العدد 52 - أردني
 

عدي الريماوي

مع بدايات نمو القطاع الزراعي في سبعينيات القرن الماضي، بدأت أعداد كبيرة من العمال بالتوافد على الأردن وبخاصة منطقة الأغوار، من دول مثل مصر التي «صدرت» أعداداً كبيرة من العاملين في ذلك الوقت، وباكستان التي دفعت أوضاعها المتقلبة سكانها إلى الهجرة للخارج.

يقول غالب الشمايلة، متصرف لواء الشونة الجنوبية، الذي يمتد من الوادي الأبيض شمالاً حتى الموجب جنوباً، وتبلغ مساحته 289 كم2، وعدد سكانه حوالي 60 ألف نسمة، إن العمالة الوافدة تنتشر في جميع الأراضي في هذه المنطقة، وقدّر عدد المشتغلين بالزراعة في اللواء بنحو 9 آلاف عامل، يشكل الوافدون منهم أكثر من 6 آلاف، ومعظمهم من مصر وباكستان وبنغلادش، إضافة إلى عمال من سورية والعراق. "صاحب المزرعة يفضل العامل الوافد، لأنه يقدم الطاعة العمياء لرئيسه، ولأنه ينام في المزرعة، فلا يضيع الوقت على مواصلات أو غيره، ومن الممكن أن يقوم بأعمال خارج ساعات الدوام، وهذا العامل لا يأخذ إجازات طوال السنة، وهذا ما لا يتوافر في العامل الأردني،" بحسب الشمايلة.

يصف المتصرف الأوضاع التي يعمل بها هؤلاء العمال، بأنها "سيئة" فهم يقيمون في وحدات غير صحية، لا تتوافر فيها أدنى مقومات الراحة، حيث يقيم عدد كبير من العمال في غرفة صغيرة، ويلخص هذه الوحدات بأنها "غير قابلة للسكن". ويشرح الشمايلة: "هناك منفعة مشتركة بين صاحب المزرعة والعامل في إبقاء المساكن بهذا الشكل، فالعامل يرضى بهذا السكن حتى لا تقع عليه كلفة ايجاد مسكن خاص، وصاحب المزرعة يستفيد من وجود العامل داخل المزرعة طوال الوقت".

"إذا ما في عمالة مصرية .. ما في زراعة أردنية" هكذا يلخص فاروق الشريف، صاحب مزارع في الضليل، حال القطاع الزراعي في الأردن، وهو يستقدم عمالاً مصريين منذ بداية عمله قبل خمسة وعشرين عاماً، ويعمل لديه بعض العمال المحليين، هو يعتمد على العمالة الوافدة لإنجاز أعماله. "العامل المصري، ينفذ الأوامر بدون نقاش، فهو مطيع وخلوق، يعمل من الصباح حتى المساء، وينام في المزرعة. بالنسبة لي، فإنه أفضل بكثير من العامل المحلي". ينفي الشريف وجود أي مشاكل تواجهه مع العمالة الوافدة، فهم كما يقول موجودون للعمل والإنتاج، وليس لافتعال المشاكل، أما الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشون فيها، فهو يلقي باللوم في ذلك على وزارة العمل، التي لا تقوم بالرقابة الكافية على أصحاب المزارع. وفي المقابل فإن الحكومة تضيق على هذه العمالة "الحكومة تظلم هؤلاء العمال، وتهين كرامتهم ويضربون في الشارع، وتصطاد هذه العمالة دون غيرها، ساعدونا في الزراعة كثير، ليش نعاملهم زي هيك؟". وللشريف تجارب مع توظيف عمال محليين، لم تنجح بالغالب "وظفت عندي مرة عاملا محليا، وفي ثالث يوم، أتى يطلب الراتب مني. أعطيته عشر ليرات، وبعد ساعة خرج من المزرعة، وأخذ يدخن ويشرب شاي .. هادا زلمة مش جاي يشتغل."

وما زالت مشكلة تهرب الوافدين الحاصلين على تصريح زراعي، للعمل في قطاعات أخرى تؤثر على القطاع الزراعي، ويعود ذلك إلى أن رسم التصريح الزراعي يكلف 60 ديناراً للعامل الواحد، في حين أن باقي القطاعات تكلف 180 ديناراً للعامل الواحد، بحسب بيانات وزارة العمل. هذا الفرق المادي، كثيرا ما يدفع بعض أصحاب العمل إلى جلب تصاريح زراعية لعمالهم، ولكن هؤلاء يذهبون للعمل في قطاعات أخرى مثل الإنشاءات، فهناك تتراوح يومية العامل بين 15 إلى 20 ديناراً.

وقد بلغ عدد التصاريح الزراعية التي أصدرتها وزارة الزراعة منذ بداية العام الجاري نحو 65 ألف تصريح، لعمال أغلبهم من الجنسية المصرية والباكستانية، فعدد حملة الجنسيات الأخرى في القطاع الزراعي لا يتجاوز المئات.

يقول عبد الله الزبن، صاحب مزارع في المفرق، إن جميع العاملين لديه من الجنسية المصرية، وأن السكان المحليين ما زالوا يرفضون تماماً فكرة العمل في القطاع الزراعي، ويرجع هذا إلى وجود "أمراض اجتماعية" في مجتمعنا الأردني. "يعمل لدينا بعض البنات الأردنيات، في حين تجد أن أزوجهن أو أخوتهن في البيت من دون عمل،" يقول الزبن، داعيا إلى وضع ضوابط على العمالة الوافدة، حتى لا "تهرب" إلى مكان آخر. ويذكر معاناته مع كثير ممن أحضرهم للعمل لديه، ولم يكملوا شهراً واحداً في المزرعة، ليجدهم بعد ذلك يعملون في عمان. "لا يوجد قانون أستطيع من خلاله أن استرجعه عندي، القوانين التي تضعها الحكومة تحمي العامل الأردني، وهو لا يعمل في القطاع الزراعي، يجب تنظيم وجود العمالة الوافدة، التي تعد الأساس لنجاحاتنا في مجال الزراعة".

وعن الرواتب التي يتلقاها هؤلاء العمال، فإنها تختلف في طبيعتها من يومية إلى شهرية، "يومية العامل تعتمد على عمله ومساهمته في عمل المزرعة، وأقل يومية للعامل هي عشرة دنانير، في حين يتم التعامل بالشهر مع العمال الثابتين في المزرعة، وتتراوح رواتبهم بين 150 إلى 200 دينار" يقول الزبن. وتعمل وزارة العمل على تحديد حد أدنى جديد للأجور من بداية العام المقبل، ليصبح 150 ديناراً، ويشمل في نصه الجديد العمالة الوافدة.

**

من عمال إلى مستثمرين

في حديثه لـ«ے»، أتى غالب الشمايلة، متصرف لواء الشونة الجنوبية، على ذكر بعض العاملين في القطاع الزراعي ممن شبوا عن الطوق وتحولوا إلى ملاكين يستخدمون عمالة أردنية. وهو يقدر نسبة هؤلاء بنحو 10 بالمئة. يقول الشمايلة: "بعض هؤلاء يتملكون المزارع الخاصة، ويوظفون فيها بعض الأردنيين. وفي حالات أخرى يدخل بعضهم للعمل بالزراعة بحصة فيها وليس براتب ثابت."

لم يأت تحول هؤلاء من عمال إلى أصحاب عمل صدفة، بل ثمرة عمل طويل وشاق قاموا به في ظروف على درجة عالية من القسوة، إلى أن أصبح لهم شأن كبير في المهنة، وبخاصة القطاع الزراعي، حيث أصبح كثير منهم في منزلة خبراء في مهنهم، بعدما أمضوا سنوات عديدة بالعمل في هذا المجال.

ومن يزر منطقة الغور يلحظ عددا من الوافدين المصريين الذين تحولوا إلى مستثمرين، فامتلكوا مشاريعهم الخاصة، من مشاتل ومحلات تجارية، أو حتى مصانع للطوب، وهذه هي حال جابر، الذي جاء قبل 25 سنة إلى الأردن عامل بناء، لكنه اليوم يملك معملا للطوب الخاص به. وهو يعيش الآن في الأغوار مع عائلته التي تمكن من إحضارها من مصر.

**

عماد المصري: العيش في مستودع

عماد، شاب مصري تخرج في بلده حاملا شهادة في الهندسة اللاسلكية، ويعمل الآن في الأردن في الدهان والتنظيف وأعمال أخرى متنوعة، يقيم مع زوجته وطفليه وحماه وحماته، في مستودع مكون من غرفتين في حي المصاروة في عمان.

المستودع، الذي لم تجر عليه أي تعديلات تجعله صالحا لسكنى البشر، مفتوح على الشارع وله باب وحيد، هو باب الحديد السحب الخاص بالمخازن، لذا فإنه يظل مرفوعا طوال النهار وينزل في الليل فقط، وقت النوم. ليس هناك حمام، بل مرحاض خارجي يشترك فيه ستة مستأجرين آخرين يعيشون في ظروف مشابهة من حيث البؤس، فالماء لا يتوافر في صورة دائمة، بل يتم الحصول على الماء مرة واحدة في الأسبوع من حنفية الحمام، حيث تتم تعبئة براميل بلاستيكية كبيرة، يتم استخدامها للشرب والطبخ والتنظيف والاستحمام، وهي عمليات تتم كلها في المكان نفسه. أما كيف يقضي سكان المكان حاجتهم، في الليل أو في الصقيع عندما يحتاجون إلى دخول الحمام، فهناك ثقب في الجدار مفتوح على الشارع، مسدود بزجاجة مياه بلاستيكية، منعا لدخول الفئران، التي تدخل على أي حال، لهذا وضع لها السم في كل زاوية.

أما التيار الكهربائي، فإن الشيء الوحيد الذي يدل على وجوده، هو مصباح نيون متهالك معلق في السقف.

“لا زراعة أردنية من دون عمالة مصرية” : العامل الوافد: طاعة تامة وعمل بلا توقف
 
20-Nov-2008
 
العدد 52