العدد 51 - كتاب
 

في زيارة قام بها كاتب هذه السطور الى جمهورية موريتانيا الإسلامية قبل نحو ربع قرن، سمع من زميل صحفي له من أبناء بلاد شنقيط، أن الصحفي يقيم في العاصمة نواكشوط كرهاً عنه، فهو متعلق بقريته ومسقط رأسه، ولدى سؤاله: لماذا لا يحاول العمل انطلاقاً من قريته أجاب أن ذلك متعذر، فقد اختفت القرية..

اختفت..كيف؟.

قال: إن زحف الرمال على القرية أهلك الزرع والضرع، ودفن البيوت الطينية المتواضعة، فكان أن اندثرت القرية تدريجياً وأصبحت أثراً بعد عين.

تستعاد هذه الحكاية الدالة على الهزيمة أمام سطوة البيئة والمناخ، بمناسبة ما ذكره رئيس جمهورية جزر المالديف محمد نشيد، الاثنين الماضي10 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، بأن على سكان المالديف البحث عن وطن آخر لهم. تصريحات نشيد نشرتها «الجارديان» البريطانية. الرئيس عزا رؤيته هذه الى تأثيرات الاحتباس الحراري على بلده، الذي يضم أكثر من ألف جزيرة مهددة بالاختفاء مع ارتفاع منسوب مياه المحيط الهندي.

كانت بلاد المالديف تعرضت العام 2006 لتأثيرات مد تسونامي، وما زالت في الذاكرة مشاهد «شاعرية» لكنها مأساوية للمد الذي جعل سكان الجزر، بمن فيهم كبار المسؤولين يلجأون إلى اعتلاء السفن وسط رياح عاتية إتقاء للمد المهول.

الرئيس المالديفي نصح بشراء أراضٍ لشعبه واتخاذها وطناً جديداً لهم.

في إحدى حلقات برنامج «البيت بيتك» على تلفزيون المستقبل، قال مقدم البرنامج زاهي وهبي، لضيفه رفيق الحريري، ما يفيد بـ«إنك تمتلك من المال ما يكفي لشراء بلد لك.. غير لبنان أو إضافة إليه» وقد أجاب الراحل الحريري قبل نحو سنة من استشهاده، أنه لا يستبدل الدنيا كلها بوطنه.

غير أن الرئيس محمد نشيد لا يتحدث عن خيار أو رغبة، بل عن اضطرار.. فبلده مهدد بالاختفاء، لذلك سوف يتم اقتطاع جزء من عائدات السياحة، كما قال، لشراء أراضٍ (تكون نواة لوطن جديد للمالديفيين).

الرئيس المنتخب الذي أدى اليمين الدستورية الثلاثاء الأول من أمس، ربط بين هذه الفكرة وما قال إن الصهاينة فعلوه حين «اشتروا أراضٍ في فلسطين» لم يلبثوا أن جعلوا منها وطناً ودولة.

معلومات الرئيس المسلم مغلوطة، فالأراضي المشتراة من مالكين أغلبهم غير فلسطينين كانت تقدر بنحو واحد بالمئة من أرض فلسطين، أما «الفضل» في إنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين، فيعود للعصابات الصهيونية وتواطؤ الانتداب البريطاني مع تلك العصابات لترويع الأهالي وتقتيلهم، ودفعهم دفعاً للهجرة.

الإسرائيليون عملوا على أن تختفي فلسطين ويتشتت شعبها، وهو ما لم يلحظه أو يتطرق إليه الرئيس محمد نشيد.

غير أن مدار هذا التعليق لا يدور حول تلك المعلومات، بل حول بلد مهدد بالاختفاء، هو بالمناسبة عضو في جامعة الدول العربية، بعد أن كانت دولة أخرى هي الكويت مهددة بالاختفاء بناء على رؤية الرئيس صدام حسين، وبعد تهديدات لمسؤول إيراني بوضع اليد على مملكة البحرين، وتهديد مصيرها بالاختفاء ككيان سياسي.

بات مطلوباً وضع التهديدات بالاختفاء على جدول أعمال القمم العربية.

محمود الريماوي: «بلد عربي» مهدد بالاختفاء
 
13-Nov-2008
 
العدد 51