العدد 55 - ثقافي
 

مراجعة: روشاناك شاعري-آيزنلور*

شيعة جبل عامل ولبنان الحديث:

المجتمع والدولة الأمة، 1918-1934

تأليف: تمارا الجلبي

الناشر: دار بلغريف، نيويورك

سنة النشر: 2006

عدد الصفحات: 227 صفحة

هذه دراسة متخصصة جيدة البحث، جيدة الكتابة حول الكيفية التي شكل بها شيعة جنوب لبنان هوية لبنانية خاصة بهم في إطار أيديولوجيتين مهيمنتين – لبنانية وعربية – ساهمت كلتاهما في تهميش الشيعة. يغطي هذا الكتاب أحداث جبل عامل – وهو كيان جغرافي وثقافي ذو أغلبية شيعية – منذ انهيار الحكم العثماني في الشرق في العام 1918، وحتى استقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي في العام 1943. وهي تقدم قراءة لتاريخ الطموحات الوطنية، ولجهود الاندماج في الدولة اللبنانية المشكَّلة حديثا، والخلافات بين القادة السياسيين والإقطاعيين والنخب الدينية والثقافية في جنوب لبنان.

يُقسم الكتاب إلى قسمين، يناقش الأول منهما التغيرات السياسية الكبرى التي واجهها الشيعة خلال تلك الفترة، وبخاصة تلك التي وقعت في منطقة وسط بين رؤية فيصل (الأول) الوطنية، والفرص التي وفرها لهم الانتداب الفرنسي. أما القسم الثاني فيشرح كيفية رد فعل الشيعة وتأقلمهم مع الحقائق الجديدة – مثلا، من خلال تأسيس مدارس أكثر تطورا، وتقديم تاريخ للجماعة وتوزيع سرديات عن الأمة المشكلة حديثا من خلال مطبوعة خاصة ذات نفوذ هي "العرفان".

يصف الفصل الأول جغرافيا جبل عامل، وتشكيل المجتمع المحلي والاقتصاد الإقليمي وعلاقاته بجبل لبنان بالاعتماد أساسا على تقييمات رحالة محليين وأوربيين. ويركز الفصل الثاني على الوسط الفكري والثقافي لجبل عامل. وهو يظهر كيف ساعد بروز ثلاثة من المثقفين العامليين ذوي النفوذ هم: الشيخ سليمان ظاهر وأحمد رضا ومحمد جابر الصفا، على وضع سردية تاريخية واحدة عن المجتمع المحلي في فترة ما بعد الحقبة العثمانية، سردية وضعت الشيعة العامليين في إطار خطاب قومي عربي سنّي مهيمن، وبوصفهم أعداء شرسين للانتداب الفرنسي. وفي الفصل الثالث تتحدى الجلبي هذه السردية التاريخية وتقدم مصالح عاملية متنوعة برزت بين الطموح لاستقلال إقليمي عن كل من الانتداب الفرنسي وسورية، الإلحاق بسورية الكبرى، والاندماج في الدولة اللبنانية.

يبدأ الفصل الرابع بحقائق العام 1920، وهو عام تأسيس لبنان الكبير، حين أصبحت أجزاء من جبل عامل - رغم رغبات كثير من السكان – منطقة جنوب لبنان، منطقة مهمشة ينظر إليها بوصفها امتدادا لجبل لبنان. وفي هذا الفصل توضح الجلبي كيف تأقلم كثير من الشيعة مع هذا التحول وتفاعلوا مع السردية الوطنية اللبنانية السائدة، إما بتحولهم إلى أعضاء في أحزاب يسارية وعلمانية، أو بالمشاركة في الدولة. وفي الفصل الخامس، تشرح المؤلفة كيف تمكن المجتمع المحلي من التمسك بكونه جزءا من الدولة اللبنانية التي يسيطر عليها المارونيون، وطوروا أدوات خاصة بهم مثل "المطلبية"، أي سياسة المطالب، للاندماج في الحياة الوطنية اللبنانية. ومن خلال كتابة العرائض والتعبير عن مطالبهم في مطبوعات، ضمنت النخبة الشيعية العاملية حقوقا لها من الانتداب الفرنسي. وقد كانت هذه الجهود جزءا من مؤسسة الشيعة بوصفهم مجتمعا محليا مستقلا. وفي الفصل السادس توضح المؤلفة، مثلا، كيف أدى رد فعل مؤسسات شيعية محددة إلى تعزيز قوة النخبة الشيعية في لبنان، وكيف خدمت بوصفها وسيلة للاندماج في الدولة اللبنانية. وفي الفصل السابع والأخير، تُبرز الكاتبة كيف تمكن المثقفون الشيعة، بوصف ذلك جزءا من جهودهم للانخراط في هذه الأمة الجديدة، من وضع سردية شيعية جنوبية محددة؛ تاريخ هيمنت عليه الجماعة المحلية بوصفها وحدة متماسكة مرتبطة بموقع جغرافي محدد، على غرار النموذج الماروني.

رغم أن الكتاب يحقق هدفه عموما، وهو شرح النقاش الجاري بين الشيعة العامليين واستراتيجيتهم الخاصة لخلق فضاء لأنفسهم في لبنان الجديد - فإنه يبقى دراسة للنخب العاملية، فاحتجاجات التبغ التي حدثت في بنت جبيل العام 1936، مثلا، والتي لعب فيها الفلاحون دورا مهما، نوقشت في ثلاث صفحات من الكتاب فقط، وأخيرا، فإن المؤلفة ترى أن الدراسات حول الشيعة العرب توضح تواريخ الجماعات في المقام الأول، في ارتباطها مع إيران أو النجف (ص 6-7). ورغم أنه في الفترة بين 1918 و1943، التي يركز عليها الكتاب، لم تكن الروابط المؤقتة مع إيران قد لعبت دورا كبيرا في تقديم الهوية بين شيعة لبنان (في حين أنها لعبت دورا في حالة النجف)، فإنها، كانت بالتأكيد كذلك منذ الثورة الإيرانية. وعلى أي حال، فإن الحفاظ على علاقات شيعية عابرة لا يعني ضمنا بالضرورة أن شيعة لبنان – وكذلك شيعة عرب آخرون – لا يمارسون أي نوع من الوكالة في بلورتهم لهوياتهم، كما أن أي تركيز على هذه الروابط يستثني إمكان دراسة الجماعة الشيعية اللبنانية بوصفها "كيانا مستقلا" تحدده في المقام الأول علاقاته مع الجماعات المحلية في الجوار القريب، كما تشير المؤلفة (ص 7). لقد أثرت الروابط بين الشيعة الإيرانيين واللبنانيين في السياسات ما بين الطوائف وداخل الطائفة الواحدة، مثلما أثرت في الحياة الداخلية اللبنانية.

بموضوعه هذا، فإن الكتاب ضروري للمختصين المهتمين عموما بالسياسات الطائفية في الشرق الأوسط والمختصين تحديدا في تاريخ شيعة لبنان وسياساته، لأن التقييم الغني الذي يقدمه يساعد أيضا، على وضع النشاط الشيعي في لبنان منذ الستينيات في المكان المناسب.

* قسم لغات وآداب آسيا والشرق الأدنى، جامعة واشنطن في سانت لويس، سانت لويس، مونتانا.

بالتعاون مع:

المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط

International Journal of Middle East Studies

شيعة جنوب لبنان: هوية خاصة ضمن أيديولوجيتين مهيمنتين
 
14-Dec-2008
 
العدد 55