العدد 52 - أردني
 

حسين أبو رمان ونهاد الجريري

بحسب سجلات وزارة العمل للعام 2007، يبلغ حجم العمالة الوافدة في الأردن 313962 عاملاً وعاملة، جلُّهم من الجنسية المصرية التي تشكل 70.9 بالمئة، تليها الإندونيسية بنسبة 6.9 بالمئة. هؤلاء يعملون في مختلف القطاعات الحيوية في المملكة. 36.2 بالمئة منهم يعملون في قطاع الخدمات، 22.7 بالمئة في الصناعة، 21.6 بالمئة في الزراعة، و19.5 بالمئة في الإنشاءات.

مرت على الأردن ثلاثة عقود ونيّف، مذ بدأ يتحول إلى دولة مستقبلة للعمالة المهاجرة. مع ذلك لم يرتقِ الأردن بعد في تعامله مع العمالة الوافدة، بسلوك مجتمعه وبأداء أرباب العمل فيه وبمنظومته التشريعية، بما يتفق مع مبادئ احترام حقوق الإنسان ومع التحرر الإنساني والاجتماعي. وهو أمرٌ يمثل خللاً فادحاً.

تشكل العمالة الوافدة ربع القوى العاملة العاملة، وتسهم إسهاماً ملموساً في قطاعات الإنشاء والزراعة والتعليم والخدمات، وتسد حاجة السوق. مع ذلك يُنظر لهؤلاء كأيدٍ عاملة فحسب، وأحياناً كقوة عمل سوداء، لا بوصفهم بشراً.

حتى حينما تقتنع الحكومة بأن مصلحة الأردن تقتضي التقدم، نحو توسيع نطاق الاعتراف بحقوق العمالة الوافدة، لمواجهة انتقادات دولية في هذا المجال، يلجأ مجلس النواب إلى إغلاق الباب أمام الاعتراف بحق العمالة الوافدة في الانتساب لنقابات العمّال في الأردن. حدث ذلك إبان التصويت على تعديلات اقترحتها الحكومة متأخرةً على قانون العمل في دورته الاستثنائية.

ثمة نمط سائد من "سوء التعامل" مع هذه العمالة، على المستويَين الجمعي والفردي، الحكومي والشعبي. هذا النمط يلقى تواطؤاً اجتماعياً، ويواجَه بسلبية من الحكومة، وبمزايدة نيابية لدفع الأمور أكثر فأكثر وأسوأ فأسوأ إلى الوراء.

العامل العراقي أو الفلسطيني، يواجه صعوبات جمة في الحصول على تصريح عمل أو إقامة. التبرير الحكومي هو "اعتبارات أمنية" بما يتعلق بالعراقيين، و"الحيلولة دون أي نوع من الترانسفير" بما يخص الفلسطينيين. تبرير يبدو واهياً أمام الانضباط الأمني السائد، وحاجة السوق إلى هؤلاء وحاجتهم هم إلى العمل، فيرضون بأقل الأجور التي تسد رمقهم؛ ما يشجع أصحاب العمل على استغلال ظروفهم، ليصبح الاستغلال عرفاً سائداً وسلوكا شائعاً.

عاملات المنازل الآسيويات ما زلن مادة دسمة لتقارير دولية، تقيس من خلال معاملتهن مدى تقدم الأردن في مجال حقوق الإنسان. تذهب تقارير حدّ اتهام الأردن بالاتجار بالبشر وإساءة المعاملة. آخرها، وربما أقساها، تقرير منظمة العفو الدولية "آمنستي" الذي ذكر أن "عشرات الآلاف" من عاملات المنازل يعشن "ظروفاً مروعة". وأورد أمثلة على حالات انتحار وإساءة جنسية وجسدية، وبالطبع مادية، عندما يرفض "الكفيل" أن يفي الأجير حقه. هكذا تتزاحم "عشرات" العاملات في سفارات بلدانهن بانتظار التسفير بعد أن رفضت العائلات الكفيلة إخلاء سبيلهن. يضحّين برواتب أشهر مقابل العودة إلى بلادهن.

نتحدث عن عادات مجتمعنا الحميدة، وهو حديث صحيح، فهل تستقيم هذه العادات مع استعباد عاملات المنازل، وهل ينسجم هذا السلوك من ناحية ثانية مع نمط حياة عصري لبعض العائلات"المتفرنجة". إنه لأمر مثير للسخط أن يلتقي المحافظون اجتماعياً والمتحررون على سلوك تمييزي متماثل إزاء الآخرين، وكأنما يراد لهوية المجتمع برمته بصرف النظر عن الفروق الثقافية بين مكوناته، أن تقوم على تسويغ إساءة معاملة الآخرين لمجرد أنهم ضعفاء.

في مثال على الالتفاف على القانون، يفضّل كثير من "أصحاب الأعمال" استقدام عمالة بتصاريح زراعية بوصفها أقل تكلفة. يتم نقل هذه العمالة إلى قطاع الإنشاءات، وهو إجراء غير قانوني يُعاقَب عليه العامل، لا أرباب العمل، بالتسفير لمخالفته بنود التصريح.

سَنّ تشريعات مناسبة تواكب العصر، لا بد أن يقترن بتغيير ثقافي واجتماعي، فلا يتم استمراء الاستهانة بحقوق الآخرين، لأن ظروفهم صعبة وحاجتهم ماسّة إلى العمل، أو لأنهم "غرباء ديار لا حول لهم ولا قوة"، وحتى لا تسود ثقافة وتقاليد تسوغ "امتلاك الغير"، وتتناسل داخلياً في امتلاك الأقوى للأضعف والأكبر للأصغر والرجل للمرأة .

من أبسط حقوق العمالة، الانتساب إلى نقابات تحمي حقوقهم وتحفزهم على الإنتاج والإبداع في ظروف إنسانية. لا علاقة لذلك بالسيادة التي يُساء لها حين يجري استخدامها في هذا السياق. فالأمر يتعلق بحقوق اقتصادية واجتماعية وامتيازات مدنية، وليس بغير ذلك.

عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال، خالد الزيود، يشدد على وجوب شمول العمالة الوافدة بالانتساب للنقابات العمالية. "هذا يسمح بتوسيع قواعدنا، ويعطينا قوة، ويفوضنا بالدفاع عن حقوقهم". ويلفت إلى أن التمييز بين العمال الوطنيين والعمال المهاجرين يخالف الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها الأردن.

المشاكل التي تعاني منها العمالة الوافدة لا تقتصر على حرمانها من الانتساب لنقابات العمال، إذ إن جزءاً كبيراً منها يعمل في قطاعات غير مشمولة بقانون العمل، أو إنهم محرومون من الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي لعملهم في مؤسسات غير ملزمة حتى الآن، بالاشتراك في الضمان، لأنها مؤسسات يعمل فيها أقل من خمسة عمال، أو لأن أرباب العمل يستمرئون مصادرة بعض حقوقهم.

ظلت العمالة الوافدة رافداً لقطاعات حيوية في المملكة ما كانت لتزدهر لولاها. في قطاع التعليم العالي الخاص، يؤدي أكاديميون عراقيون دوراً مهماً في العملية التعليمية، ومثلهم أطباء في المستشفيات الخاصة. هؤلاء رغم أنهم يؤدون الوظيفة نفسها التي يؤديها أردني الجنسية، يفتقرون إلى معظم الحقوق المتضمَّنة في الوظيفة مثل التأمين الصحي والأجر العادل.

في القطاع الزراعي، يقر مزارعون في الأغوار مثلاً، على أن الزراعة ما كانت لتزدهر من دون العمالة المصرية.

انتشار ظاهرة عاملي المنازل، أتاح للسيدة الأردنية الخروج إلى سوق العمل مرتاحة البال.

قانون العمل الصادر في العام 1996، استثنى فئات عمالية عدة من شمولها بأحكام القانون، من بينها "العاملون في المنازل وبستانيوها وطهاتُها، وعمالُ الزراعة".

استلزم الأمر مضي 12 عاماً لإحراز تقدم ملموس في مجال شمول فئات العمال بأحكام قانون العمل. ففي العام 2008، أنهى تعديل على قانون العمل استثناءَ العاملين في المنازل وطهاتها وبستانييها والعمالة الزراعية من أحكام قانون العمل، وأوكل تحديد الأحكام التي يخضعون لها لنظام يصدر لهذا الغرض. النظام لم يصدر بعد.

مدير شؤون العمل في وزارة العمل فايز الجبور، أوضح لـ"ے" أن العمل جارٍ لإعداد مسوّدة نظام يحدد الأحكام التي ستخضع لها العمالة الوافدة بمختلف فئاتها، تنفيذاً للمادة الثالثة من قانون العمل.

استغلال العمالة الوافدة وحرمانها من حقوقها الأساسية، تستفيد منه فئات من أرباب العمل بما في ذلك العائلات، ويلحق الضرر بسياسات عامة ذات أولوية وطنية تتعلق بمكافحة البطالة وتنظيم سوق العمل. إذ كلما اقتربت العمالة الوافدة من التمتع بحقوقها، فإن فرص تقدم العمالة المحلية تصبح أكبر، لأن الفجوة بين شروط عمل العمالة الوافدة والمحلية تتلاشى، ما يعني أن الانتقاص من حقوق الوافدين هو «وصفة» يدفع ثمنها العامل الأردني.

الزيود، الذي يشغل منصب الأمين المساعد للاتحاد العربي للنفط والمناجم والبتروكيماويات، يقول إن إنصاف الأردن للعمالة الوافدة على أرضه، يعكس في حال تحققه حرصَهُ على حماية العمالة الأردنية المغتربة.

"تمتع العمالة الوافدة بمظلة قانون العمل يشكل حماية لعمال الوطن. فصاحب العمل يفضّل العامل الوافد، لأنه يدفع له أجراً أقل، ويفرض عليه شروط عمل أصعب، في ظل غياب جهة تراقبه، ما يعني أن اختيار العامل الوافد يكون على حساب العامل الأردني"، بحسب الزيود الذي يرى أن إخضاعهم لمظلة قانون العمل، "يحمي حقوقهم وكرامتهم، ويعزز في الوقت نفسه القدرة التنافسية للعمالة الوطنية على فرص العمل التي تشغلها العمالة الوافدة".

مستشار العمل في المركز الوطني لحقوق الإنسان، عاطف المجالي، يقول إن المركز أوصى في تقريره السنوي للعام الماضي، بانضمام الأردن لـ"الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم للعام 1990"، وتعديل قانون العمل ليشمل العمالة الوافدة بأحكامه، وكذلك شمول العاملين في المنازل بالتأمين الصحي والضمان الاجتماعي.

يلفت المجالي إلى أن أكثر الفئات العمالية عرضة للحرمان، هم العاملون في المنازل، يليهم العاملون في المناطق الاقتصادية المؤهلة، ثم العاملون في الزراعة.

تسوية هذه الأوضاع في ضوء حقوق الإنسان وحاجات التنمية، ووجود عمالة أردنية في العشرات من دول العالم، يمثل استحقاقاً واجب الوفاء به، يبدأ بالنقد الذاتي النزيه والشجاع، لبناء مجتمع العدالة والمساواة والتفتح الإنساني، مجتمع لا عبيد ولا تمييز فيه، وكأهداف قائمة بذاتها تحقق مصلحة وطنية ذاتية عليا. علاوة على أهمية تصحيح صورة الأردن في الخارج، ومواكبة الدول والمجتمعات ذات السجل الأفضل في هذا المجال.

شمولها بقانون العمل استحقاق لا يحتمل التأخير: التمييز ضد العمالة الوافدة عار ينبغي رفعه
 
20-Nov-2008
 
العدد 52