العدد 52 - أردني
 

نهاد الجريري

ما أن يُذكر موضوع "العاملات في المنازل"، حتى تتبادر إلى الذهن صورة سيدة آسيوية منكسرة، تستيقظ قبل طلوع الشمس ولا تنام قبل منتصف الليل، تأكل في المطبخ فلا يسمح لها بتناول الطعام مع الأسرة، وتنام على "فرشة" في المطبخ أو "الكوريدور". لكن الأمر لا يخلو من صورة أخرى لسيدة آسيوية، مرحة، تُعامل كواحدة من أفراد الأسرة، تطلق عليها ربة البيت لقب "ابنتي التي لم أُنجب"، تنام في غرفة خاصة بها، تفضل الحليب الخالي من الدسم، وتعجبها ربطات الشعر "باندانات"، فتُلبى كل ما تطلب.

صورتان تمثل أولاهما النمط السائد في التعامل مع عاملات المنازل، فيما تمثل الثانية استثناء موجودا ولكن لا يبنى عليه، وهذا ما يثير جدلا لم يتوقف بين منظمات دولية وحقوقية محلية تشير إلى أن عاملات المنازل الوافدات إلى الأردن "يعشن في ظروف مروعة"؛ وبين وزارة العمل- ومنظمات مجتمع محلي- تعتبر تلك التقارير "مبالغا فيها".

نشرت «ے» في العدد رقم 24، عرضاً لورقة عمل قُدّمت ضمن ورشة لمناقشة أوضاع العمالة في الأردن عقدتها جامعة فيلادلفيا في نيسان/ أبريل الماضي، جاء فيها أن حالات الانتحار بين العاملات في المنازل وصلت 10 حالات العام 2006. في العدد نفسه عرضنا لثلاثة نماذج من سيدات فلبينيات التجأن إلى مأوى السفارة الفلبينية في شارع المدينة المنورة. اثنتان لم تتمكنا من مغادرة الأردن بعد انتهاء عقدهما، لأن الأسرتين الكفيلتين أرادتا "الاحتفاظ" بهما إلى حين استقدام بديلتين لهما. أما الثالثة، فقد كانت "رئيس" عمال في مصنع ببلادها، قبل أن تفاجأ بأن عقد استقدامها كان للعمل في المنازل وليس في المصنع. وهي لم تسلم من الاغتصاب والإساءة الجنسية والجسدية، لا في منزل كفيلها ولا حتى في مكتب الاستقدام في الصويفية الذي تولى أمرها.

لكن جمعية أصدقاء العاملات في المنازل التي ساهم صندوق الأمم المتحدة الإنمائى للمرأة (يونيفم) في تأسيسها قبل 5 أعوام، تلفت إلى أن ثمة تركيزا دائما على النماذج السلبية. عايدة أبو راس، رئيسة الجمعية، تقول: «كما أن هناك نماذج مسيئة هناك نماذج إيجابية، إذ توجد عاملات أمضين في البلد 15 عاما ويُعاملن بشكل جيد.» لكنها تعترف بأن الرقابة على وضع العاملات في المنازل تواجه معيقات، «فليس من السهل أن نطرق الأبواب وندخل المنازل لنستعلم عن أحوال العاملات». وتخلص أبو راس إلى أنه «لا توجد دلالات إحصائية واضحة» فيما يتعلق بالعاملات. وتدلل على ذلك بحالات الانتحار التي لا يمكن إرجاعها دوما إلى سوء معاملة، كما تقول، وتستشهد بحادثة وقعت في الكرك أخيرا، إذ أقدمت سيدة سيرلانكية على الانتحار. وبعد التقصي عن الأسباب وُجد أن السيدة «تلقت رسالة من بلادها تقول إن زوجها تزوج عليها، فانتحرت لأنها في الأصل تغرّبت كي تؤمن المال لذلك الزوج.»

وزارة العمل لم توفر أي إحصاءات حول حالات انتحار. مديرية العاملين في المنازل، الجهة الوحيدة التي تحوّلت إليها كل استفساراتنا عن العمالة المنزلية، تعتبر أن مثل هذه الأرقام هي من اختصاص جهات مثل المركز الوطني لحقوق الإنسان.

زيادة على ذلك، تؤكد الوزارة أنها تعاملت العام الماضي مع 500 «مشتكية» من عاملات المنازل ينتمين إلى جنسيات مختلفة. لم ترد بين تلك القضايا أي شكوى اغتصاب. اللجنة الحكومية الخاصة التي تولت تلك القضايا اكتشفت 15 حالة حمل بين عاملات فلبينيات، اتضح لاحقا أنها كانت نتيجة علاقات مع رجال فلبينيين تمت برضى الطرفين.

اللافت أن الوزارة تعاملت فقط مع عاملات لجأن إلى سفارات بلادهن، ما يترك علامة استفهام حول حالات أخرى لم تصل إلى السفارات، أو ربما لحالات وصلت إلى السفارات وتعاملت معها بمعزل عن القنوات الرسمية.

المركز الوطني لحقوق الإنسان، كان رصد قبل أكثر من عام «تصاعدا ملحوظا» في شكاوى العمالة الوافدة ومن بينها شكاوى عاملات المنازل. من بين الشكاوى الواردة في موقع المركز الإلكتروني أن السفارات «لا تقوم بمراجعة مكاتب الاستقدام والكفلاء لغايات إيجاد حلول لمشاكل العاملات، بل تقوم بإيواء العاملات وتشغيلهن».

هذا الشد والجذب لا يلغي مسؤولية مكاتب الاستقدام التي تعتبر الوسيط في رحلة العاملة الأجنبية من بلادها إلى منازل الأردنيين.

قبل نحو 6 أعوام بلغ عدد مكاتب الاستقدام في الأردن 460 كانت تعمل من دون تنظيم أو مراقبة حكومية. لكن مع إصدار نظام تراخيصها في 2002 وبدء العمل به في 2003 تقلص العدد إلى 95 مكتبا، تنشر أسماؤها وعناوينها في الموقع الإلكتروني لوزارة العمل. وربما كان من أهم الشروط التي ساهمت في ضبط آلية العمل، نوعا ما، اشتراط كفالة بنكية يودعها المكتب المعني بقيمة 50 ألف دينار.

إلا أن «آلية الضبط» ما زالت قاصرة بعد عن كشف جميع مواطن الخلل في عمل هذه المكاتب. صاحب مكتب في منطقة المدينة الرياضية يتحدث بكثير من الأسى عن مكتب «زميل» لا يتحرج صاحبه من استغلال العاملات والتحرش بهن بمجرد أن يطأن أرض المملكة. ومرة أخرى، عرض بيان المركز الوطني لحقوق الإنسان في 23/7/2007، لشكاوى عن استقدام بعض المكاتب عاملات تحت السن القانونية.

مدير مديرية العاملين في المنازل أمجد وشاح، كشف لـ«ے» أنه سيقوم «قريبا جدا» بتوجيه عدة إنذارات لمكاتب استقدام مخالفة للتعليمات المنصوص عليها، والتي تتركز على تشغيل العاملات بدوام جزئي، أو لعدم إصدار تصاريح عمل باسم الكفيل الحقيقي، معتبراً هذه التجاوزات من قبيل «الاتجار بالبشر». ويشرح أن من المكاتب من يستقدم عاملات على أساس الإعفاءات التي تمنحها وزارة التنمية للمعوقين، لكن ينتهي الأمر بأن تُشغل العاملة في منزل كفيل آخر صحيح ومعافى.

في محاولة «لتصويب» هذه الأوضاع، عكفت وزارة العمل على إعداد مذكرة تفاهم ينتظر توقيعها قريبا مع الفلبين، التي أوقفت تصدير العمالة إلى الأردن على خلفية اتهامات بانتهاك حقوق العاملين الفلبينيين.

فحوى هذه المذكرة هو تحديد مسؤوليات المكاتب المحلية والخارجية: ما لها وما عليها. فلا بد أن تدرك تلك المكاتب أنها مسؤولة عن استجلاب عاملات بالغات للسن القانونية ومدركات لحقوقهن وواجباتهن ولطبيعة المجتمع الأردني، إذ إن عمليات تزوير أعمار بعض العاملات يتم من خلال الحلقة الأولى، وهي المكاتب في الدول المصدرة.

من واجب هذه المكاتب الاضطلاع بمهمة توعية العاملة بحقوقها وواجباتها وبالمرافق التي وضعت لاستقبال شكواها مثل الخط الساخن في وزارة العمل، ومركز حقوق الإنسان. بالإضافة إلى التوعية بطبيعة المجتمع الأردني وعاداته مهما كانت بسيطة، حتى تتجنب «الصدمة الثقافية»، وهو أمر ينطبق على الجانبين: العاملة الوافدة التي تعتبر عدم تناول الأرز يوميا «قلة في الأكل»؛ والكفيل المضيف، الذي يرفض إدراك أن العاملات «موظفات» ولسن «ممتلكات». يُضاف إلى كل هذا ضرورة تفعيل تعليمات جديدة وضعتها وزارة العمل تشترط فتح حساب بنكي خاص باسم العاملة لضمان تسديد مستحقاتها المالية، ومنح صلاحية لمفتشين ومفتشات بالتحقق من الظروف المعيشية لأي عاملة ترفع شكواها للجهات المعنية. هذه إجراءات، بحسب وشاح، لا تنتظر إلا التوقيع بعد أن استوفت البحث والتمحيص.

وربما كان أهم من هذا وذاك ما دعت إليه ملصقات منظمة «يونيفم» للحض على حسن استقبال ومعاملة العاملة الأجنبية، وتغيير نمط التفكير الاستعلائي والاستغلالي. يقول الملصق «بيتك هو محل رزقي».

عاملات المنازل: عزلة واستغلال وسوء معاملة تنكرها وزارة العمل
 
20-Nov-2008
 
العدد 52