العدد 54 - كتاب
 

تظهر الأرقام الرسمية أن معدل النمو قد ارتفع وانخفض معه معدل البطالة كما تظهر أيضاً أن معدلات الغلاء ارتفعت عن السابق. بغض النظر عن دقة أو صحة الأرقام، وبما أن الأرقام صدرت من المصدر ذاته، فإن ما يهمنا هو اتجاه هذه الأرقام صعوداً ام هبوطاً، ونوعية مدخلاتها؛ السؤال الهام الذي يطرح نفسه هو لماذا لم تنخفض معدلات الغلاء؟

فالأرقام تبين أن نسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي بأسعار السوق الثابتة في الربع الثاني من 2008 كانت 6.7في المئة مقارنة مع الربع ذاته من 2007. كيف تحققت هذه النسبة المرتفعة في الناتج المحلي الإجمالي؟ الواضح أن أعلى نسبة نمو كانت في صافي الضرائب على المنتجات، حيث نمت ضريبة المبيعات على المستوردات والسلع والخدمات المحلية والقطاع التجاري بمعدل 27في المئة وبذلك يُنسب 2.1في المئة من إجمالي معدل النمو المتحقق لصافي الضرائب، أي أن ثلث النمو كان نتيجة لارتفاع الضرائب وليس النشاط الاقتصادي في القطاعات المنتجة.

أيضاً، تشير الأرقام إلى تراجع نسبة البطالة من 13.1في المئة إلى 12في المئة، وهو معدل بطالة جديد محمود نسبيا في ظل معدلات البطالة المرتفعة والمزمنة التي عانى منها الاقتصاد الاردني منذ أكثر من عقد والتي لم تنزح عن 14في المئة إلا مؤخرا. لا شك في أن انخفاض أسعار الطاقة وارتفاع سعر صرف الدولار ومعه الدينار ساعدا في تحرير القطاعات المنتجة من بعض النفقات وتمكينها من زيادة معدلات التوظيف. كما أنه من الممكن أن الصناعة وغيرها من القطاعات المنتجة اتجهت نحو إحلال رأس المال بالعمالة وذلك لرخص الأخير نسبياً.

أيضاً ساعد القطاع الإنتاجي في التوظيف استمرار ارتفاع الأسعار، حيث نتحدث عن معدل تضخم يصل إلى 15.5في المئة في الشهور التسعة الأولى من العام (وهو أمر توقعناه هنا في هذا العامود سابقا)، وعلى الرغم من توجه الأسعار عالمياً إلى الهبوط، فلقد شهدت الشهور الأخيرة إصراراً من القطاعين العام والخاص على ارتفاع الأسعار. القطاع الخاص لم يكن ديناميكيا كفاية في التعامل مع أسعار الطاقة وسياسة التسعير التي يتبعها غامضة وغير واضحة بالاضافة الى أنها لم ينتج عنها محاكاة للسوق العالمية للطاقة بل هبوطاً في الأسعار أقل بكيثر مما تم في العالم حيث أصبحت الأسعار أقل من 80 دولاراً للبرميل بينما يدفع المواطن أكثر من ذلك بكثير. أما لُزوجة أسعار السلع والخدمات المقدمة من القطاع الخاص، فهي تدل على تشوهات هامة قائمة في سوق الإنتاج الأردني تنتج في غالبيتها عن الممارسات الاحتكارية والتحالفات غير المشروعة بين المنتجين (حسب قانون المنافسة) والتي تضعف بدورها مرونة هبوط الأسعار.

المراقب للأسعار في الأردن يجد أن هناك مرونة وسرعة في الارتفاع ولُزوجة (تباطؤ) في الهبوط، فلا حرج لدى القطاع الخاص من رفع الأسعار مع بوادر أي أزمة تهدد قنوات العرض، والتحجج لاحقا وحين تنتهي الأزمة وتنحسر إرهاقاتها بأن ما اشتراه كان بالأسعار المرتفعة حين حدوث الأزمة. لماذا لم ينتظر لثلاثة أشهر بعد الأزمة ليرفع الأسعار وانتظر لثلاثة أشهر ليُخفّضها؟ إن هذه الممارسة معروفة ومدروسة في الغرب وتدخل في باب التحقيق الحكومي، لأنها لا بد وأن تكون نتيجة استغلال لوضع مهيمن في السوق أو تحالف غير مشروع بين المنتجين أو المستوردين وتدخل أيضا في باب المحرمات في قوانين حماية المستهلك وتسمى Consumer Gouging وهي ممارسة غير مشروعة في الدول المتقدمة، وتؤدي الى الكثير من الغرامات في هذه البلدان مما يهدد ممارسيها بالإفلاس.

ورغم أن الحكومة تستطيع أن تفعل ما تشاء في ممارساتها التسعيرية، وتستطيع أيضا أن لا تخفض سعر النفط ومشتقاته الى النصف تماشيا مع الأسعار العالمية، غير أن غالبية المنتجين في الأردن ومن خلال هذه الممارسات إنما يؤذون الوطن وأنفسهم، ويدعون المواطن للتوجه بعيداً عن المنتجات الوطنية إلى منتجات مستوردة أرخص، وتتمتع بمستويات مماثلة أو أفضل جودة.

لا بد من دعم قدرات الأجهزة الرقابية وبخاصة مديرية المنافسة بوزارة الصناعة بل وتحويلها الى أهم هيئة تنظيمية مستقلة في الأردن، كما أوصت الأجندة الوطنية لتقوم بملاحقة وتغريم هذه الممارسات الضارة بالجميع، أيضا لا غنى للأردن عن قانون حماية المستهلك، القانون الأهم باعتقاد الكثير من مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد الموضوع لفرض ضرائب جديدة على المواطن.

يوسف منصور: أرقام النمو، البطالة والغلاء
 
04-Dec-2008
 
العدد 54