العدد 52 - أردني
 

 محمد شما

ثمة طرفة يتناقلها العراقيون المغتربون عن العراقيين الذين يعيشون ويعملون في الأردن، تقول إنك إذا شاهدت جزاراً يقطع اللحم بمهارة، فهذا يعني أنه جراح عراقي.

هذه الطرفة الجارحة، تشير من طرف خفي إلى الوضع الذي يعيشه العراقيون الذين يعملون في الأردن، وهم، عموماً، من أصحاب الكفاءات العالية، ما جعلهم يمثلون حالة فريدة ضمن العمالة الوافدة التي تعيش وتعمل في الأردن، فهم في معظمهم، أصحاب كفاءات وخبرات كبيرة، وتخصصات كثير منها نادرة، ومجالات العمل التي يعملون فيها مهمة، ما يجعل بعض المهتمين بأحوال العمالة الوافدة يستثنونهم منها، فهل يمكن أن تطلق على المحامي والطبيب وأستاذ الجامعة صفة العمالة الوافدة؟ طبيب أردني يجيب قائلاً: كل من وفد إلى الأردن للعمل فهو «عمالة وافدة، بغض النظر عن نوع العمل الذي يقوم به».

ما يضفي على وصف الطبيب الأردني كثيراً من الصدقية، أن العراقيين، مثل العمالة الوافدة المنتمية إلى جنسيات أخرى، يتعرضون هم أيضاً إلى الاستغلال. رغد علي، طبيبة عراقية مقيمة بالأردن منذ سنوات، تقول في تقرير نشرته شبكة الأخبار العراقية، إن الأطباء العراقيين في الأردن يواجهون مشكلة في الأردن، فهم لا يستطيعون مزاولة مهنتهم، ما يخبرهم على العمل في صورة غير قانونية، مع أطباء يستغلونهم في العمل المضني وفي الأجر الزهيد الذي يتقاضونه.

علي رشيد، طبيب عراقي مقيم في عمّان، يذهب إلى أبعد من ذلك، ويقول إن هناك أطباء عراقيين يتمتعون بخبرات عالية، اضطروا في الأردن لمزاولة مهن أخرى غير الطب. وهو أكد أن بعضهم ترك مهنة الطب نهائياً، وبعضهم يعمل دون أي امتيازات ما يجعله دوماً على هامش الطبيب الأردني الذي يعمل لديه أو معه.

الطبيبة العراقية شذى، المتخصصة في طب المجتمع، لم يسعفها تخصصها الطبي للعمل في الأردن كما تريد، ما اضطرها إلى التعاون مع جمعيات تطوعية وجمعيات خيرية، «أتمنى أن أمارس مهنتي في الأردن بشكل اعتيادي وأخذ مكانتي الطبيعية»، تقول شذى التي تقيم في الأردن منذ نحو عقد من الزمن.     

هذه الأوضاع التي يعيشها الأطباء العراقيون جعلت وزير الصحة العراقي صالح الحسنواني، يطالب بعودة الأطباء العراقيين المقيمين في الأردن إلى العراق، وذلك في ظل ما وصفه ب«الظروف الأمنية التي يعيشها بلدهم حالياً». وذلك خلال لقاء نظمته السفارة العراقية في عمان بحضور نحو 40 طبيباً عراقياً في شباط/فبراير الماضي. ويتذكر قصي الخياط، طبيب عراقي يعمل في الأردن، أن وزير الصحة العراقي دعا الأطباء العراقيين «إلى العودة ووضع حلول للمشاكل التي تواجهنا، ومنها صعوبة الحصول على فرص عمل في المستشفيات الأردنية».

يعد القطاع الطبي، من أبرز القطاعات التي يعمل فيها عراقيون قدموا إلى الأردن. وبحسب نقيب الأطباء زهير أبو فارس، يعمل نحو 150 طبيباً عراقياً في تخصصات مختلفة في مستشفيات وزارة الصحة. وتصل أعداد الأطباء العراقيين المسجلين لدى نقابة الأطباء 400 طبيب، ويعمل نحو 1000 طبيب من دون ترخيص. ويضيف: «نُقِر بأن هناك أطباء غير أردنيين، وتحديداً من الجنسية العراقية، لهم دور إيجابي كبير في الساحة الطبية الأردنية».   

وربما كان قطاع التعليم العالي الأبرز بين القطاعات التي يعمل فيها العراقيون. بلاسم محمد، أستاذ علم الجمال في جامعة عمان الأهلية، يعتقد أن العراقيين أحدثّوا تغييراً في مسيرة التعليم العالي، وتحديداً في الجامعات الخاصة، «في السنوات العشر الأخيرة، كانت دواعي الهجرة متوافرة لدفع مجموعة من الأساتذة الجامعيين إلى مغادرة العراق ومعهم الكفاءات، والمواهب الكبيرة التي تبحث عن المكان والفرص، ولقد توفرت عمان على ذلك، حيث انتشر الفنانون والأساتذة في جسد المدينة الثقافي في الجامعات ودور عرض الفنون التشكيلية».

  تعود هجرة الأكاديميين العراقيين للأردن إلى العام 1991، بعد حرب الخليج الأولى، غير أن هذه الهجرة لم تشكل ظاهرة في الجامعات، لكن الهجرة الثانية، التي حدثت في العام 2003، زادت من أعدادهم ما جعل مساهمتهم في إنشاء أقسام التصميم والغرافيك في عدد من الجامعات الأردنية «واضحة وضوح الشمس»، وفق أكاديمي عراقي فضل عدم ذكر اسمه.

يقُدّر عدد الأساتذة العراقيين العاملين في الأردن حالياً بنحو 700 أستاذ جامعي موزعين على أكثر من 30 جامعة حكومية وأهلية وكلية مجتمع.

 وفضلاً عن كونه أكاديمياً، فإن بلاسم من الفنانين العراقيين المعروفين، وهو يشير إلى دراسة تقول إن العام الجاري شهد إقامة 68 معرضاً تشكيلياً عراقياً مقابل 16 معرضاً لفنانين أردنيين وعرب، «هنا نلاحظ حجم المساهمة وفعلها في الفضاء الثقافي».

ولكنه يشير إلى جانب آخر هو «الظروف القاسية التي تحيط بالعراقيين والتي جعلت كثيرا من الكفاءات، وفي شتى المجالات، مجمدة تفكر بالهجرة إلى بلدان أخرى، وهكذا كان، لقد هاجر أكثر من سبعين بالمائة من الفنانين والأدباء وغيرهم». ومن الغريب أن الوسط الثقافي والأكاديمي الأردني لم يعر انتباهاً إلى مدى الخسارة التي لحقت به جراء هجرة هذا العدد الكبير من المثقفين والفنانين والأكاديميين إلى الخارج بدلاً من المساعدة على ابقائهم والاستفادة من خبراتهم الكبيرة في إثراء الحياة الثقافية الأردنية.

شنكول حسيب، رئيسة جمعية الإخاء الأردنية العراقية، تشير إلى حالة لطبيب أسنان عراقي يعمل في عمان، جاء إلى الجمعية واشتكى من غبن يتعرض له، واستغلال يمارس عليه في بعض عيادات لأطباء أردنيين يعمل لديهم طبيبا مساعداً، يستغلونه مالياً، كما يقول، ثم يقومون بصرفه بدون سابق إنذار. وتقول: «في هذه الحالة لم نستطع مساعدة طبيب الأسنان، فهو لا يحوز على شهادة مزاولة المهنة» ما يجعله عرضة للاستغلال. لكن حسيب تأمل أن يحتل العراقي مكانته التي يستحقها في الأردن، فهي تقدر أن ما نسبته 1 في المئة فقط من العراقيين أصحاب التخصصات نالوا على حقهم، أما الباقون، فما زالوا يعملون في الظل.

**

معاناة صامتة لعمال بلا تصاريح!

السّجل - خاص

ينتمي القسم الأعظم من الوافدين العراقيين إلى فئة الشباب، إذ تبلغ نسبة الشبان ممن تزيد أعمارهم على 25 عاماً أكثر من 55 في المئة من أعدادهم، لذا، كان من الطبيعي أن ينخرط أغلبهم في سوق العمل، وهو ما يفسر حقيقة أن كثيرا من الشبان العراقيين يعملون في قطاعات حيوية، مثل: المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية.

يقول علي، الذي يعمل في الأردن بدون تصريح منذ أربعة أعوام، إنه لم يتمكن في إصدار تصريح عمل، ولم يتلق معاملة حسنة عند زيارته لوزارة العمل، مشيرا إلى أن الشروط التي توضع على العراقيين أصعب من تلك التي توضع على الجنسيات الأخرى. "ما أخدت تصريح عمل، مشان هيك اضطررت اشتغل في أي مكان، كل ستة أشهر بشتغل في محل، وبدون التصريح الأمور صعبة كثير". وقال علي إنه عمل في مطاعم ومقاهي إنترنت، حتى انتهى به الحال بائعا في أحد محلات ملابس الأطفال.

يقول ابراهيم الزعبي، مدير مديرية العمالة المهاجرة، إن المعاملة هي ذاتها لجميع الجنسيات بالنسبة لإصدار تصاريح العمل، "هناك نوعان من الجنسيات في التعامل عند وزارة العمل، هناك الجنسيات المقيدة وهي المصرية والسورية، التي لا تحتاج لإصدار إقامة، في حين أن باقي الجنسيات ومنها العراقية، يجب عليها الحصول على إقامة قبل إصدار تصريح العمل". وأشار إلى أن العراقيين يعاملون كأي جنسية أخرى وافدة إلى الأردن. ولقد بلغت أعداد التصاريح الممنوحة للعراقيين منذ بداية العام، 1500 تصريح، تتركز معظمها في "الخدمات الاجتماعية والشخصية"، وفي حين أن معظم من ينالوا التصاريح يسجلوا على أنهم بلا مؤهل علمي، إلا أن هناك أعداد كبيرة من أساتذة الجامعات (بلغ عددها 400) يمنحوا مثل هذه التصاريح.

أحمد، يعمل في مقهى للإنترنت منذ سنة، يقول إن أوضاعه بشكل عام جيدة، "جئت للأردن قبل سنتين، عانيت في البداية، لكنني عملت في مقهى الإنترنت الذي كنت أتردد عليه طوال الوقت، الراتب يعتبر مرضياً وكافياً لنفقاتي الشخصية". ويذكر أنه لم يعانِ مشاكل في استصدار تصريح العمل، وأنه عمل في البداية بدون تصريح، ولكن صاحب العمل أصر على ضرورة حصوله عليه. يقول عمار مالك المقهى، إنه عمد إلى توظيف عراقي، بعدما لاحظ أن أغلب زبائن المقهى هم من العراقيين، الذين يقيمون في الحي الذي يقع فيه المقهى. "بصراحة وجدت صعوبة في التفاهم مع الزبائن، وأنا ما عندي علم بالكمبيوتر كتير، ولاحظت أن أحمد الذي يتردد على المحل كثيراً، يساعدهم بأفضل مما أقوم به أنا، فعرضت عليه العمل.. ومشيت الأمور،" يقول عمار، مشيرا إلى أن زبائن المحل ازدادوا، وأنهم يدلون بعضهم عليه، وما ساعدهم وجود موظف يفهم عليهم من "أول مرة"!

عمالة ذات تميّز: كفاءات عراقية تتعرض للاستغلال وفنانون يبدعون في الظل
 
20-Nov-2008
 
العدد 52