العدد 52 - رزنامه
 

السّجل - خاص

يواصل الفنان عبد الحي مسلّم في معرضه "فنان وقضية"، تلك التجربة التي بدأها في السبعينيات، والقائمة على تركيب نشارة الخشب الممزوجة بالغراء الأبيض، فوق سطح اللوحة الخشبي المُحَضَّر مسبّقاً.

تكشف لوحات المعرض الثلاثين، عن توثيقٍ بصري لمفردات التراث الفلسطيني، وأرشفةٍ مصوَّرة للبيوت والأشجار و"قلل" الماء وزيّ الفلاح الفلسطيني وأثواب النسوة المطرّزة، وأطباق القش المزخرفة المصنوعة يدوياً من سنابل القمح.

المعرض المقام في رابطة التشكيليين الأردنيين، لمناسبة مرور ستين عاماً على النكبة، يرصد معاناة الشعب الفلسطيني على يد الاحتلال الإسرائيلي. تتناول اللوحاتُ جدارَ الفصل العنصري، ومجزرتَي مخيم جنين ومسجد قرية الدوايمة، التي وُلد فيها مسلّم في العام 1933. ويستذكر الفنان في أعماله قاماتٍ إبداعية فلسطينية كان لها شأنها في خدمة القضية والدفاع عنها، من مثل: ناجي العلي، مصطفى الحلاج، ومحمود درويش..

وتبرز مجاميع بشرية من نساء ورجال في مشاهد بانورامية، الجميع متكاتفون، تتشابك أيديهم ورؤوسهم وأرجلهم، في إشارة إلى تعاضدهم على قلب واحد يحلم بالحرية واستعادة الأرض المغتصبة. وغالباً ما يظهر العلم الفلسطيني مرفرفاً، يرفعه أحدهم تارةً، أو يلتفّ حول غصن زيتونة تارة أخرى، فيما تتشبث الأقدام بالأرض (الجذور)، وترنو العيون إلى السماء (الحرية).

يعمد الفنان إلى تصوير المرأة جنباً إلى جنب مع الرجل، في الحقل والبيت وساحة النضال، كما في لوحة "صمود في مخيم الدهيشة - من وحي الانتفاضة". اللوحة يتماهى فيها الجسدان؛ يمسك الرجل بالحجر/رمز الانتفاضة، وترفع المرأة علَمَ فلسطين.

المادة التي يستعملها مسلم في تنفيذ أعماله، تجعل الأشكال على السطح منحوتاتٍ بارزةً في فضاء اللوحة التي تنطوي على غير مفردة، كما في لوحة "زيتونة محفوظة"، حيث "محفوظة" الفلسطينية تتشبث بجذع الزيتونة لتحميها من الاقتلاع الصهيوني. أما الشجرة فتبدو أنثى تهزّ وليدها بالسرير المعلّق على جذعها. وترقد بين الأغصان حمامة بيضاء (رمز السلام)، وعلى قمة الشجرة رجل قدماه منفرجتان تشكلان ما يشبه الأغصان، وثمة نساء أخريات يمددن أيديهن نحو محفوظة/ الشجرة.

يظهر العدوّ في لوحات مسلّم على شكل وحش مرعب، أسنانه ملطخة بدماء الأبرياء من النساء والأطفال. في لوحة "من وحي الانتفاضة"، يجثم وحشٌ على جسد امرأة، فيما تقوم امرأة أخرى بضربه بالعلَم الفلسطيني الذي ينغرس كنصلٍ حادّ في رأسه.

الألوان التي يستعملها مسلّم تحاكي لون الأرض، مثل البني والأحمر وتدرجاتهما، أو تحيل إلى الطبيعة (الأخضر وتدرجاته)، وهي ألوان تعبّر عن إحساس الفنان وتكشف عن خصوصية تجربةٍ بدأها بشكل فطري دون أن يتلقى تعليماً أكاديمياً، ناهلاً من مخزون ذاكرته عن تلك السنوات التي عاشها في قريته بفلسطين قبل النكبة.

“فنان وقضية”: توثيق بصري للتراث الفلسطيني
 
20-Nov-2008
 
العدد 52