) فضلا عن تمكينه ليصبح مصدّرا صغيرا للنفط الخام. كذلك سيتمكن الأردن من استرداد كامل استثماراته في مشروع الصخر الزيتي خلال فترة خمس سنوات.

يشرح حجازين بأن المفاوضات مع شركة شل العالمية حول الاتفاقية التجارية للمشروع ما تزال مستمرة، وسنصل خلال أشهر الى اتفاقية معها، وسيصار إلى عرضها على مجلس الأمة للمصادقة عليها ، منوهاً أن المشروع سيكون طويل الأمد ويحتاج الى فترة تتراوح بين 12 إلى 18 سنة لاستكماله .

لا يشكك نقيب الجيولوجيين الأردنيين (خالد الشوابكة) بأن الصخر الزيتي مجد إقتصادياً، لاسيما مع ارتفاع أسعار النفط بشكل مستمر ، لكنه يجادل بوجود نية واضحة لدى الحكومة إزاءه، “الصخر الزيتي يوجد على السطح والعديد من الشركات وقعت مذكرات تفاهم مع الحكومة وبعضها انسحب لغياب نية سياسية واضحة للحكومة في هذا الملف”.

وتمنى القيام بدراسات حكومية جادة لطمأنة هذه الشركات قائلاً “ لابد من وجود نية حقيقية وجادة لاستغلال الصخر الزيتي، التأجيل المستمر والمماطلات في البدء بأعمال استخراج النفط من الصخر الزيتي كان وراءها لوبي تشكل من قبل بعض المتنفذين ولابد من الوقوف في وجه هذا اللوبي" .

فيما يتعلق بالتخوف من التأثير البيئي لعمليات استخراج الصخر الزيتي يقول الشوابكة أن هذا التخوف ليس له مبرر ، فعندما تتقدم شركات عالمية للبدء بمشروع فإن لكل مشروع آثاره السلبية والجانبية ، مستشهداً بالتجربة الأوروبية في استخدام الفحم الحجري الذي يعد أكثر تلويثاً من الصخر الزيتي .

يعزو خبراء ومهتمون بهذا الشأن، هذا التلكؤ، إلى قصر أعمار الحكومات، فما إن تبدأ الحكومة المعينة بالعمل في مشروع معين لاستخراج النفط من الصخر الزيتي، حتى يتم تصدير الأزمة إلى حكومة أخرى تليها، تبدأ من نقطة الصفر، فالعمل المؤسسي الرسمي غائب، ونفتقر في الأردن إلى العمل التراكمي لذلك سيبقى “الصخر الزيتي” في مكانه ما لم نخطُ خطوة جادة في هذا السياق.

يرى المحلل الاقتصادي فهد الفانك أن العائق في عدم استغلال الصخر الزيتي عدم وجود تكنولوجيا لاستخراج البترول من الصخر الزيتي ، يقول الفانك لـ”السّجل “ لغاية الآن لا توجد دولة نجحت بذلك ، ومن غير المتوقع أن ينجح الأردن، في حين أن الولايات المتحدة الأميركية والصين لديهما كميات أكثر من الأردن ، ولا تقومان باستغلالها، لكنا نتمنى بالطبع نجاح المشروع “.

“ من الذي سيتحمل الخسائر في حال فشل المشروع ؟ شركة شل وعدت أن تعطينا إجابة في العام 2020 ، لسنا ضد المشروع لكننا ضد إنفاق الخزينة الملايين دون التأكد من المردود ؟” يتساءل الفانك.

ويطالب بربط المشروع باشتراط المحافظة على البيئة، قائلاً “كما نعلم فالصخر الزيتي وعمليات استخراجه تخلف رماداً والمساحات التي تحتوي على الصخر الزيتي كبيرة جداً، ما يهدد بتحويلها إلى مكرهة بيئية “.

يتفق محمد الحلايقة، نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، مع الرأي السابق ، ويرى أن مشكلة الصخر الزيتي تتمثل في الافتقاد إلى تكنولوجيا مثبتة لاستخراج النفط منه، هناك أفكار، وأبحاث تدور حول هذا الموضوع ومنها الأفكار العملية لشركة “شل” بحقنه بالبخار الساخن، لكنها تظل في الإطار النظري، والحل الوحيد العملي هو حرقه بشكل مباشر .

ويطرح التساؤل التالي: “هل وجدت تكنولوجيا موثوقة لاستخراج النفط من الصخر الزيتي ؟ “ أما عن الكلفة الاقتصادية، فيرى الحلايقة أنها مجدية جداً. لكنه يرفض فكرة وجود قرار سياسي يعارض اللجوء للصخر الزيتي كبديل للنفط “ على العكس، القرار السياسي يدعم ذلك، بدلاً من الاستمرار بالاعتماد على النفط المستورد “.

“حاولنا في إطار الحكومات التي عملت معها، أن نستقطب شركات لتقطير البترول من (الصخر الزيتي)، يشرح الحلايقة، وتعاقدنا مع شركة كندية، وهذه الشركة ادعت -في ذلك الوقت- أن لديها تكنولوجيا لاستخراج النفط، وكان لديها مشروع في أستراليا، فذهبت طواقم فنية من وزارة الطاقة ، وسلطة المصادر الطبيعية، إلى هناك للاطلاع على المشروع ، وكان القرار النهائي للشركة أن عملها في الأردن مرهون بنجاح التجارب في أستراليا، بيد أن المشروع التجريبي للشركة المذكورة في أستراليا فشل -مع الأسف- فتخلت عن مشروعها في الأردن.

الطريقة الثانية استخراج النفط من الصخر الزيتي تعتمد تكنولوجيا “الحقن الحراري” في باطن الأرض لموقع المشروع، وبموجب هذه التكنولوجيا يجري حفر ثقوب عميقة في الصخر الزيتي وإدخال بخار عالي الحرارة فيها أو قضبان كهربائية ساخنة، لتسخين الصخر الزيتي، ومتى وصلت درجة حرارة الصخر إلى درجة عالية ، يحدث عندها تفاعل كيماوي داخل الصخر يؤدي إلى تسرب النفط الخفيف منه إلى بئر قريبة، يجري ضخ النفط منها إلى الخزانات المقامة لهذه الغاية،في حين أن المواد الكربونية الثقيلة تترسب في مكانها داخل الصخر.

خلال السنوات الخمس الماضية عملت شركة “شل” على تطوير وتجربة هذه التكنولوجيا في مركز أبحاثها في كولورادو واستطاعت أن تنتج كميات تجارية تجريبية بنجاح .

تعد شركة “شل” واحدة من أصل ثماني شركات نفط أميركية قدمت طلبات إلى الحكومة الأميركية لاستئجار مساحات شاسعة في أراضي وأودية ولاية كولورادو لاستخراج النفط من الصخر الزيتي منها، غير أن هذه الشركات تخلت عن برامجها عندما هبطت أسعار النفط إلى مستوى قياسي في منتصف الثمانينات ومطلع التسعينات.

اشتعال أسعار الوقود يفرض تسريع البحث عن بدائل الطاقة – سليمان البزور
 
10-Jan-2008
 
العدد 9