العدد 8 - رزنامه
 

لم يكن أمراً بغير دلالة أن يتنصل الأصوليون والعسكر من دم بنظير بوتو. ذلك أن الذين خططوا للجريمة وأرسلوا القتلة يدركون مدى هول جريمتهم في استهداف امرأة مسلمة عزلاء هي أول رئيسة وزراء في بلد مسلم. ظلت بوتو، على الدوام، تخطب ود الباكستانيين بارتجال الخطابة في فضاء مفتوح، وتنافس خصومها بالسجال السياسي لا غير، أما أعداؤها فلجأوا في مواجهتها لسلاحهم الوحيد، وهو الجريمة. فلما أعيت هؤلاء الحيلة في هزيمتها، وبخاصة مع اقتراب موعد استحقاق انتخابي، لجأوا في أقبيتهم الى وسيلتهم المفضلة في “الإفحام“، بالتخطيط لقتل السيدة المناضلة البريئة وما تيسر من أبرياء آخرين. وكان القتلة أنفسهم أو شركاء لهم قد استقبلوها لدى عودتها من منفاها في 19 تشرين الأول/أكتوبر الماضي بتفجير انتحاري أودى بحياة 150بريئاً فقط، ونجت آنذاك بأعجوبة. ولم يثنها ذلك عن العودة ومواصلة كفاحها المدني.وقد لاحظ من لاحظ خلال ذلك أن السيدة الخمسينية ازدادت جمالاً على جمال! وهي تواجه المخاطر الداهمة دون أن تفارق الابتسامة الحية الشرقية محياها.لقد ذهبت ابنة القدر كما وصفت نفسها ذات مرة الى قدرها بغير وجل او تردد، وذلك وسط مجتمع سياسي محافظ يقدس الذكورة. لسبب مثل هذا قتلوها رغم أن أباها ذو الفقار علي بوتو قتل على أيدي جلادي ضياء الحق لأسباب محض سياسية فيما قتل شقيقان لها لأسباب وصفت بأنها “غامضة”.

الآن بعد أن ذهبت نصيرة الديمقراطية ضحية لجريمة دنيئة، هناك حولنا من يهمهم بأنها دفعت ثمن ولائها المزعوم للغرب. وبخاصة أنها خريجة جامعات بريطانية !. كان على خصومها أن يثبتوا ولاءها لغير وطنها وشعبها سواء بالتقاضي أو عبر وسائل الإعلام، وأن يقيموا قضاء نزيها مستقلاً لمحاكمة كل من تستحق محاكمته. التشهير بالسيدة المناضلة هو أشبه بالتشهير بنساء على الشبهة. وقتلها هو في منزلة جريمة شرف..لكنها جريمة سياسية هذه المرة. في زمن غابر مضى كانت تهمة من ينادي بإعلام حر وتعددية حزبية وبرلمان قائم على التنافس، بأنه موال للغرب. باعتبار الديمقراطية صنيعة الغرب، وأنها تجافي خصائص الشرق من ناحية الخصوصية الحضارية(أي الاستبدادية في عرف القائلين بذلك)، ومن ناحية التطلع لعدالة وتنمية اجتماعية، لا محل فيها لخزعبلات الديمقراطية الرأسمالية.

هذه الاتهامات البائدة وبعدما أصبحت الديمقراطية قيمة كونية ومعياراً من معايير التقدم وحقوق الإنسان والشعوب لاحقت كما يبدو بوتو، من طرف مجاهدين وكذلك من طرف يساريين يعقدون لواء الممانعة للمجاهدين.

وبالإجهاز الدموي على السيدة العزلاء، فقد تم إخلاء الساحات لما لا يحصى من العسكر وأنصارهم، ولجماعات أصولية متكاثرة كي تتوطد “أصالة” التخلف السياسي والاجتماعي والثقافي بغير مواربة أو شبهة من أي نوع.

الأمل أن يستجيب حزبها “حزب الشعب” للتحدي، وأن يواصل الوفاء لرسالة بوتو، وأن لا تنعقد كل الآمال على وجه جديد من سلالة آل بوتو، بل على القوى الاجتماعية الحيّة المنظمة لمناهضة العنف والتسلط، وبناء الدولة المدنية.

جريمة شرف سياسية – محمود الريماوي
 
03-Jan-2008
 
العدد 8