العدد 53 - ثقافي
 

السّجل- خاص

تسدل الستارة على مهرجان المسرح الأردني الخامس عشر في دورته العربية السابعة، في وقت يرى فيه متابعون ومعنيون، تراجعاً في مستوى المهرجان على الصعيدَين الإداري والفني.

المشاركة العربية الواسعة (عروض من تسع دول غير الأردن، وثلاثة مكرَّمين من ثلاث دول عربية أخرى)، لم تَحُل دون إبداء ملاحظات على المهرجان، طالت حتى طبيعة المكان الذي اختير لإقامة الوفود العربية المشاركة.

هذا المهرجان المسرحي الأهم محلياً على الصعيد الرسمي، تجاوزَ مرحلة اكتمال البدر بعام، وبلوغه سن النضج، إلا أن اكتساب الثقة ومردود الخبرة لم يبن تراكمياً، بحسب الموسيقي نصر الزعبي الذي يرى في حديث لـ«ے»، أن فكرة المهرجان نشأت عبر تعاون بين وزارة الثقافة ونقابة الفنانين الأردنيين، لتقديم نموذج حي عن ديمقراطية أردنية كانت نهاية ثمانينيات القرن الماضي تتلمس خطواتها الأولى، ومن أجل تكريس علاقة الدولة ممثلة بوزارة الثقافة، مع فعاليات المجتمع المدني ممثلاً بنقابة الفنانين.

أمين سر نقابة الفنانين الأردنيين حسين الخطيب، يتفق مع الزعبي حول موجبات التعاون بين النقابة بوصفها ممثلة للحراك غير الرسمي، والوزارة باعتبارها مرجعية ثقافية رسمية. ويشير إلى «سوء التخطيط في المهرجان، وغياب التنسيق مع نقابة الفنانين، أو أنه تنسيق في أحسن الأحوال أقلّ من المأمول».

نقيب الفنانين السابق الفنان مالك ماضي، يستذكر التجربة المميزة وغير المسبوقة، عندما نظمت النقابة الموسم الثقافي الأردني الأول (1999- 2000) الذي تجاور فيه المسرح والسينما والغناء والموسيقى والندوات الفكرية، وشارك فيه فنانون وكتاب ومفكرون كبار. «هذا يعني إمكانية تنظيم نشاطات نوعية قد تحتاج أحياناً لدعم رسمي، أو على الأقل توفير المناخ المناسب لإقامتها».

الزعبي يرى أن الأساس الذي قام عليه المهرجان منذ بداياته، هو احترام حرية التعبير المكفولة بالدستور، مستفيداً من إرهاصات ديمقراطية ناشئة. وهو ما لا يختلف عليه معه مدير المهرجان د.سالم الدهام في سياق رده على ملاحظات النقد وتساؤلات الجودة.

وسط هذه المعطيات، أصبحت المشاركة في المهرجان، كما يوضح الزعبي، طموحاً حقيقياً عند المسرحيين العرب، على شاكلة ما يحدث في مهرجان جرش وملتقيات فكرية وثقافية عُقدت استجابةً للحالة الديمقراطية.

«ما يثير الدهشة ويدعو للتساؤل هذا التراجع الذي أصاب المهرجان، وبخاصة في دوراته الأخيرة»، يقول الزعبي، ويضيف أن التراجع يتمثل بعدد من الملاحظات يتقدمها تخلّي الوزارة عن مسؤولياتها الأدبية والأخلاقية تجاه المهرجان. «فلم تعد تعير اهتماماً لمشاركة نقابة الفنانين في إقامة المهرجان، وأزالت اسمها من التعاون الفني، كما ألغت المسابقة الرسمية، ليتسنى لنافذين ترشيح أعمال تهمهم على الصعيد الشخصي وغير مؤهلة على الصعيد الفني، للمشاركة في المهرجانات الخارجية».

الدهام يقول إن اختيار أعضاء اللجنة العليا شأن خاص بوزير الثقافة، ويستدرك بقوله: «معظم الأسماء الموجودة في اللجنة العليا أعضاء في نقابة الفنانين».

وفيما يبدي الكاتب مهند صلاحات تحفظه على آليات اختيار العروض، ويطالب بمنهجية ثابتة ومؤسسية في هذا الصدد، فإن الدهام يبيّن أن من بين توصيات دورة المهرجان الحالية، أن تقوم وزارة الثقافة باختيار بعض العروض العربية الخاصة المتميزة أو الفائزة بجوائز، إضافة للعروض الرسمية المرشحة من وزارات الثقافة العربية. وذلك بعد أن لم يكن لإدارات المهرجان المتعاقبة، ولا للجانه دور في اختيارها.

الزعبي يأخذ على «الثقافة» أيضاً، عدم إيلائها اهتماماً خاصاً بحفل الافتتاح، بوصفه واجهة حضارية للأردن «يعكس خطابها القيمي والجمالي والتراثي».

وهو ما يؤكد الدهام على عدم الاختلاف حوله لولا أن المشروع الذي كشف الدهام أن الزعبي تقدم به، تصل كلفته إلى أربعين ألف دينار، وهو «ما لا طاقة للمهرجان والوزارة عليه، فضلاً عن أنه كان لوحات غنائية وليس عرضاً مسرحياً»، كما يكشف الدهام، «والأفضلية للعرض المسرحي كوننا نتحدث عن مهرجان مسرحيّ».

لا يجوز، بحسب الزعبي، أن يرشح عضو لجنة عليا على سبيل المثال عرضاً من إخراجه أو يخصه للمشاركة في فعاليات المهرجان. كما لا يصح أن يرشح بعضهم قريباً له للتكريم على هامش المهرجان، وهو ما يحدث -كما يؤكد الزعبي- على حساب أسماء لها تاريخها المسرحي ومنجزها الفني اللافت.

حول هاتين الملاحظتين، أفاد الدهام أن المسرحية المقصودة لم تنتجها وزارة الثقافة ولم «تنفق عليها ديناراً واحداً»، وأنهم هيأوا لها مكان العرض فقط، وكشف أن قرار عرضها اتخذته اللجنة العليا التي رشحت إضافة لتلك المسرحية عرضين محليين آخرين، إلا أنهما لم يعرضا لأسباب مختلفة.

وعن اختيار المكرمين، عاد مدير المهرجان وأحال المسألة إلى اللجنة العليا «صاحبة القرار الأول والأخير في اختيارهم»، وعقّب حول تكريم شقيق أحد أعضاء اللجنة العليا بالقول: «لا ينبغي أن نعاقب فناناً لأن شقيقه عضو في اللجنة العليا، فهذا مخالف لأخلاقيات المسرح وبعيد عن الحياد الموضوعي».

صلاحات يعلّق على تراجع مستوى النشرة اليومية للمهرجان قياساً مع أعوام سابقة، ويرى أن النشرة أصبحت مجرد استعراض لصور «الزملاء». ويضع تراجعها واختلال محتوياتها والضعف التحريري داخل أخبارها وموادها في سياق غياب المنهجية وسيادة الارتجال، وعدم استفادة إدارة المهرجان الحالية من تجارب سابقاتها.

وهو ما يرد عليه الدهام بالتوضيح أن للنشرة هيئة تحرير ترتبط برئيس اللجنة الإعلامية. «للهيئة رؤيتها الخاصة، وأعضاؤها الأقدر على تبرير وجهة نظرهم»، فيما لم يعلق مدير المهرجان على مسألة تراجع سوّية النشرة.

في سياق ذلك، يطالب الخطيب بإعادة النظر في القضايا المتعلقة بالشأن الثقافي والفني، وباعتماد خطاب واضح ومتوازن يخدم الجمهور والفنان على السواء.

المخرج محمد الضمور يقول إنه لا يسمع سوى كلمة «رداءة» تتردد في الردهات، والجلسات الخاصة وأحياناً العامة، ويتساءل بعتب عن أسباب هذه الرداءة، ومدى دقة الوصف، ويطالب بمراجعة موضوعية شاملة تتحلى بقدر عال من الشفافية.

وفي سياق رده على الملاحظات السابقة والتساؤلات المطروحة، يطالب الدهام من يقولون بتراجع المهرجان أن يبينوا مظاهر هذا التراجع وأشكاله، لتتسنى فرصة الرد على ملاحظات بعينها.

ويؤكد أن اختيار العروض المحلية الأربعة المشاركة في المهرجان جاء بعد تقييم لجنة اختيار العروض 28 نصاً مسرحياً مقدمة من مخرجين محليين. ويضيف الدهام أن أحداً ممن استُبعدت مشاركاتهم لم يحتجّ، ما يشير، بحسب تعبيره، إلى «نزاهة لجنة الاختيار، وموضوعية آلياتها».

رئيس اللجنة الإعلامية في المهرجان محمد الملكاوي يرى أن هذه التجربة مفيدة للدورات المقبلة، وبخاصة أن بعض إداريي هذه الدورة لم يسبق لهم أن تسلموا مناصب إدارية في المهرجان. يستشهد الملكاوي بموقف لحكيمٍ جرّبَ ألف وسيلة لحل معضلة ما، وعندما عيّب عليه مقربوه وقوعه بهذه التجارب الفاشلة جميعها، كان رده العميق أنه صار يعرف الآن ألف طريقة لا توصله لغايته.

كانت فعاليات المهرجان تواصلت على مدى أسبوعين، في المركز الثقافي الملكي والجامعة الأردنية. وقدمت فلسطين والكويت والسعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وتونس والعراق وسورية والجزائر والبحرين والسودان إضافة إلى الأردن 18 عرضاً مسرحياً منها خمسة عروض محلية: «أحلام مقيدة» الذي افتتح به محمد بني هاني، إعداداً وإخراجاً وسينوغرافيا، فعاليات المهرجان باقتدار لافت؛ «قاتل ومقتول» إخراج علي الجراح؛ «إشارات وتحولات» إخراج وإعداد زيد خليل مصطفى؛ «رق الدم» تأليف جمال أبو حمدان وإخراج لينا التل؛ و«لم نعد جواري لكم» تأليف وإخراج عبد اللطيف شمّا.

عُقدت خلال أيام المهرجان ورش عمل في فن تكوين الممثل أشرفت عليها الفنانة التونسية رجاء بن عمار، وفي فن السينوغرافيا أشرفت عليها الفنانة شادية زيتون. وأقيمت خلاله ندوات حول المرأة والمسرح والمضامين الفكرية في الأدب المسرحي النسوي والمرأة وحركة التمثيل والإخراج المسرحي.

كان المهرجان كرّم هذا العام سبع فنانات ومخرجات وكاتبات وشاعرات محليات: رفعت النجّار ومجد القصص وداليا الكوري وسميحة خريس وسوسن دروزة ونبيلة الخطيب.

عربياً، شاركت في المهرجان عروض: «من هو من» الكويتية، إخراج أحمد الشطّي؛ «العشاء الأخير في فلسطين» الفلسطينية، إخراج وسينوغرافيا سيمون رو؛ «الفنار البعيد» السعودية، تأليف وإخراج محمد الجعفري؛ «عنمبر» الإماراتية، إخراج مروان عبد الله صالح؛ «حارة عم نجيب» المصرية، إخراج وإعداد وتمثيل د.أحمد أبو حلاوة؛ «حر الظلام» التونسية، إخراج منيرة الزكراوي؛ «حقل أحلام» العراقية، إخراج عزيز خيّون؛ «إيقاعات رملية» السورية، إخراج سلمان صيموعة؛ «مستابا الرقصة الأخيرة» السودانية، تأليف وإخراج عطا شمس الدين؛ «انسوهيروسترات» الجزائرية، إخراج حيدر بن الحسين؛ و«الكرسي» البحرينية، إخراج يوسف بهلول وتأليف جاسم طلاق.

مهرجان المسرح الأردني خارج خط التماسّ
 
27-Nov-2008
 
العدد 53