العدد 53 - أردني
 

محمد شما

الجمعيات التطوعية لا تعتمد في مواردها المالية على جهة بعينها؛ فالموارد متعددة ومتنوعة، لكنها، على كثرتها، لا تملك مصدرا ثابتا يؤمن لها الاستمرارية، ما يعطل عملها، وقد يؤدي، في أحيان كثيرة، إلى الإغلاق لعدم قدرتها على دفع الإيجار.

 ولا تعدو الأنشطة التي تنفذها الجمعية أصابع اليد الواحدة، ويعزو ناشطون ذلك إلى جملة أسباب أهمها: «قلة الموارد المالية» و«منع إقامة نشاطات متفرقة، لعدم الحصول على ترخيص من محافظة العاصمة». لكن نقص التمويل يبقى السبب الأبرز، فالمال هو المحرك الأساسي لنجاح أي جمعية. 

يبحث الكفيف أسامة السيد، رئيس جمعية «شمس الأمل» الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، عن معيل للجمعية التي تؤهل 100 كفيف لتعلم لغة «بريل»، وطرق الرد على الهاتف في المقاسم بشكل دوري. يقول أسامة إن الجمعية بدأت عملها في الأول من العام الجاري، حيث استأجرت مقرا لاتدفع إيجاره، فقد «تبرع» صاحب البناية في منطقة سحاب، بعدم أخذ الأجرة، لكنه يعتزم بيع البناية الشهر المقبل، ما يلزم الجمعية دفع إيجار المقر للمالك الجديد.

 «ثمة تحد كبير نواجهه. وقد حاولنا الاتصال بشتى الشركات الخاصة والاتحاد العام للجمعيات الخيرية طلبا للدعم، لكن النداءات لم تجد نفعاً، باستثناء الاتحاد الذي بادر إلى تسيير حال الفواتير ليس أكثر»، يقول السيد.

 جمعية «سيدات عراق الأمير التعاونية»، تمكنت من تحصيل دعم مالي بمقدار 16 ألف دينار من السفارة البريطانية أوائل العام 2000، وبعد ذلك لم تستطع الحصول على مال للاستمرار، ما حدا بها إلى وقف بعض أنشطتها أو التخفيف منها مثل: تقليص منتجاتها والتوقف عن إقامة البازارات. رئيسة الجمعية إنعام السكارنة تعبر عن تخوفها من إغلاق الجمعية، التي تقول إنها توظف عشرات السيدات في منطقة عراق الأمير خارج العاصمة.   

 تبيع جمعية سيدات عراق الأمير التعاونية منتجاتها من الصابون للملكية الأردنية؛ وهي الجهة الوحيدة التي استطاعت أن تؤمن لها أجرة المقر وأجور العاملات. تقول السكارنة: «قدمت لنا وزارة التخطيط أخيرا منحة مالية بقيمة 51 ألف دينار، قمنا بعدها بشراء أجهزة وأفران للخزف، ودفع أجور المباني المكلفة».

 شُح الموارد المالية يعطل مسيرة عمل كثير من الجمعيات المتخصصة في أهدافها، حيث لا تقوى على الاستمرار، وسرعان ما تتوقف عن عملها وتهجر مقراتها، وهذا ما حصل لإحدى الجمعيات المتخصصة بمرض التوحد، والتي تأسست قبل عدة سنوات، لكنها سرعان ما أغلقت بداية العام الجاري لعدم قدرتها على سداد إيجار مقرها.

  سهام الخفش، رئيسة جمعية «مساندة ودعم الأفراد التوحديين وأسرهم الخيرية»، تتمنى أن تضع قاعدة بيانات حول حجم التوحد في الأردن ومعرفة التوزيع الجغرافي للمرضى وفئاتهم العمرية، لكنها لا تستطيع القيام بذلك في الوقت الحالي «لعدم وجود دعم مالي»، كما أن التبرعات لا تتسم بالديمومة. 

 جمعية «أصدقاء كبار السن» تعتمد في دعمها على رئيستها سميرة فاخوري، التي تقول إنها تعتمد على علاقاتها الخاصة لدفع أجرة المقر التي تبلغ ثلاثة آلاف دينار في السنة. إلا أن هناك دعماً «عينياً» تتلقاه الجمعية عن طريق شركات تنشط في شهر رمضان فقط، حيث تقدم الأدوية والمعلبات الغذائية.

 في الجانب الآخر، هناك جمعيات متخصصة،تعجز عن حجز قاعة في فندق لإقامة حفل خيري، ما يجعلها تستجدي دعماً من المنظمات الممولة والمانحة للتبرعات، كما هو الحال مع الجمعية الأردنية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة. يقول رئيسها السابق محمد حياصات إنهم كانوا يعتمدون على الاتحاد العام للجمعيات الخيرية في الحصول على دعم لا يتجاوز 400 دينار سنويا. «شح الموارد قلص من نشاطات الجمعية وحدد من خططها السنوية في الوصول إلى أكبر فئة من ذوي الاحتياجات الخاصة»، يضيف حياصات.

 ثمة شعور لدى المواطنين بأن هنالك تخمة غير مبررة في عدد الجمعيات، والتي ما أن تؤسس حتى تغلق وينتهي نشاطها بانتهاء المبالغ المرصودة لها من التبرعات، أو رسوم الاشتراكات، أو التمويل المقدم من إحدى الجهات الداعمة. وقد أثار ذلك انتقادات عديدة بين أوساط العاملين في الجمعيات، والذين طالبوا بوضع ضوابط على «سوق الجمعيات» التي أصبحت تتكاثر من دون أن يرافق ذلك نشاط مواز من حيث الفائدة.

 المحامية أسمى خضر، دعت الجمعيات، في وقت سابق، إلى أن تضع بالتفصيل الغايات التي أنشئت من أجلها ووسائل تنفيذ تلك الغايات. تقول خضر: «الجمعيات غير ملتزمة بأنظمتها الداخلية إلى حد ما، وما يساعد في ذلك ضعف الأفراد المنتسبين لتلك الجمعيات».

 ما يفاقم مشكلة نقص التمويل أن بعض الجمعيات يفتقر إلى استراتيجية واضحة، ما يجعلها غير قادرة على الاستمرار، فتتوقف بعد ولادتها بفترة زمنية قصيرة لتتوقف بالتالي جمعية جديدة قد تكون إضافة عددية للجمعيات التي تضخمت أعدادها في صورة كبيرة، أو قد تسد فراغاً حقيقياً في جسم الجمعيات الذي يجادل كثيرون في أنه بات يشكو الترهل.

بسبب نقص التمويل: جمعيات “تستجدي” أموالاً وأخرى مهددة بإغلاق أبوابها
 
27-Nov-2008
 
العدد 53