العدد 54 - أردني
 

محمد علاونة

شهد العام الأول من حكومة نادر الذهبي ارتفاع مؤشر التضخم إلى أعلى مستوياته، وكان ذلك في قسم كبير منه تأثرا بموجة الغلاء التي اجتاحت معظم دول العالم والتي كانت ذروتها في مايو/أيار الماضي.

الغلاء الذي اجتاح العالم وما عرف بـ "أزمة الغذاء العالمية" التي بدأت في يناير/كانون الثاني 2008، وتبعها ارتفاع حاد في أسعار النفط، دفع حكومة الذهبي إلى زيادة الرواتب بحيث يكون مجموع الزيادات نحو 100 دينار للموظف الذي يقل راتبه عن 350 دينارا و75 دينارا للذي يزيد راتبه عن 350 دينار.

وقررت أيضا منح المتقاعدين الخاضعين لأنظمة التقاعد المدنية والعسكرية علاوة على رواتبهم الشهرية بواقع 50 دينارا للمتقاعد الذي يقل راتبه عن 350 دينارا و 45 دينارا لمن يزيد راتبه عن 350 دينار.

بيد أن تلك الزيادات امتصها الانعكاس السريع من ارتفاع الأسعار عالميا على أسواق السلع والغذاء المحلية، وسط شكاوى من المستهلكين بأن العديد من التجار اعتبروها فرصة لتحقيق مزيد من الأرباح في إطار قانوني تنتهجه الحكومة وتدافع عنه من خلال إتباع سياسة السوق المفتوح، واستحقاقا لاتفاقيات دولية موقعة مع منظمة التجارة العالمية واتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

التجار دافعوا عن ارتفاع الأسعار بالقول إنه تضخم مستورد " Imported inflation"، لكن المستهلكين يؤكدون شكواهم بالتأكيد أن التجار لم يقوموا بخفض أسعار السلع محليا مع تراجعها عالميا، في الوقت الحالي، وتحديدا أسعار النفط التي هوت لمستويات أقل من 50 دولارا للبرميل.

على الرغم من التراجع الطفيف الذي شهده مؤشر التضخم في الأردن خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني، والذي يبين مستويات أسعار الخدمات والسلع، فإنه، وبعد تكليف الحكومة بشهر واحد، اتخذ الرقم القياسي لأسعار المستهلك اتجاها صعوديا حادا لتبلغ معدلات التضخم التراكمية

من أبرز السلع التي ساهمت في ارتفاع الضخم كل من مجموعات «الوقود والإنارة» التي ارتفعت بنسبة 57.0 في المئة، و «النقل» بنسبة 24.9 في المئة، و»الحبوب ومنتجاتها» بنسبة 33.2 في المئة و»الألبان ومنتجاتها والبيض» بنسبة 33.7 في المئة، و»اللحوم والدواجن» بنسبة 14.6 في المئة، في حين شهدت أسعار مجموعة «الاتصالات» انخفاضاً في أسعارها بنسبة 0.9 في المئة.

بيد أن نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق أكد أن جهودا مشتركة ما بين القطاع الخاص والحكومة بذلت للحد من انعكاسات الأسعار عالميا، لكنه أقر بأن الأمر كان خارجا عن السيطرة بالنسبة للحكومة من جهة والتجار من جهة أخرى نتيجة الانفلات العالمي للأسعار.

الزيادة الحاصلة في أسعار السلع مردها الأساسي الارتفاع غير المسبوق لأسعار السلع عالميا، والذي نتج عن عوامل متعددة أبرزها قلة الإنتاج مقابل زيادة الاستهلاك، واتجاه دول متقدمة مثل الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا إلى تحويل المنتجات الزراعية بديلا للطاقة كوقود حيوي، إضافة إلى الزيادة الحادة في أسعار النفط والتي انعكست على كلف الإنتاج والنقل.

ولفت الحاج توفيق إلى أن الحكومة استطاعت وبالتعاون مع التجار وقف ارتفاع عدد من السلع من خلال إعفاء مجموعات من السلع من الضرائب والرسوم في أشهر شباط/فبراير ونيسان/أيار وتموز/ يوليو، ما قلل من وطأة ضغوط التضخم. وأكد أن الحكومة عملت على إزالة العديد من المعيقات فيما يتعلق بالاستيراد لتسهيل عمليات انسياب السلع، لكنه حذر من المرحلة المقبلة التي يراها أكثر صعوبة نتيجة وجود شبه ركود في الوقت الحالي وتوقعات بحدوث انكماش في الوقت القريب، خصوصا مع

بدء البنوك في اتخاذ إجراءات بمنح تسهيلات، وأخرى في تعاملاتها المصرفية تتمثل بحالة تشدد زادت من شح السيولة في السوق.

وعلى رغم أن معدلات التضخم في الأردن كانت أقل بكثير من دول أخرى مثل دول الخليج التي تجاوزت النسبة في عدد منها 22 في المائة، فإن الأثر في الأردن كان أكثر وضوحا نتيجة انخفاض معدلات الدخل وغياب المصادر الطبيعية من طاقة وغاز.

الحكومة إبان تكليفها أكدت في خطابها أنها ستتخذ إجراءات فورية لمعالجة الاختلال الحاصل في السوق والزيادة في أسعار بعض المواد الأساسية، لكنها واجهت في بداية شهورها الأولى صعوبة في التكيف مع ما يحدث عالميا من انفلات في أسعار السلع والوقود.

ومع بدء الربع الثالث من العام الحالي، وهو الشهر قبل الأخير من عام الحكومة الأول، استجابت الحكومة للتغيرات الحاصلة في أسعار النفط عالميا لتخفض أسعار المشتقات النفطية أكثر من مرة، لكن مسألة أسعار السلع بقيت متذبذبة، وسط شكاوى من قبل المواطنين ودعاوي حكومية للتجار بالعمل على إعادة الأسعار إلى مستويات مقبولة.

يذكر أن بيانات الأسعار يتم جمعها من قبل دائرة الإحصاءات العامة في صورة شهرية من خلال عينة تشمل 3786 محلا تجاريا موزعة على المحافظات كافة، تجمع منها أسعار 822 سلعة، كما تجمع أسعار الخضار والفواكه واللحوم والدواجن والذهب أربع مرات في الشهر بواقع مرة كل أسبوع، في حين تجمع أسعار السلع الأخرى مرة واحدة في الشهر. وتقوم دائرة الإحصاءات العامة باستخدام أوزان للسلع المختلفة استنادا إلى نتائج مسح نفقات ودخل الأسرة لعام 2002.

ومن المتوقع أن تشهد معدلات التضخم التراكمية في الأشهر المقبلة تراجعا كون معدل التضخم لشهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي قد تراجع بما نسبته 2 في المئة عما كان عليه في شهر أيلول/سبتمبر.

موجة غلاء عالمية تورث تضخماً محلياً
 
04-Dec-2008
 
العدد 54