العدد 52 - أردني
 

نور العمد

جاءت توصية قدمتها أخيرا اللجنة الوزارية المختصة بمناقشة مسودة مشروع قانون منع الاتجار بالبشر، بإنشاء وحدة تنفيذية لمتابعة هذه القضية، مؤشرا على استمرار تفاقم هذه المشكلة، مع ما يعنيه ذلك من تأثير سالب على سمعة الأردن في هذا المجال.

وقد جاءت توصية اللجنة الوزارية التي يرأسها وزير الداخلية عيد الفايز وعضوية وزراء العمل والصناعة والتجارة والصحة والتنمية الاجتماعية، في إطار حالة الارتباك التي سادت البلاد في أعقاب صدور تقرير في حزيران/يونيو الماضي عن لجنة العمال الوطنية في الولايات المتحدة (NLC) يكشف «استمرار الاتجار بالعمال وانتهاك حقوقهم وتعرضهم للضرب والإساءة» في المناطق الصناعية المؤهلة المنشأة ضمن اتفاقية التجارة الحرة بين أميركا والأردن.

التقرير بيّن أن معظم الانتهاكات في المناطق الصناعية المؤهلة «تراوح ما بين الاستغلال الجسدي والجنسي للعمال وتهديدهم، وعدم دفع الأجور، وفرض قيود على حركتهم، والاحتجاز غير الشرعي لجوازات سفرهم»، وهي أمور اعتبر التقرير أنها «تدخل في باب الاتجار بالبشر».

أظهر التقرير تراجع الأردن من الفئة (2) التي ثبت عليها في عامي 2006 و2007 إلى قائمة مراقبة في الفئة (2) في 2008. وتعد قائمة مراقبة الفئة (2) الأقرب إلى الفئة (3)، التي تشمل الدول التي «لا تلتزم حكوماتها كليا بالمعايير الدنيا التي ينص عليها قانون حماية ضحايا الاتجار بالبشر، ولا تبذل جهودا ذات أهمية في هذا الاتجاه»، وتكون مرشحة للخضوع لعقوبات أميركية ضدها.

وفي معرض ما وصفه التقرير بـ«الاتجار بالبشر»، أن إدارة المصنع صادرت واحتجزت جوازات سفر 60 بالمئة من العمال الوافدين لديه والبالغ عددهم 1400 عامل. وهو ما يعتبر انتهاكا لحقوق العمال وشكلا من أشكال «الاتجار بالبشر» وفق تعريف الأمم المتحدة.

كما تجبر إدارة المصنع، بحسب التقرير، العمال على العمل لمدة 16 ساعة في مناوبة واحدة، ولمدة 20 ساعة أيام الخميس، وبذلك تصل ساعات عملهم إلى 99 ساعة أسبوعيا، من دون أجر إضافي. وبذلك تصل ساعات عملهم إلى ضعف عدد ساعات العمل الأساسية المستحقة بحسب قانون العمل الأردني، وهي 8 ساعات يوميا و48 ساعة أسبوعيا. وتزيد بمعدل 19 ساعة أسبوعيا عما تسمح به العقود الموقعة بين المصنع والعمال، والتي تتيح للمصنع إجبار العامل على ساعتي عمل إضافية يوميا، مع احتساب الأجر الإضافي.

عمال المناطق الصناعية المؤهلة ليسوا وحدهم من يتعرضون للاستغلال والإهانة بين عمال الأردن الوافدين، كما تشير تقارير دولية أخرى تراقب هذه الفئة من العمالة.

ففي تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة في آب/أغسطس الماضي تحت عنوان (المرأة العاملة المهاجرة في الأردن: دراسة حالات العاملات الهاربات)، جاء أن من بين الأسباب التي تؤدي إلى ازدياد حالات هرب العاملات: «نقص التشريعات القانونية وغياب الآليات الناظمة للعلاقة بين العاملات ومكاتب الاستقدام، فضلا عن عدم وجود دور فاعل لوزارة العمل ومحدودية دور سفارات الدولة المصدرة للعمالة.»

وفي أواخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي صدر تقرير عن منظمة العفو الدولية (أمنستي) جاء فيه أن «عشرات الآلاف من الوافدات في الأردن، يواجهن العزل والاستغلال وإساءة المعاملة، في ظل عدم توافر الحماية، أو القليل منها».

وأشار التقرير الذي حمل عنوان «مستخدمات وافدات يعملن في الأردن محرومات من حقوقهن» إلى أن العديد من عاملات المنازل، لا يتلقين أجورهن أو بعضا منها، رغم أنها زهيدة، وأحيانا لسنوات، إضافة إلى أنهن يعملن بين 16- 19 ساعة يوميا، من دون الحصول على عطلة أسبوعية».

ووفقا لما جاء في التقرير فإن بعضهن يبقين مقيدات في التوقيف، وأنهن يعانين معاملة جسدية وعقلية سيئة، ولا يستطيع بعضهن مغادرة البلاد، لأن جهة التوظيف لا تجدد إقاماتهن، لعدم حصولهن على تصاريح عمل، بسبب ما ترتب عليهن من غرامات تجاوز الإقامة». وأشار إلى أن هناك نحو 14 ألف خادمة عالقة في الأردن بسبب ترتب غرامات عليهن، وعدة مئات أوين إلى سفارات بلدانهن، فيما توجد نحو 100 منهن في سجن الجويدة، جنوبي عمان. وانتقد التقرير إبقاء عاملات المنازل الهاربات قيد الاعتقال إلى أن يدفعن الغرامة، من دون أن يكون هناك إجراء يلزم مكاتب الاستقدام أو الكفلاء بدفعها.

أشار التقرير إلى أن عمل هؤلاء النساء، مهم للاقتصاد في الأردن ولبلادهن، لمساهمتهن في رفاهية المنازل الأردنية، ولتوفيرهن دخولا مجزية لعائلاتهن في بلدانهن، ما يوجب حمايتهن.

ولم تقتصر الانتقادات الموجهة للأردن على الأوضاع السيئة للعمالة الوافدة إليه، على تقارير دولية، فقد صدر أخيرا تقرير عن المركز الوطني لحقوق الإنسان اتهم الحكومة بالتقصير في حمايتهن في المملكة، مؤكدا ما كان قد جاء في تقرير منظمة العفو الدولية.

وقال تقرير المركز إن «الحكومة لم تصدر أي أنظمة لغايات تنظيم حقوق العاملات في المنازل.» مؤكدا ورود شكاوى «تركزت حول أوضاع غير إنسانية تعاني منها العاملات تشكل مخالفة للقوانين الأردنية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تضمنتها الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن». كما أورد التقرير شكاوى حول «تعرض العاملات لمعاملة غير إنسانية وغير لائقة بما في ذلك التحرش الجنسي.»

وأكد التقرير أن بعض مكاتب استقدام العاملات خالفت قانون العمل واتفاقيات دولية باستقدام فتيات تقل أعمارهن عن 18 عاما، مشيرا إلى ورود «شكوى جماعية من 12 عاملة تؤكد استقدام عاملات تتراوح أعمارهن بين 13 و18 عاما». وقال المركز إن هناك «صفة مشتركة لجميع الشكاوى التي وردت إليه، تتمثل في عدم حصول العمال على الأجر الكامل» مشيرا إلى أن «الأمر وصل إلى حد إجبار إحدى العاملات على العمل سبع سنوات دون حصولها على أجر عن هذه الفترة.»

باسم السالم، وزير العمل، أكد أن الوزارة تحتاج إلى مزيد من الإمكانيات لتجاوز العقبات التي تسهم في حدوث الانتهاكات للعمالة.

السالم لم ينف ما ورد في تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي): «كوزارة، نقر بوجود هذه التجاوزات في هذا القطاع الذي ينضوي تحته عشرات الآلاف من العاملات، وأول تحرك تم اتخاذه هو إدخالهم بقانون العمل، ونحن في الوزارة لدينا نقص في أعداد المفتشين ولكن في الوقت ذاته، من غير المسموح لنا بالتفتيش عن أوضاع الخدم داخل المنازل».

مع كل تقرير دولي جديد يجد الأردن نفسه في موقف دفاعي بما يتعلق بمعاملة العمالة الوافدة المقيمة لديه، ما يعني أن هنالك شيئا ما خطأ فيما يتعلق بهذا الموضوع، وأن هنالك حاجة للعمل الجدي لتصويب الأوضاع في هذا الملف الخطير، وذلك حتى لا نجد أنفسنا على قائمة دول اشتهرت بسمعتها السيئة في هذا المجال، في تقرير دولي جديد.

**

الأردن على خطى دول الخليج

سراب الخفاجي

بدأت هجرة العمالة المنزلية الأجنبية إلى الأردن في وقت مبكر من الثمانينيات، متزامنة مع الهجرة الأردنية إلى بلدان الخليج العربية، حيث يشيع هناك استخدام مثل هذه العمالة. كما برزت وقتها طبقة ميسورة الحال استفادت من تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج، ومن النهضة العمرانية والمساعدات والسياحة والتجارة مع بلدان الخليج والعراق.

ليس هناك تعريف موحد للعاملين في المنازل. أمجد وشاح، مدير مديرية العاملين في المنازل التابعة لوزارة العمل، يقول إن التعريف عائم "فما زال ثمة خلاف على تصنيف البستنجي أو السائق عامل منزل أم لا". وفي كل الأحوال، كما يقول وشاح، فإن عدد السيدات الأجنبيات العاملات في المنازل لهذا العام وصل 47500 سيدة. تحتل الجنسية الإندونيسية المرتبة الأولى بينهن، هناك ما يربو على 22 ألف عاملة، تليها الفلبينية ثم السريلانكية.

أما بما يتعلق بالرواتب، فثمة اختلاف أيضاً. وزارة العمل استثنت عاملات المنازل (والعاملين في قطاع النسيج) من الحد الأدنى للأجور الذي سيدخل حيز التنفيذ بدءا من 1/1/2009، وهو 150 دينارا.

وهكذا تظل أجرة عاملة المنزل "معوّمة". لكن ثمة "عرفا" بين أصحاب مكاتب الاستقدام على أن العاملة، الإندونيسية والسيريلانكية، تمنح راتبا ما بين 150- 175 دولارا بحسب خبرتها ومستواها التعليمي. أما الفلبينية، فيلاحظ أنها غالبا ما تنال أجر أعلى يصل 200 دولار أو أزيد.

يوسف هباهبة، صاحب مكتب منذ 15 عاما، يفسر هذا الأمر على أساس أن الفلبينيات عادة ما يكن أكثر تعلما وتحصيلا لشهادات جامعية (70 بالمئة من الفلبينينات متعلمات)، وأنهن أكثر وعيا وإدراكا لحقوقهن من غيرهن. كما تسعى الحكومة الفلبينية دوما لتحصيل أعلى الرواتب لمواطنيها. وبحسب هباهبة فإن الحكومة طالبت براتب 400 دولار للعاملة. الفرق في الرواتب يظهر جليا بالعودة إلى منتصف التسعينيات عندما كانت الفلبينية تتقاضى 150 دولارا فيما كانت السريلانكية تتقاضى 40 دولارا أو 80 إذا كانت ذات خبرة.

تميزت السنوات الأخيرة بارتفاع أجور العاملات تماشيا مع الارتفاع في الأسعار في العالم في صورة عامة. هباهبة يضيف بعدا آخر، ويقول إن تعرض المنطقة لحروب، وبخاصة حرب الخليج الثانية وغزو العراق، جعل بعض المكاتب في شرق آسيا تعتبر الشرق الأوسط "مناطق كوارث".

تقارير دولية قاسية: تتهم الأردن بـ“الاتجار بالبشر”
 
20-Nov-2008
 
العدد 52