العدد 52 - احتباس حراري
 

مع تصاعد الاهتمام بتغير المناخ على مستوى العالم، شهد سوق الكربون الذي يستند إلى اتجاهات السوق لتنظيم غازات الاحتباس الحراري وتقليلها، أفضلَ عام له على الإطلاق، فقد بلغت قيمة التعاملات حوالي 64 مليار دولار في العام 2007.

لكن هذا النجاح يخفي وراءه تحدّياً وشيكاً: كيف يمكن ضمان استفادة البلدان النامية والبلدان الغنية على السواء، من سوق الكربون؟

يقول كاران كابور، كبير خبراء سوق الكربون في البنك الدولي: "في وقت بات فيه التعاون العالمي لتقليل خطر تغير المناخ أكثر أهمية من أي وقت مضى، أصبحت احتمالات استفادة البلدان النامية من سوق الكربون موضع شك".

فيليب أمبروسي، من فريق تغير المناخ التابع للبنك الدولي، يتفق مع كابور في أن البلدان النامية تشهد ضيقاً في الوقت المتاح لها لبدء مشاريع لخفض غازات الدفيئة التي يمكن أن تدرّ أموالاً في سوق الكربون عن طريق بيع اعتمادات خفض التلوث. هذه المشاريع تأتي في سياق مشاريع التنمية النظيفة، وتتم الموافقة عليها بموجب اتفاقية بروتوكول كيوتو لخفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري في العالم.

وفقاً لكابور، فإن البلدان النامية طلبت الموافقة على أكثر من 3000 مشروع تتراوح من مَزارع الرياح إلى مشاريع تجميع الغازات في مدافن صحية، لكن يبدو أن هناك عجزاً في استيعاب هذه "الاستجابة الاستثنائية". ويضيف كابور قائلاً إن نحو 2000 مشروع ما زالت بانتظار اعتمادها، وإن كثيرا منها يواجه احتمال التأخير لمدة عامين.

"هذه مشكلة خطيرة، لأن اتفاقية بروتوكول كيوتو التي تسمح بمثل هذه التعاملات سيحين موعد تجديدها في 2012. ومن أجل استعادة التكاليف، يجب أن يبدأ تنفيذ المشاريع في البلدان النامية في 2008"، يقول كابور الذي شارك في إعداد تقرير "حالة سوق الكربون واتجاهاته في 2008".

ويوضح أن التأخير لمدة عامين لمشروع من المفترض أن يبدأ في 2008، يعادل فَقْدَ 40 بالمئة من العائدات التي كان سيتم الحصول عليها من الاتجار في اعتمادات الكربون. ويؤكد: "هذا يشكل خطراً حقيقياً. فهذه البلدان والمشاريع تخسر أموالاً. ونحن لا نعلم على وجه الدقة متى ستخرج المشاريع إلى حيز التنفيذ، وحينما تخرج فهل سيكون هناك وقت لتنفيذها من المنظور المالي؟".

من بين الصعوبات، نقصُ "المراقبين" المؤهلين، الذين يتحققون من أن غازات الاحتباس الحراري تم تخفيضها قبل أن يُسمح لمشروعٍ ما ببيع اعتمادات في السوق. يقول كابور إن الشركات المعتمدة لقيت صعوبة في الاحتفاظ بمراقبين مدربين في سوق الكربون النشيط، وعجزت عن سد هذا النقص. وفي الوقت نفسه، أصبحت الجهات التنظيمية أكثر يقظة.

نتيجة لهذه العوامل، أصبح من الشائع أن تستغرق عملية الموافقة على المشاريع ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام.

في الصين مثلاً، تؤلف المشاريع 73 بالمئة من سوق آلية التنمية النظيفة. وأبدت مناطق أخرى اهتماماً كبيراً بمشاريع هذه الآلية في العامين الماضيين.

وقال كابور: "من سوء الحظ، فإن البلدان الإفريقية بدأت لتوّها الانخراط في هذه الآلية. لكنها وجدت أنه لا يمكنها اجتياز هذا النظام لأنه مسدود".

من جهته، يقول أمبروسي إن "مشاريع الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة، وكذلك الاستثمارات في الدول النامية الفقيرة، تشكل أغلب المشاريع هذا العام". ويضيف إن هذه المشاريع هي التي تخفق في تحقيق النتائج المرجوة، جرّاء التأخر في الإجراءات، والاختناقات في سوق آلية التنمية النظيفة، الأمر الذي يجعل تنفيذها في نهاية الأمر محلَّ شك".

يؤكد واضعو تقرير حالة سوق الكربون وآخرون، أن الحفاظ على المستوى نفسه من الاندفاع، يتطلب أن تؤكد الحكومات أن مشاريع خفض غازات الاحتباس الحراري في البلدان النامية ستظل قادرة على بيع اعتمادات في سوق الكربون بمقتضى اتفاقية تغير المناخ التي ستعقب بروتوكول كيوتو.

وقال جاك كوجين، الرئيس التنفيذي لـ"ناتسوروس إل.إل.سي"، وهو بنك رائد في مجال الاستثمار في خفض الانبعاثات وفي الطاقة المتجددة: "إن مواصلة نمو السوق والاستثمار في الطاقة النظيفة يستلزمان من صانعي السياسة أن يرسلوا إلى قطاعات تطوير المشاريع وشرائها إشارة واضحة مفادها أن هذه الآليات ستبقى أداة مهمة للسياسات في إطار سياسات ما بعد العام 2012 بغية التصدي لتغير المناخ وتحسين أدائها".

وقال كابور إن عدم الاستفادة من الجهود الحالية في آلية التنمية النظيفة يمثل "فرصة ضائعة" للمساعدة على تنشيط التكنولوجيا النظيفة في العالم النامي.

وأضاف: "هذه الجهود موجهة نحو مشاريع هي في الواقع ما يبغي المرء التشجيع على المزيد منه. ولا نريد أن يضيع كل ذلك. ويجب أن نكون قادرين على استيعاب تلك الاندفاعة والاستفادة منها. هذا هو التحدي بحق".

سوق الكربون شهد أفضل عام له
 
20-Nov-2008
 
العدد 52