العدد 53 - أردني
 

دلال سلامة

رغم كونها مؤسسات قائمة على جهود تطوعية لأفراد آمنوا بأهداف وسعوا بجهود ذاتية لتحقيقها، فإن تاريخ الجمعيات الخيرية في الأردن جاء ليعكس حالة الحراك الفكري والسياسي التي طبعت المجتمع الأردني بين الثلاثينيات والستينيات من القرن العشرين. ولكن بعض هذه الجمعيات تمكنت من التخلص التدريجي من هيمنة الطابع السياسي الذي تحول بالتدريج إلى عمل الأحزاب، والتوجه نحو ما هو أبقى وهو تأسيس مدارس تحمل الرسالة التربوية لتلك الجمعيات:

جمعية الثقافة الإسلامية:

تأسست في العام 44 وكان صاحب المبادرة هو الحاج عبد الله أبو قورة، الذي قام بدعوة مجموعة من كبار رجال الأعمال والوجهاء في ذلك الوقت، ومنهم عمر البعلبكي وسعيد الدرة وعبد الرحمن فرعون وشفيق الحايك وراشد دروزة ومحمد الشريقي وغيرهم، دعاهم إلى إنشاء جمعية تهدف إلى تأسيس مدرسة تعنى، بالإضافة إلى أهداف كثيرة، ب "غرس الإيمان بالله تعالى, وأركان العقيدة الإسلامية".

المدرسة أنشئت في العام 47 على أرض مقدارها 32 دونما، تبرع بأربعة وعشرين دونما منها كل من صبري الطباع وحمدي منكو وياسين دياب وأولاده.

أما المباني فقد أقيمت أيضا بفضل تبرعات من أعضاء الجمعية. الملاحظ هو حجم المبالغ التي أنفقها هؤلاء؛ فبرج الساعة مثلا الذي أقيم في العام 1952، واستوردت ساعته من لندن، تبرع بكامل كلفته التي قاربت في ذلك الوقت عشرة آلاف دينار محمد ماضي، وهو بمقاييس ذلك الزمان مبلغ ضخم.

المدرسة اعتمدت اللغة العربية لغة تدريس لجميع موادها، الأمر الذي جعلها تتعرض إلى الهجوم من جهات عديدة، اتهمتها بضعف مستوى خريجيها في اللغة الإنجليزية، ما جعل هؤلاء يعانون لدى متابعة تحصيلهم في الجامعات الأجنبية، وقد رفضت الكلية وقتها مطالب بتعديل خطتها الدراسية، عن طريق تدريس المباحث العلمية وبعض المباحث الاجتماعية باللغة الإنجليزية، لأنها رأت أن ذلك يتعارض مع الهدف الأساسي الذي أنشئت من أجله. وقد تمكنت المدرسة بعد تنسيق مع الجامعة الأميركية في بيروت, من الحصول على اعتراف الجامعة بشهادة الثانوية العامة التي تمنحها المدرسة.

الملك الراحل الحسين بن طلال، وأولاده الملك عبد الله والأمراء فيصل وعلي، هم أبرز الشخصيات التي درست في هذه المدرسة، وقد خرجت المدرسة على امتداد تاريخها الطويل الكثير من رجالات الدولة ومنهم عبد الكريم الكباريتي، ورجائي الدجاني، وحمدي الطباع، وعبد الرحيم البقاعي.

جمعية الثقافة والتعليم الأرثوذكسية:

بدأت هذه الجمعية فكرة في العام 53، ولتحقيقها قامت مجموعة من الشباب الأرثوذكسي بتأسيس جمعية مدارس الأحد الأرثوذكسية، وقد جاءت هذه الخطوة، بحسب ميشيل سنداحة، نائب رئيس الجمعية، لتعويض التقصير الذي كان يعتري عمل الرئاسة الروحية للطائفة في القدس، وهو التقصير الذي أدى، نتيجة صراع القوى الغربية على المنطقة في ذلك الوقت، إلى تحول كثير من أفرادها إلى طوائف أخرى: "في تلك الفترة كان هناك الإنجليز والفرنسيون والألمان، وكانوا يحاولون أن يجدوا لأنفسهم موطئ قدم في المنطقة، وكانوا بحاجة إلى رعية، فقاموا بتحويل فقراء الأرثوذكس عن عقيدتهم بالإغراءات المادية،" يقول سنداحة.

المدرسة خاضت في بداية إنشائها حربا ضروسا، إذ كانت أول مدرسة مختلطة في الأردن. وقد لاقى ذلك معارضة حكومية وشعبية كبيرة، ولكن المدرسة استطاعت المواصلة بدعم من مجموعة من الشخصيات الأردنية المتنورة في ذلك الوقت، ومنهم زيد الرفاعي وذوقان الهنداوي وأحمد اللوزي. وقد تحدى كثيرون عصرهم وسجلوا بناتهم في المدرسة مثل بسمة أحمد اللوزي، وعالية زيد الرفاعي وسوسن عبد السلام المجالي.

للجمعية الآن مدرستان في الشميساني والأشرفية، وروضة أطفال، وهناك كثير من الشواهد على أن مبدأ عدم الربحية ما زال يشكل عماد عملها، فالجمعية تتقاضى من طلاب مدرسة الأشرفية ثلث قيمة القسط المدرسي الذي يدفعه الطالب في مدرسة الشميساني الأعلى دخلا. كما أن مجموع الإعفاءات السنوية لأبناء الفقراء هي 100 ألف دينار، بالإضافة إلى 216 ألف دينار هي كلفة إعفاءات أبناء العاملين سنويا.

من أبرز خريجي المدرسة : كريم قعوار، سفير الأردن في واشنطن، والأمير شاكر بن زيد ، وزيد سعد جمعة.

للجمعية هدف تسعى منذ عشرة أعوام لتحقيقه وهو إنشاء جامعة؛ المشروع الذي جهزت له قطعة الأرض والمخططات الهندسية، ما زال ينتظر رؤية النور منذ سنوات، كما أنه ينتظر موافقة الجهات المعنية.

جمعية المركز الإسلامي: واحدة من الجمعيات التي تتميز بحضور قوى في المملكة. تأسست الجمعية في العام 63، على يد مجموعة من الشخصيات الأردنية ومنهم: محمد عبد الرحمن خليفة، مشهور الضامن،

يوسف العظم، ابراهيم زيد الكيلاني، عبد خلف داودية وغيرهم، ومعظمهم من ذوي التوجه الإسلامي.

تأسست الجمعية في البداية جمعية خيرية معنية برعاية الأيتام والفقراء والأرامل، ثم ظهرت فكرة إنشاء مدرسة تابعة للجمعية، ليتم إنشاء أول مركز تعليمي تابع للجمعية، وهو روضة أطفال أقيمت في الزرقاء في العام 78.

حالياً يبلغ عدد المراكز التعليمية التابعة للجمعية 50 مدرسة وروضة منتشرة في مختلف المدن والقرى الأردنية، بالإضافة إلى كلية المجتمع الإسلامي في الزرقاء.

الجمعية الثقافية العربية:

تأسست في نيسان/أبريل 1967على أيدي مجموعة من النساء اللواتي كان معظمهن قد عملن في التعليم، ومنهن: انتصار جردانة كلثوم النابلسي وهالة خورشيد،وغيرهن، وقد أسسن الجمعية لهدف واحد، هو إنشاء مدرسة مستقلة بتوجه قومي عربي وطني، ويأتي ذلك، بحسب انتصار جردانة "سدا لنقص كان موجودا قي ذلك الوقت في مشهد التعليم في الأردن، لأن المدارس الخاصة كانت في معظمها تابعة لمؤسسات دينية."

الجمعية التي انضم إليها بعد تسجيلها العديد من رجالات الدولة، ومنهم على منكو وجعفر الشامي وفارس أمين ملحس ومحمد جردانة، اضطرت إلى تأجيل مشروع المدرسة، وذلك بسبب النكسة التي حدثت بعد شهرين من إنشائها، فقد انشغلت العضوات في الأعمال التطوعية وفي جمع المال اللازم لإنشاء المدرسة، الأمر الذي استغرق ثماني سنوات، عندما أنشئت مدرسة الرائد العربي في العام 75.

التحدي الأكبر في هذه السنوات الثماني هو الحصول على المال، الذي كان يأتي من اشتراكات الأعضاء وتبرعات الأصدقاء والمعارف ورجال الأعمال. وتروي جردانة أن ابن لادن الأب، أبو أسامة بن لادن، وكان، وقتذاك، واحدا من كبار المتعهدين في السعودية، جاء في زيارة للأردن، فتوجهت مجموعة من نساء الجمعية إليه وطلبن منه التبرع للمدرسة، فتبرع بمبلغ 2000 دينار، وكان وقتها مبلغا كبيرا من المال.

الأساس الذي قامت عليه المدارس هو عدم الربحية والاهتمام بالمستوى، والدليل على ذلك هو أن عملية التوسع في المدرسة استغرقت سنوات طويلة فابتداء من العام 75 كان يتم في كل سنة افتتاح صف واحد فقط ، لهذا تخرجت أول دفعة طلاب توجيهي من المدرسة في العامل 89.

ورغم أن المدرسة بدأت مختلطة‘ إلا أنها لم تضطر لخوض المعركة التي خاضتها الأرثوذكسية، فالمجتمع الأردني في منتصف السبعينات كان أكثر تنورا.

ومن إنجازات الجمعية إنشاء روضة أطفال في مخيم الوحدات، بمواصفات مطابقة لمواصفات روضة الأطفال في الشميساني، وكانت تتقاضى رسوما رمزية لا تتجاوز خمسة دنانير. أنشئت الروضة في العام 88. في العام 2004، قامت أمانة عمان باجراء توسعة للشارع ما أدى إلى إزالتها، والمبلغ الذي حصلت عليه الجمعية كتعويض لم يمكنها من إعادة إنشائها.

جمعيات أردنية: إسلامية أرثوذوكسية وقومية عربية
 
27-Nov-2008
 
العدد 53