العدد 53 - حريات
 

محمد شما

تنظر الأربعينية، أم محمد، من شباك منزلها إلى الشارع المجاور حيث المارة، وتحديداً السيدات المتسوقات، وتتنهد بحسرة، فهي لا تستطيع الخروج من بيتها بحرية مثلهن، إذ إنها ملاحقة من قبل ذويها الذين أهدروا دمها في العام 1991، بعد أن أحبت مسلماً وتزوجته.

تجد «أم محمد» التي تقيم في إحدى المناطق القريبة من عمان، سلواها في التواصل مع ثلاث سيدات أخريات يتماثلن معها بالحال؛ فهن أيضاً هاربات من نار عشائرهن التي أهدرت دماءهن للسبب نفسه.

لا تصرح تلك النسوة عن أنفسهن في محيطهن. «النظرة السيئة لنا ما زالت تلاحقنا، وشبح عائلتي وهدرها دمي ما يزال يؤرقني، بخاصة وأني تركتهم وعمري 22 سنة، وكانت علاقتي مع إخوتي ممتازة». تؤكد أم محمد.

وتشرح حالتها قائلة: «أحببت مسلماً وأردت الزواج منه، واعتنقت الدين الإسلامي منذ العام 1991 في سورية حيث تزوجنا، لكن والدي وإخوتي الأربعة رفضوا ما قمت به، بل وطالبوا بهدر بدمي، ما اضطرني إلى الاختفاء عن أنظارهم كل هذه السنوات».

لجأت «أم محمد» إلى الشرطة التي حمتها داخل إحدى المراكز لمدة 17 يوماً، وبعدها ذهبت مع زوجها إلى مكان مجهول. «بعد سنوات»، تقول أم محمد، ازداد إيماني بديني، مثلما ازداد اشتياقي لأهلي، وكثيراً ما أشعر بحزن عميق لوفاة والدي وأنا بعيدة عنهما»، لذا فإنها حاولت إعادة العلاقات مع أهلها سواء عن طريق اتصالات كانت تجريها معهم مباشرة أو عن طريق وسطاء، لكن محاولاتها المستمرة على مدى سنوات باءت بالفشل، وهي تعتبر أن «هذه ضريبة اختياري وحريتي في الحياة كما أردتها».

وزيادة على رفض الأهل الاستجابة لمحاولات التصالح التي تبذلها أم محمد، فإن المجتمع فرض عليها وعلى زميلاتها عزلة سلبتهن كثيراً من حقوقهن، لاسيما في المعاملات الحكومية: «أخشى زيارة الدوائر الحكومية، لأن كثيراً من أبناء عشيرتي يعملون فيها، وإن ذهبت سيعرف أهلي مكاني».

وفي محاولة من النساء الأربع الاستمرار في الحياة، فقد بدأن في إعداد الأطعمة والحلويات وبيعها لأسر أو جمعيات، مثل جمعية المركز الإسلامي، حيث تجتمع السيدات في بيت إحداهن في عمان، ويقمن بإعداد المأكولات وتحضيرها عند الطلب، وترويجها عن طريق المعارف مستخدمات موبايل سيدة خامسة، لا تشبههن في حالهاً، ولكنها أتاحت بيتها وأدواتها لهن على سبيل المساعدة.

«غير أن الدعم»، تقول أم محمد، «لا يغطي نفقات البيت والأولاد، خصوصاً أنني منفصلة عن زوجي، ما يدفعني والأخوات الثلاث إلى صنع معجنات وحلويات ومأكولات أخرى وبيعها».

«ے»، حاولت الحديث مع أم محمد عن ملابسات انفصالها عن زوجها بعد أن اعتنقت الإسلام من أجله، ولكنها كانت قاطعة بضرورة عدم التحدث في هذا الأمر الذي اعتبرته شخصياً، مكتفية بالقول إنها سعيدة بوجودها مع أولادها الذين بقوا معها.

العشيرة، لم تكن أكثر رحمة بأم محمد من المجتمع. تعيش أم محمد منذ سنوات طويلة في متاهات الخوف والهرب من أقاربها الذين يتربصون بها في الأماكن العامة.

«العشيرة الأردنية تغيرت عن ذي قبل»، يقول طلال الماضي شيخ عشيرة العيسى. «العشائر الأردنية على اختلاف دياناتها متشابهة في العادات والتقاليد، لكن عندما يتعلق الأمر بالدين لا تصل الأمور حد القتل»، كما يؤكد، وهو يعتبر أن ما حصل لتلك النسوة ما هو إلاّ رسالة لغيرهن من النساء إذا ما فكرن بالقيام بخطوة مماثلة،

«فالعشائر المسيحية لا تقتل النسوة اللاتي يغيرن دينهن بل تقوم بالتضييق عليهن». كما يؤكد الشيخ الماضي الذي عايش تجربة تشبه تجربة «أم محمد»، حيث قام بحماية سيدة مسيحية اعتنقت الإسلام وتزوجت شاباً مسلماً وتمت الإجراءات من خلاله. لكن «القضية لم تصل إلى ما وصلت إليه حالة «أم محمد»، حيث إن تلك السيدة تتواصل مع أهلها بشكل طبيعي ولم يصل الأمر حد هدر دمها.

الأب سالم مدانات، عضو محكمة الكنيسة الأرثوذكسية، كان شاهداً على حالات كثيرة اعتنقت فيها مسيحيات الإسلام ثم ما لبثن أن عدن إلى ديانتهن. كما كان شاهداً على حالات أتى فيها شبان وفتيات مسلمون إلى الكنيسة رغبة باعتناق المسيحية، كما يقول. وهو يؤكد أنه «لا توجد ملاحقة للفتيات اللواتي يغيرن دينهن، لأنهن سيعدن إلى عائلاتهن في نهاية المطاف، ولدينا فتيات عدن إلى المسيحية بعد سوء العلاقة مع أزواجهن».

الناشط الحقوقي، سليمان صويص، يعلق: «هذه القضية مرتبطة بمفهوم الحرية ومدى إدراكنا لها، وبمدى تطورنا الفكري والاجتماعي والسياسي، وقدرتنا على التمثل بالحقوق والحريات، وقبل ذلك وبعده الديمقراطية التي يثبت يوماً وراء يوم أنها طريق المجتمعات نحو الخلاص».

بحسب إحصاءات دائرة قاضي القضاة، فإن عدد الأفراد الذين اعتنقوا الإسلام خلال الأعوام 1997- 2006 بلغ 3451 فرداً من ذكور وإناث، والذين تقدموا في العام 2006 وسُجلت لهم حجج الإسلام بلغوا 488 وفي العام 2005 كان عددهم 454 فرداً، وفي العام 2004 كان عددهم 396 فرداً وفي العام 2003 كان العدد 319 فرداً.

تقرير صدر مؤخراً عن مكتب «الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل» في وزارة الخارجية الأميركية، وصف وضع الحريات الدينية في الأردن «بالمتدهور». وقد رصد التقرير الذي غطى الفترة من تموز/يوليو 2007 حتى تموز/يوليو 2008، أحداثاً ساهمت سلباً في تدهور الحريات الدينية، منها: «كيف تعاطت الحكومة مع حالات الارتداد عن الدين». أبرز ما تناوله التقرير عن الأردن هو أن جميع المواطنين، بمن فيهم غير المسلمين، خاضعون للقانون الإسلامي فيما يتعلق بالميراث. وأن الأبناء القصر لمواطن اعتنق الإسلام يُعتبرون مسلمين، أما الأبناء البالغون لمسيحي اعتنق الإسلام فيحرمون من ميراث أبيهم.

جاء الرد على هذه الانتقادات من خلال المركز الوطني لحقوق الإنسان، فقد أكد رئيس مجلس أمناء المركز عدنان بدران الذي أكد أن «جميع التحريات التي يجريها المركز، تعارض مثل هذا التقرير لأن الدستور كفل حماية وحرية العبادات والأديان في الأردن من كنائس وجوامع، وكفل حماية وحرية العبادات لكل مواطن أردني، لجميع المذاهب لذلك لا يوجد أي تحيز أو تمييز في الأردن بين مواطن أردني مسيحي أو مسلم، فالجميع يشهد أن حرية العبادات كلها محمية ومتوافرة للجميع دون أي تمييز».

معتنقات الإسلام: قاطعهن الأهل ولم يقبلهن المجتمع
 
27-Nov-2008
 
العدد 53