العدد 53 - اقليمي
 

تحسين يقين

القدس - قارب الفلسطينيون على حصاد جني معاصرهم ومفارزهم، رغم تدني نسبة مطر العام الماضي التي أثرت سلباً على المحصول، ومحاولات المستوطنين اليهود تخريب الموسم، لكن الزيت المنتج أحرز سعراً جيداً حسب قاعدة العرض والطلب.

ارتفاع ثمن الزيت لا ينطبق على المنتوجات السياسية الفلسطينية، وكان آخرها انتخاب المجلس المركزي للرئيس محمود عباس رئيساً لدولة فلسطين، لما لذلك من دلالة اهتمام منظمة التحرير بالدولة بحد ذاتها، لا بمضمون هذه الدولة التي تتعسر ولادتها، وهو ما دفع حماس إلى استغلال خطوة المجلس المركزي لنقد توجهات القيادة «باستباق موعد انتهاء فترة الرئيس».

تحذير الرئيس باللجوء إلى الانتخابات إذا فشل الحوار لم يعد فاعلاً، في ظل سيطرة حماس على قطاع غزة، وسوف تكون الخطوة تكريساً للانفصال، وتكراراً لانفصال حماس الذي تلوح به ابتداء من9 كانون الثاني/ديسمبر 2009.

الانتخابات العامة ليست وحدها ما يثير يقلق، إذ إن انتخابات فتح هي الأخرى تشكل قلقاً لقيادات فتح، على ضوء تنازعها ما بينها من جهة، وما بينها وبين الجيل الشاب من جهة ثانية.

عضو المجلس الثوري للحركة رفيق النتشة، يؤكد أن اللجنة التحضيرية للمؤتمر أنجزت 98 في المئة من متطلبات المؤتمر، ولم يعد هناك عذر للتأجيل.

ورغم أن عباس، رئيس اللجنة المركزية للحركة، كرر إعلانه عن نية عقد المؤتمر السادس قبل نهاية العام الجاري، إلا أن المشهد هنا لا يؤكد ذلك. فحسب قادة فتحاويين فإن هناك ثلاثة آراء بشأن موعد المؤتمر، وهي: عقد المؤتمر قبل نهاية العام، تأجيل المؤتمر حتى شباط/فبراير 2009، وتأجيل الموعد حتى الانتهاء من حالة الانقسام.

يرى القادة الشبان أن الرأي الأخير يعني وبقاء الوضع القائم.الجيل القديم في الحركة لا يصرح بالتأجيل، بل يدعو إلى عقد المؤتمر، لكنه يفعل ذلك على مضض، ولا يستبعد أن هناك تياراً يعمل على التأجيل، لحين ترتيب أوضاع بعض القيادات ليعودوا لقيادة الحركة مجدداً.

الجيل الشاب أكثر صراحة، فوفقاً لقدورة فارس، فإن عقد المؤتمر مطلب لكافة أبناء الحركة، لكنه في ظل تشاؤمه من الوضع الفتحاوي يرى أن المؤتمر لن يعقد بتقديره قبل نهاية العام. وتوقع أن يبادر ممثلو الحركة الذين تم انتخابهم في مؤتمرات الأقاليم بالضغط على اللجنة المركزية لعقد المؤتمر. مضى على اللجنة المركزية 19 عاماً منذ انتخابات المؤتمر الخامس العام 1989.

يتفق مع هذا الرأي عبد الفتاح حمايل، وهو من الجيل الجديد، الذي يرى أن وضع الحركة لم يعد يحتمل، وأن التأجيل لا مبرر له، ورفض ربط عقد المؤتمر بالوضع في غزة.

حسين الشيخ، من الجيل الجديد يعتبر أن عقد المؤتمر مطلب قاعدي، وأن المطالبة بعقده جدية، ولا يرى مبرراً للتأجيل.

خلاف أبو مازن وأبو العلاء

خلاف الرجلين القويين داخل الحركة، يلقي بظلاله على المشهد، فرغم أن عضو اللجنة المركزية أبو ماهر غنيم، أنهى القطيعة بين محمود عباس وأحمد قريع في العاصمة الأردنية عمّان، حيث ظهرا معاً في إحياء الذكرى الرابعة لرحيل ياسر عرفات، إلا أنه ليس من السهولة تجاوز هذا الخلاف.

حسب مصادر في رام الله، فإن غنيم رتب لقاء مصالحة ومصارحة بين الرجلين في عمان، اتفق في نهايته على عقد اجتماع للجنة المركزية للحركة نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري لتحديد موعد ومكان انعقاد المؤتمر السادس الذي لم يعقد منذ العام 1989، وترك ملف منظمة التحرير وأمانة السر فيها الى اللجنة التنفيذية لبحث تولي ياسر عبد ربه أمانة سرها.

 ألمحت المصادر الى أن غنيم مفوض عام فتح في الداخل والخارج، طالب الرجلين بعدم الدخول في تفاصيل الخلافات بينهما، وبخاصة تحذير الإدارة الأميركية لعباس بأن قيادات في حركته تعمل ضده وضد توجهاته وتعرقل خططه بشأن ضبط الأوضاع في الضفة الغربية، وتحرض ضده في صفوف عناصر الأجهزة الأمنية.

ويدور في الكواليس الفلسطينية أن عباس تسلم قبل أسابيع تقريراً من الأميركيين يحذره من أن أحد قيادات من الصف الأول في حركته ومن العاملين معه، يشكك في قدراته ويقدم نفسه كبديل له، وذلك في إشارة الى قريع.

ورغم أن الرجلين جمعهما لفترة طويلة تيار واحد، أطلق عليه «تيار أوسلو»، إلا أن الظروف السياسية لكل منهما تدفعهما لكسب نقاط على حساب الآخر، وما تولي قريع رئاسة الوزارة في عهد الراحل عرفات، بعد فشل أبو مازن في الاستمرار بها، إلا دليل على استغلال «ثعلب السياسة» -حسب الكاتب السياسي حسن البطل- للظروف السياسية، وهو الذي رأس من قبل المجلس التشريعي الأول.

عباس رغم حديثه عن زهده بالحكم إلا أن سلوكه ينبىء عن غير ذلك، بتأكيده على مرجعية المنظمة للسلطة، وصلاحيات الرئيس، ورئيس المنظمة، وقبوله منصب رئيس دولة فلسطين من المجلس المركزي للمنظمة.

أما قريع فيمهد للعودة بقوة إلى قيادة السلطة، من خلال سعيه لقيادة فتح وبالتالي منظمة التحرير، فبعد الانتخابات الأخيرة التي خسرت فيها فتح لصالح حماس، تقلد قريع أهم منصبين هما: مفوض التعبئة والتنظيم للحركة في الداخل، ورئيس فريق المفاوضات مع إسرائيل، وكلا المنصبين منحاه ما أراد سياسياً. المنصب الأول منحه قيادة فتح، حيث يعد مفوض التعبئة والتنظيم أهم مركز للحركة، ومن خلاله اقترب من القيادات الشابة، فعزز موقعه في الحركة، وكسب الجيل الجديد إضافة للجيل القديم. ومنحته قيادة المفاوضات موقعاً محورياً، حيث يعد ملف التفاوض أهم ملف سياسي، وبذلك لم يترك للرئيس غير البروتوكولات الرئاسية، في وقت يتولى فيه رئيس الوزراء سلام فياض تسيير الحكومة كما يشاء..

قريع الشخصية الأقوى في فلسطين، لم تؤثر عليه الإشاعات، وظل يسير بقوة سياسية وتنظيمية، ساحباً البساط من تحت أقدام منازعيه ومنافسيه، علماً أنه تصعب منافسته، ومؤتمر فتح الخامس العام 1989 دليل على ذلك، فقد حاز على أصوات داخل المؤتمر أعلى مما حازت عليه شخصيات الصف الأول في الحركة.

ليس ثعلباً سياسياً فقط، بل ثعلباً استراتيجياً

لم يضع قريع أية فرصة للتفوق السياسي على الرئيس عباس، فبعد أن أكد عباس في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة على خيار التفاوض، دون تقديم بديل في حال فشل المفاوضات، فإن رئيس فريقه للتفاوض ذكر أنه في حال فشل المفاوضات فإن لدى الفلسطينيين خياراتهم النضالية والسياسية، ومنها العودة الى خيار الدولة ثنائية القومية، وهو خيار قال إنه مدرج في البرنامج السياسي الجديد لحركة فتح، مضيفا بأنها «خيارات موجودة وهي أيضاً مبادرة فتح في العام 1967 حول دولة ديمقراطية علمانية يتساوى فيها الجميع».

وأكد وقتها قريع بأن الفلسطينيين لا يريدون من الجانب الأميركي تقديم مقترحات توفيقية للحل، وإنما ألا تغلق الإدارة الجديدة باب المفاوضات، وأن تستأنفها على أساس ما تم إنجازه بين الطرفين.

على ضوء الأجندة الإسرائيلية

حسب «هآرتس»، هذا الأسبوع، فإنه خلال سنة 2009، من المحتمل أن «تجد إسرائيل نفسها تتعامل، بمفردها تقريباً، مع إيران التي تمتلك قنبلة نووية، ومع انهيار السلطة الفلسطينية، وزوال حل الدولتين من جدول الأعمال، وحدوث تقارب بين الولايات المتحدة وإيران والدول العربية على نحو قد يقضم التفوق السياسي والعسكري لإسرائيل في المنطقة. هذه التوقعات تظهر في وثيقة بلورتها المؤسسة الأمنية في سياق إعداد التقويم السنوي للوضع. ومن أجل التعامل مع هذه «التهديدات»، أوصت المؤسسة بالاستعداد سراً لمهاجمة إيران، وبالدفع نحو تسوية مع سورية تشمل الانسحاب من الجولان، وبمنع إجراء انتخابات فلسطينية، حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة مع الولايات المتحدة».

رغم أن إسرائيل ليست مهيأة لانتخابات يمكن أن تفوز فيها حماس، فإنها كذلك ليست معنية بانتخابات حركة فتح، كونها قلقة جداً من الملف الإيراني،، فإذا تقلمت أظافر إيران تتقلم أظافر حلفائها في لبنان وغزة.

الانتخابات الأميركية وأولويات الإدارة الجديدة

أولويات إدارة أوباما هي ما يقلق تل أبيب بشكل خاص، وهوما تحدث عنه أمير أورن، معلق الشؤون الأمنية في هآرتس، حين تحدث عن نقاط باراك أوباما لحل الصراع!.

تتضمن مسودة الإدارة الجديدة أربع نقاط يتعين على أوباما، بحسب رأي سكوكروفت وبريجينسكي، أن يعلن على وجه السرعة تمسكه بها. هذه النقاط هي: ـ خطوط حزيران/ يونيو 1967 مع تعديلات طفيفة متبادلة ومتفق عليها؛ ـ تعويض اللاجئين الفلسطينيين بدلاً من تطبيق حق العودة؛ ـ القدس عاصمة لكل من الدولتين؛ ـ إقامة دولة فلسطينية مجردة من السلاح. نشر قوة دولية، قد تكون من حلف شمال الأطلسي، للحفاظ على السلام وحماية إسرائيل وتدريب القوات الفلسطينية.

أشار أورن إلى أن معدّي المسودة يشيران إلى أن إسراع الرئيس المنتخب في إعلان تبني المبادئ الأربعة، ربما يؤدي إلى اعتدال «حماس» واشتراكها في العملية السياسية، ما قد يسفر، حتى العاشر من شباط/ فبراير المقبل (موعد الانتخابات الإسرائيلية العامة)، عن انطلاقة سياسية «تتيح للشعب قول كلمته بشأن مستقبل بلده».

ويضيف: «إن النقاط الأربع المذكورة مشابهة للمبادرات العربية، مع فارق مهم واحد، هو حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً لموقف إسرائيل. وفي حالة إطلاق أوباما مبادرة تشمل هذه النقاط فلن تشكل عبئاً على هيلاري كلينتون، إذا ما تم تعيينها وزيرة للخارجية في إدارته. وسبق أن أكدت كلينتون، في سياق مقال نشرته قبل عام في «فورين أفيرز»، أن «العناصر الرئيسية للاتفاق الدائم معروفة منذ سنة 2000»، أي منذ أن نشر زوجها بيل كلينتون، عندما كان رئيساً للولايات المتحدة، خطته للسلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني.

لذلك هناك من نصح بنشر إعلانات مدفوعة في الصحف الإسرائيلية، للتبشير بالمبادرة العربية لكسب الرأي العام الإسرائيلي، التي يبدو أن الإدارة الأميركية قريبة منها مع بعض التعديل، وهو ما يقلق إسرائيل.

ربما تجد فتح لنفسها في علاقتها الاستراتيجية الجديدة مع الولايات المتحدة ملاذاً، لكن تل أبيب لن تمضي في المفاوضات فالأولوية لإيران، وبذا فليس هناك على المدى المنظور أي اختراق متوقع للمفاوضات، بعد الانتخابات المقبلة في فلسطين وإسرائيل، ولن تجبر الولايات المتحدة إسرائيل على شيء، وهذا ما يود أن يضمنه أولمرت الذي يريد تبني أوباما لوعود وتعهدات بوش.

هل تؤول قيادة فتح لأحمد قريع؟: ملف إيران يدفع تل أبيب لتجميد التفاوض مع الفلسطينيين
 
27-Nov-2008
 
العدد 53