العدد 52 - دولي
 

صلاح حزين

لم يتأخر رد الملا محمد عمر، زعيم حركة طالبان الذي أسقطته قوات التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة قبل سبع سنوات، على العرض الذي قدمه له الرئيس الأفغاني حميد كرزاي بالدخول في مفاوضات مع الحكومة "لوقف قتل أبناء أفغانستان." كما قال، فقد جاء الرد بالرفض غير الصريح للعرض، إذ إن ناطقا باسم الملا عمر أعلن أنه مستعد للتفاوض حول مستقبل أفغانستان شرط انسحاب قوات التحالف من البلاد، وهو شرط تعجيزي واضح، لا يمكن للرئيس الأفغاني الموافقة عليه.

جاء العرض الذي قدمه كرزاي في مؤتمر صحفي قبل أيام ليرسم صورة لوضع أفغانستان بعد سبع سنوات عجاف من حكم كرزاي، الذي فشل في إقامة حكم قوي قادر على البقاء في البلاد في حالة انسحاب قوات التحالف التي تخوض حربا شرسة ضد مقاتلي طالبان، كما فشل في قتاله ضد المسلحين من حركة طالبان وتنظيم القاعدة الذين زادت عملياتهم عنفا خلال العام الجاري بنسبة كبيرة مقارنة بما كان الوضع عليه في مثل هذا الوقت من العام الماضي، حيث تشير الأنباء إلى أن مقاتلي طالبان يحظون بنفوذ واسع في مناطق كبيرة في شرقي البلاد وجنوبها، وأنهم يسعون إلى الوصول إلى العاصمة كابول.

والوضع الحقيقي المقصود هنا هو احتلال مكلف للولايات المتحدة التي تقود قواتها قوات التحالف الغربي الذي يحتل أفغانستان، وحكومة عاجزة عن الوقوف في وجه المسلحين الذين توسعت رقعة عملياتهم في صورة كبيرة حتى شملت أجزاء كبيرة من البلاد، وحكومات أوروبية تواجه في بلادها أزمة اقتصادية طاحنة، حتى باتت الحرب على "الإرهاب" التي تخوض بذريعتها هذه الدول حربها في أفغانستان، عبئا إضافيا تسعى إلى التخلص منه. الولايات المتحدة وحدها بقيت تكابر متمسكة بموقفها في مواصلة حربها ضد طلبان والقاعدة، وهو موقف بدا في أجلى صوره في الغارات المكثفة التي لم تتوقف الطائرات الحربية الأميركية عن شنها في منطقة وزيرستان الباكستانية المحاذية لأفغانستان، والتي يعتقد على نطاق واسع أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن يتخذ لنفسه ملاذا فيها.

دفعت هذه الحقائق كرزاي لتقديم عرضه الذي بدا واضحا أنه جاء بتشجيع، وإن كان صامتا، من جانب دول أوروبية، ولكن من دون موافقة أميركية صريحة أو مستترة، ففي إشارة غير مباشرة إلى أن الولايات المتحدة ليست راضية عن العرض الذي قدمه الرئيس الأفغاني، قال كرزاي إن أمام الولايات المتحدة، هي والمجتمع الدولي، خيارين: "تنحيتي عن الحكم أو تركي."

وقد أعلن كرزاي أنه سوف يمضي قدما في التفاوض مع الملا عمر إذا ما قبل الأخير القدوم إلى أفغانستان، عارضا عليه تأمين حماية له إذا ما وافق على العرض، وذلك في إشارة إلى أن زعيم طالبان يعيش في باكستان، وهو زعم نفته باكستان رسميا أكثر من مرة.

ورغم ما بدا من أن كرزاي قد اتخذ موقفه هذا تحت وطأة الهجمات التي يقوم بها مقاتلو طالبان ضد نظامه، والتي ازدادت عنفا في الشهور الأخيرة، فإن عرض كرزاي لم يأت مفاجئا للمتابع الحثيث لما يجري في أفغانستان، فقد جاء العرض بعد أن ترددت أنباء عن مفاوضات سرية تجري بين الطرفين منذ أسابيع، وهي مفاوضات كانت الولايات المتحدة على علم بها، ولكنها لم تتخذ موقف مناهضا لها، كما أنها لم تعلن تأييدها لها، بل تركت الموقف منها معوما.

ويمكن ملاحظة أن المفاوضات كانت تجري، وفقا لتسريبات صحفية نشرتها وسائل إعلام ذات صدقية، في الوقت الذي كانت فيه القوات الجوية الأميركية تقوم بأعنف قصف لها على منطقة وزيرستان الباكستانية المحاذية لأفغانستان، ولا يغير من الأمر كثيرا ما تردد من أن القصف العنيف إنما كان بهدف المجيء برأس زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، الذي يعتقد أنه يتخذ من تلك المنطقة ملاذا آمنا له، وذلك قبيل الانتخابات الأميركية، كي يكون الهدية الأكبر للمرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية جون ماكين، لعله يوقف تقدم منافسه الديمقراطي باراك أوباما، أو يفوز عليه، وهو ما لم يتحقق على أي حال.

القصف الأميركي ما زال مستمرا، ويرمي إلى تحقيق هدفين: قتل بن لادن والإعلان، في صورة غير مباشرة، عن عدم رضا الإدارة الأميركية عن المفاوضات الجارية.

المفاوضات، سواء تلك التي جرت بين الطرفين قبل أسابيع، أو تلك التي دعا إليها كرزاي مع الملا محمد عمر، لم تكن الأولى التي تجري بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، فقد تمت لقاءات سابقة بين الطرفين، إذ التقى في أيلول/سبتمبر الماضي ممثلون عن الحكومة الأفغانية الحالية وبعض قادة طالبان في المملكة العربية السعودية، التي كانت بين دول ثلاث تقيم علاقات مع نظام طالبان الذي كان يقوده الملا عمر نفسه قبل سقوطه قبل سبعة أعوام على يد قوات التحالف الأميركية.

لم يكن اللقاء رسميا، بل كان اجتماعا على عشاء، ولكن لقاء، حتى على هذا المستوى، بين خصمين يخوضان صراعا دمويا على مصير أفغانستان، يشير إلى أن سياسة القبضة الحديدية التي كان أعلن عنها نظام الحكم في كابول، مستقويا بقوات التحالف الغربي، آلت إلى فشل لم يعلن على الملأ مباشرة، حتى جاءت دعوة كرزاي إعلانا غير مباشر عنه.

دعوة كرزاي للتفاوض مع طالبان: إعلان غير مباشر عن الفشل
 
20-Nov-2008
 
العدد 52