العدد 52 - اقليمي
 

السّجل - خاص

بعد التفجيرات الدار البيضاء في أيار/ مايو 2003، التي تبنتها "الجماعة السلفية الجهادية"، أدرك المغرب الرسمي أن مكافحة "التطرف الديني" وملاحقة الإرهاب لا تتم بالمداهمات البوليسية، التي كثيرا ما كانت "تثير حنق" المغاربة في الأحياء الفقيرة و"مدن الظل"، و"تُشعرهم بالاستهداف والاضطهاد"، بحسب تصريح أدلى به، في حينه، حكيم الرياسي، الباحث في الرابطة المغربية لحقوق الإنسان، لمجلة التايم الأميركية.

هكذا بدأ المغرب، بمبادرة ملكية، في اتباع طريقة أكثر منهجية واستدامة لمكافحة التطرف ، ترتكز على معادلة "التدين، لكن من دون تشدد"، فأعدت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية برنامجاً للتدريب على الوعظ والإرشاد بما يضمن "تأطيرا دينيا معتدلا". من أبرز معالم هذا البرنامج، الذي انطلق في 2006، فتحه المجال أمام المرأة، ولأول مرة في المغرب، لتشارك في صورة رسمية،موظفة وليس متطوعة، في مخاطبة النساء ، والعمل على تأطيرهن في اتجاه يتواءم مع "ثوابت الدولة الدينية والوطنية"، بحسب السيدة حليمة، عضو أحد "المجالس العلمية" في الدار البيضاء، التي فضلت التعريف عن نفسها باسمها الأول فقط. حليمة توضح أن من الثوابت الدينية التي تعنيها أن "الإسلام دين الدولة"، أما الثوابت الوطنية فمنها أن "الصحراء مغربية".

مصطفى الخلقي، عضو المكتب التنفيذي لحركة التوجيه والإصلاح والباحث في شؤون الحركات الإسلامية، يلخص أهمية برنامج المرشدات، في أنه يتوجه من خلال "التواصل المباشر" إلى فئة من المجتمع تعتبر في كل الأدبيات "مجالا خصبا للتأطير الديني السلبي والإيجابي." ويزيد: "من دون التواصل المباشر مع هذه الفئة لا يمكن تصور تدين معتدل."

ينعكس هدف "التدين المعتدل"، في المناهج التي تدرسها المرشدات والأئمة على حد سواء، ضمن هذا البرنامج الحكومي "الإصلاحي"، بحسب وصف الحكومة المغربية. إذ تخضع المرشدة على مدى 12 شهرا لبرنامج مكثف يُدرس، بالإضافة إلى الفقه: التاريخ، علم النفس، علم الاجتماع ،مهارات الحاسوب، وإدارة الأعمال.

يرى الخلقي أن الهدف ليس مجرد تخريج "فقيهات"، وإنما "مرشدات تتوافر لديهن أدوات لمعرفة ومخاطبةالمجتمع". يقول: "هذا ليس مجرد برنامج ديني يرتبط بمحفوظات وأصول فقهية، وإنما هو برنامج أكثر تقدما يضم برامج ومقررات مرتبطة بالمجتمع".

حليمة تعتقد أن البرنامج يسعى إلى التأسيس لـ"فلسفة التنوع"، بحيث توضع مختلف التيارات الفكرية والثقافية "على الطاولة"، ليؤخذ الإيجابي منها. تدلل على ذلك بتجربتها الشخصية، هي الحائزة على الشهادة الجامعية الأولى في العلوم السياسية باللغة الفرنسية، أتبعتها بإجازة في الدراسات الإسلامية، ما أهلها لأن تصبح أحدأعضاء "المجالس العلمية" في الدار البيضاء. المجالس تشرف مباشرة على المرشدات. وهي تلاحظ إن الإقبال يتزايد على المساجد عندما تكون المرشدات حاضرات، "فنرى السيدة المغربية تحرص على الحضور إلى المسجد بمجرد أن تنقل أبناءها إلى المدرسة." وتزيد حليمة: "للمرأة قضايا خاصة لا يجيب عنها الرجال". فتسأل النساء عن أمور تراوح بين الأيدز والإدمان، مروراً بطاعة الزوج وتربية الأولاد إلى ارتداء الحجاب.

في نشرة إخبارية وزعتها وزارة الأوقاف في حفل تخريج أول دفعة من هؤلاء المرشدات والمرشدين في أيار/مايو 2006، ورد أن الخريجين "يجمعون بين معرفتهم في الشؤون الدينية والتطورات المعاصرة"، وأنهم قادرون على المساهمة في "تعزيز الشعور بالأمن والطمأنينة لدى المواطنين، ومنع ما من شأنه المساس باحترام قدسية المساجد".

لكن هناك بين المفكرين المغاربة ،من يشكك في قدرة هذا البرنامج على تحقيق الدمج المعرفي بين شؤون الدين والدنيا، وبلوغ التوازن والاعتدال المنشود.

سامر أبو القاسم، عضو اللجنة المركزية لحقوق الإنسان والمواطنة في وزارة التربية الوطنية، والباحث في قضايا الفكر الإسلامي، يعتبر البرنامج "مقبولا" إلى الآن. لكنه يتخوف من عدم مقدرة المرشدات على "الدفاع عن وجهة نظر منفتحة" تجاه القضايا الملحة في المجتمع. ويعتبر أن برنامج تدريب من 12 شهراً، لن يكون كافياً للتأسيس لهذا الانفتاح لدى المرشدات، على أساس أنهن خريجات مدارس تربوية مغربية تخلو من التركيز على "حقوق الإنسان والمواطنة".

أبو القاسم يرى إن الحل يكمن في الحرص على أن يتقاطع برنامج المرشدات في الخطاب، مع مؤسسات اجتماعية وتربوية مثل المدارس والنقابات.

ربما كان من أهم الأصوات التي وضعت علامة استفهام على جدوى برنامج المرشدات، الناشطة السياسية ناديا ياسين، التي تعتبر ثاني أهم شخصية في "جماعة العدل والإحسان". ياسين، التي تضع الحجاب، تعتبر البرنامج "ذراً للرمل في العيون". وفي تصريح لـ"تايم" تقول إن "التغيير الحقيقي مستحيل من دون تحسين مستوى التعليم في المغرب".

قد يكون الوقت مبكرا للحكم على التجربة، لكن الخلقي يعتبر أنها "بدأت تأتي أكلها"، في إشارة إلى الإقبال المتزايد على برامج محو الأمية، التي تضطلع بها المرشدات في المساجد. إذ إن الأمية في المغرب تبلغ 36 بالمئة على المستوى الوطني، فيما تبلغ 60 بالمئة بين النساء. يضيف الخلقي أن من شأن هذا البرنامج التخفيف من البطالة العالية في صفوف النساء، التي تصل إلى 30 بالمئة مقابل 9 بالمئة على المستوى الوطني.

التجربة ما زالت في الميزان، وإن كان حتى المعارضون من أمثال ياسين يعتبرونها تطوراً إيجابياً، في اتجاه الحدّ من "الذكورية" في ممارسة التدين والتوجيه الديني. في هذا إشارة إلى أن المرشدة تمارس المهام التي يقوم بها إمام المسجد باستثناء إمامة الصلاة. وكانت قضية إمامة المرأة أثارت جدلاً في الأوساط الإسلامية في المغرب مع انطلاق البرنامج، لكن فتوى بعدم جواز الإمامة وضعت حداً لذلك الجدل. غير أن هذا لم يمنع السيدة حليمة، إحدى المشرفات على المرشدات، من اعتبار ان البرنامج قد "أعاد الحق للمرأة من الباب الرسمي".

التجربة مثيرة للاهتمام على صعيد الدول الإسلامية، وذلك لفرادتها وريادتها ، وقابليتها لإلهام مجتمعات أخرى تشكو من موجة التطرف واستغلال الدين لأغراض سياسية .

**

"مدونة الأسرة" المغربية

أقر المغرب في شباط/ فبراير 2004 قانون "مدونة الأسرة" ،الذي وضع شروطا مشددة على الطلاق والحضانة وتعدد الزوجات.

بما يتعلق بتعدد الزوجات، جاء في المادة 40 منه "يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات، كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها.» ونصت المادة 41 منه أنه «لا تأذن المحكمة بالتعدد إلا بشروط، من بينها موافقة الزوجة المراد التزوج عليها». وفي المادة 45، «إذا تمسك الزوج بطلب الإذن بالتعدد، ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها، ولم تطلب التطليق، طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة الشقاق.» أما المادة 46 فتقول «في حالة الإذن بالتعدد، لا يتم العقد مع المراد التزوج بها إلا بعد إشعارها من طرف القاضي، بأن مريد الزواج بها متزوج بغيرها ورضاها بذلك.»

بعد مضي عام على دخول القانون حيز التنفيذ، أعلن عن تراجع في حالات تعدد الزوجات بنسبة 10 بالمئة. في الفترة نفسها سجل تراجع في حالات الطلاق بنسبة 40 بالمئة.

تجربة فريدة ومثيرة للاهتمام في المغرب: مرشدات لا فقيهات لتأطير ديني معتدل
 
20-Nov-2008
 
العدد 52