العدد 53 - رزنامه
 

السّجل - خاص

في معرضه «ذاكرة الروح» المقام على غاليري رؤى للفنون، يستثمر الفنان محمود صادق رموزاً وأيقونات روحية ومادية تحيل إلى الحضارة الشرقية، والعربية تحديداً. وهو يشتغل على مواد مختلفة (إكريليك، زيت، باستيل، وتمبرا)، يكشف تداخلُها وتكتلُها على السطح كقطع ناتئة، عن رغبة الفنان في إحياء الموروث الحضاري برؤى تجديدية تصل الماضي بالحاضر، والقديم بالحديث، بطريقة بنائية، لا تجاوزية أو هدمية.

المكان في لوحات صادق يحاكي الطرز المعمارية التراثية، ويستلهم مفرداتها من قباب وأقواس وأبواب ونوافذ مشرعة على الشمس. وتتمازج معه في اللوحة مفرداتُ المرأة، الديك، الدجاج، البط، الحمام والنخل، وكأنما اللوحة رصدٌ لأجواء ريفٍ وادع، وتوحي في الوقت نفسه بعالم شهرزاد الأسطوري في ألف ليلة وليلة، وهي ترتدي في كل ليلة حلّة عروس تسرد الحكايا وتبدعها.

شغف الفنان بالجانب الملحمي في الموروث الحكائي، يفسر احتشاد لوحته بالمفردات والتفاصيل، لتبدو نصاً سردياً مركباً يخاطب البصر ويستفز الذاكرة. وهناك لوحات تتشكل من حشود بشرية في حالة روحانية عالية، مثل اللوحة التي تُظهر مجموعة من المتصوفة، أو الدراويش، يمارسون طقوسهم بأثوابهم المميزة وحركتهم الرشيقة.

يصوّر صادق العناصر المنتقاة من عالم الريف بطريقة معقدة ومتشابكة، متجاوزاً النظرة السائدة نحوه والتي تدور حول الوداعة والبساطة، ليكشف عن غنى هذا المكان، والتداخلات في نسيجه الاجتماعي.

الحياة الريفية كما تصوّرها لوحات صادق، متكاملة ومتآلفة ومتنوعة، وهي رمز للخصب والعطاء. لهذا السبب يعمد الفنان إلى تصوير المرأة بحلّة عروس تستعد للخصب والعطاء، لتتناسل من رحمها الأجيال، فالمرأة هي صنو الأرض التي ظلت حاضرةً في وجدان الفنان وذاكرته ليستمد منها معاني الحياة.

يميل صادق في تشكيلاته اللونية إلى الألوان الثانوية أو الناتجة من مزج لونين معاً، ويتجنب الألوان الأساسية الأحادية، لأن العالم وفق رؤيته قائم على التداخل والتمازج والتركيب. وتسهم تدرجات اللون الواحد، في منح السطح بعدَهُ الجمالي، بخاصة تدرجات البني الترابي والأزرق.

في هذا المعرض، يؤكد صادق، الفنان المتعدد الذي اشتغل في مجالات النحت والطباعة والخزف، أن من أراد أن يبلغ العالمية عليه أن يبدأ من مكانه هو، لا من مكان مستعار.

يعمل صادق أستاذاً للتصوير والنقد الفني في كلية الفنون الجميلة بجامعة اليرموك منذ العام 1984، نال الدرجة الجامعية الأولى من كلية الفنون الجميلة في بغداد العام 1970، وأتم دراسته العليا في الولايات المتحدة الأميركية، حيث حصل على دكتوراه الفلسفة في الفن التشكيلي العام 1983.

له أبحاث وكتب في مجالات التربية الفنية. أقام معارض منفردة، وشارك في معارض جماعية، واقتُنيت أعماله في دول متعددة.

“ذاكرة الروح”:اللوحة بوصفها نصّاً سرديّاً
 
27-Nov-2008
 
العدد 53