العدد 54 - ثقافي
 

محمد جميل خضر

البتراء في قصيد سيمفوني، هي الطريقة التي اختارها المؤلف الموسيقي هيثم سكرية، ليعبّر من خلالها عن احتفائه بالمدينة الوردية.

في الأمسية التي أقيمت قبل أيام على المسرح الرئيسي في مركز الحسين الثقافي، وحضرها جمهور كبير، حاول سكرية خلق توليفة هارمونية بين الموسيقى الغربية المتمثلة بآلات أوركسترا عمّان السيمفوني من وتريات وآلات نفخ نحاسية وبيانو، والموسيقى الشرقية عبر إشراك بعض الإيقاعات الشرقية (طار ودف وغيرهما) في تقديم «سيمفونية البتراء»، وكذلك منح آلتيْ المهباش التراثية والقربة الشعبية مساحة داخل زمن السيمفونية وتنوعها اللحني والأدائي.

حملت محاولة سكرية، بحسب متخصصين بالموسيقى والغناء، فرادة من جهة، وتكراراً من جهة أخرى، عبر تشابه بعض فقرات السيمفوني مع تجربة الموسيقي الأردني الراحل يوسف خاشو، وأسلوبه في المزج بين الموسيقى الغربية والتراث، وكذلك تشابه وصل حد التماثل مع فقرة (ميلودي) من مقطوعة للموسيقي المصري عمر خيرت.

وبوجود فرقة عزف ضخمة (51 عازفاً وعازفة باستثناء فرقة المهابيش المكوّنة من أربعة عازفين)، ثلاث آلات كونترباص وأربع آلات تشيلو و14 آلة فيولين وخمس آلات فيولا و16 آلة نفخ وثماني آلات إيقاعية شرقية وغربية، فقد طغى جو كرنفالي على أمسية البتراء، وتميزت فقرات الحفل بالهيبة وقوة التأثير، خصوصاً مع بقاء التناغم ملموساً ومتنامياً بين مختلف الآلات.

لم تقتصر الأمسية التي نظمها المعهد الوطني للموسيقى بالتعاون مع أمانة عمان الكبرى ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون،على القصيد السيمفوني الخاص بالبتراء فقط، فقد اشتملت إلى ذلك على أربع فقرات أخرى: الشروق في وادي رم، الغروب في وادي رم، كونشيرتو الكمان الذي أقام عازف الكمان نبيه بولص خلاله حواراً أخاذاً مع باقي آلات الفرقة، بعزفه المنفرد على الكمان، وأغنية "حبيتك أنا عمّان" بصوت روز الور السوبراني بامتياز.

يرى سكرية أن "سيمفونية البتراء" هي سيمفونية "عربية أردنية بمختلف المعايير العالمية والمحلية"، ويوضح لـ "السجل" أن تقديمها في قالب القصيد السيمفوني، الذي ظهر في أواخر العصر الرومانتيكي وربط الموسيقى بالدراما،وتمثلها مفهوم الموسيقى التصويرية التعبيرية، أهّلها لأن تصور البتراء بتاريخها وعراقتها وجمالها، من خلال اتباع المدرسة القومية في التأليف الموسيقي، وذلك باستخدام الطابع الأردني في روح الموسيقى واستخدام ألحان شعبية أردنية، تم توظيفها في العمل مترافقة مع نسيج هارموني يؤدى من آلات الأوركسترا.

وكما في السيمفونيات الغربية، قُدم القصيد السيمفوني بقالب درامي، عبر رحلة بين عمان والبتراء، يتخللها تعريج على وادي رم مع شروق الشمس (Sunrise in WadiRum)، وهو ما عُبّر عنه بجُمل موسيقية قوية، تصف الطبيعة بجمالها وحيوية المكان وسحره ،ورؤية الغروب في وادي رم (Sunset in Wadi Rum)، بموسيقى رومانسية تصور الغروب المدهش بين جبال الوادي الوردية وصولاً إلى البتراء.

تنوعت موسيقى السيمفونية بين القوة والرومانسية في قالب تصويري وربط الموسيقى بالدراما.

وعن مدى تقبل الذائقة العربية تقديم خصوصيتها الجغرافية والبيئية بقالب موسيقي غربي، يوضح مدير المعهد الوطني للموسيقى د. كفاح فاخوري، أن ذلك ممكن في حالة تقديم عمل موسيقي ،يحمل بعداً درامياً ويحتوي على تسلسل أحداث بعيدة عن التجريد. يبيّن فاخوري أن التقبل يزداد مع تنامي قدرة العمل الموسيقي على تلمس أشجان المستمع العربي والتعبير عن أحاسيسه، واحتواء العمل على دقة موضوعية في استكناه خصوصية العلاقة بين الجمهور المستهدف، وبين أجواء العمل والروح التي يُحلّق في أفيائها.

لم ير فاخوري ضيراً في استخدام آلات غربية في التعبير عن أشجان ولحظات محلية، فـ "نحن نعيش في عصر مسموح فيه كل شيء"، ويذهب إلى أن قيمة العمل الفني تتمثل في مدى خدمته للمجتمع الخاص به واقترابه من هويته.

عن علمية تسمية ما قدم بالسيمفوني، يشير فاخوري إلى أن القصيد السيمفوني هو صيغة موسيقية، تتمتع "نوعاً ما" بحرية في التأليف ومرونة في الوصف.

وبما يتقاطع مع كلام فاخوري يذكر صبحي الشرقاوي ( اكاديمي موسيقي) أن السيمفونية هي قالب موسيقي اكتمل بناؤه في العصر الكلاسيكي الذي امتد حضوره وانتشرت سماته في مختلف أنحاء العالم. ويرى الأكاديمي أن الصيغة الموسيقية المتعلقة بالسيمفونية، ما زالت كما باقي الصيغ والقوالب الموسيقية الكلاسيكية، تحمل بعداً تعبيرياً يعكس واقعاً عاشه مؤلفها، وبالتالي، من السهل بحسب الشرقاوي، على أي موسيقي يمتلك أدوات اللغة الموسيقية تأليفاً وأداء أن يصيغ هذا القالب وغيره من القوالب الموسيقية، بروح مجددة، وبما يعكس هويته الخاصة به، إذا كان يمتلك رؤية خاصة بالمكان الذي يعيش فيه وحساً عالياً نحوه.

وفي سياق متواصل يرى الأكاديمي المتخصص بالموسيقى رامي حداد إمكانية أن تصبح السيمفونية مرجعية موسيقية جديدة تضاف إلى مقامات الموسيقى العربية، شرط أن يسبق ذلك تثقيف موسيقي على نطاق واسع، يوسع مدى الذائقة العربية التي يستهويها الغناء وما يتخلله من كلمات على حساب الموسيقى البحتة. فالمستمع العربي، بحسب حداد "يتأثر بالكلمة أكثر من تأثره بباقي عناصر الأغنية"، وإذا استطاع ترويض نفسه وتعويدها على الاستماع إلى الموسيقى، وتأمل جماليات اللحن والتوزيع الموسيقي، فإن صيغة مثل السيمفونية وموسيقى الحجرة والسوناتا، ستجد لها مكاناً في المشهد الموسيقي العربي، كما يأمل حداد الذي يبيّن أن التخت الشرقي فكرة موسيقية تحاكي موسيقى الحجرة ولكن بقالب شرقي.

“سيمفونية البتراء”: المدينة الوردية في قالب غربي
 
04-Dec-2008
 
العدد 54