العدد 51 - أردني
 

محمود منير

هل ساهمت سياسات إدارة بوش في إدارة الأزمات العالمية بالفوز الكاسح الذي حققه أوباما رئيساً للولايات المتحدة، أم أن الأزمة المالية العالمية شكلت السبب الرئيس لهذا الفوز رغبة في إيجاد المخرج المناسب لهذه الكارثة، وهل تحقق اندماج الأعراق في المجتمع الأميركي ليتساوى الجميع في ممارسة الديمقراطية؟.

أسئلة عديدة لا تهم الأميركيين لوحدهم، بل العالم كلّه الذي ساهم في انتخاب أوباما بإعلان الدعم الصريح له، رغبة في الخلاص من الهيمنة التي مارستها إدارة بوش طوال ثماني سنوات، ويبدو أن الأنظمة العربية كانت بصورة ما في انتظار التغيير الموعود، بعد تعرض أغلبها لسلسلة من الضغوط المتواصلة بعد غزو العراق سواء بمطالبتها بالإصلاح والديمقراطية، أو بضرورة التعاون الأمني لمحاربة الإرهاب والتطرف.

محمد حسنين هيكل، خالف جميع التوقعات في مقابلة معه على إحدى القنوات الفضائية، مذكراً بحادثة شخصية ذات مدلولات سياسية عميقة تمثلت في طلب باراك أوباما لثلاثة من أصدقائه الأكاديميين العرب ومنهم رشيد الخالدي، بعدم الاتصال به منذ اللحظة الأولى لانطلاق حملته الانتخابية، وإذا تمت محاولة الاتصال فإنه سيضطر لعدم الرد!.

المفكر كلوفيس مقصود رأى في حديث خاص لـ "ے" أن ما ينتظره العرب هو استبدال أوباما لسياسات الإملاء التي مارستها إدارة بوش، بسياسات الإقناع وإن في بعض الأحيان مع لي الذراع، مشيراً إلى أنه إذا تمكن العرب دولاً ومثقفين من بلورة خطاب واضح وموحد وقابل للتصديق، والقيام بحملة دبلوماسية وإعلامية مقنعة، عندئذ يستطيعون الاستفادة من انفتاح أوباما على الحوار، كما سيحفز ذلك على مزيد من التنسيق والتكامل بين العرب أنفسهم بدلاً من التفكيك والتفتيت الحاصل الآن.

وجهة نظر مختلفة عرضها الباحث حسن نافعة، أمين عام منتدى الفكر العربي، في تصريح لـ "ے": "إذا استطاع أوباما الحصول على صيغة لتغيير واقع الطبقتين الوسطى والفقيرة في الولايات المتحدة، وإعادة بناء النظام السياسي بطريقة تصب في صالح هاتين الطبقتين، فإن ذلك سيقود للاتجاه نحو إصلاح المؤسسات الدولية بما يتفق وروح القانون الدولي، وسيكون لذلك انعكاس على القضايا الدولية بما فيها قضية الصراع العربي الإسرائيلي، لكنه ليس تغييراً مبنياً على موقف مبدئي".

المديرة التنفيذية لـ«مبادرة الإصلاح العربي»، بسمة قضماني، اعتبرت في حديث لـ "ے" أن أوباما يمثل الأميركي المتوجه إلى العالم والمتشرب من ثقافات مختلفة، بينما اتسمت إدارة بوش بالانغلاق فكرياً والتمدد عسكرياً ومالياً، ما أنتج تشتتاً وتزمتاً لدى الثقافات المختلفة. سيكون أوباما رئيساً لدول عظمى منخرطة في العالم المعولم، وهو شخصية مناسبة لهذه المهمة ليس بنموذج عولمة اقتصادية بل ثقافية، وهذا ما تأمله قضماني.

السؤال الأبرز الذي يلح على المفكرين والمحللين السياسيين هو حول طبيعة التغيير الذي جرى في الولايات المتحدة، وأدى لفوز أوباما في ضوء ما هو معروف عن ديناميية المجتمع الأميركي.

الكاتب والناشط السياسي عزمي بشارة، يفسر اندماج الأميركيين الأفارقة بالإشارة إلى "أن استراتيجيتهم في مطلب المساواة لم يكن بإمكانها إلاّ أن تكون اندماجية، فليس لديهم قومية ولا اثنية تجمعهم، ولا يمكنهم الحفاظ على لغة أو لغات أفريقية، ولا عاشوا في منطقة محددة بل وزعوا على المزارع أفراداً"، موضحاً أن "الاستراتيجية التي فرضت نفسها عفويا عبر قرون ثم أدلجت في حملة الحقوق المدنية هي المشترك المكتسب المتبنى بالمواطنة، وليس بالمشترك المتبنى بالولادة أو الأصول".

يرى بشارة أن سياسة الاندماج تلك "تنقلب إلى سياسات هوية، على درجة أعلى من التطور، عندما تتحول إلى قياس المساواة بمدى تمثيل السود في المناصب والمواقع المختلفة على أساس لونهم وليس مواقفهم، ويتم إقصاء فقراء السود غير القادرين على المنافسة من المؤسسات، إلاّ بمدى ما يرضي تمثيل الآخرين لهم معنوياتهم وهويتهم".

يصف مقصود فوز أوباما بأنه " شكّل اختراقاً شديد الأهمية في تاريخ الولايات المتحدة المعاصر، ويعدّ تتويجاً لمصالحة تاريخية بين الأعراق"، موضحاً أن "السبب الأساسي في ذلك يعود لتمرد الأجيال الصاعدة على بقايا الجيوب العنصرية وممارسات إدارة بوش في التمييز، وتعليق الكثير من الحقوق الدستورية والمدنية وبخاصة للأمبركيين العرب والمسلمين".

عن أثر الحرب على العراق يقول مقصود: "قام المحافظون الجدد بالتشويه الكامل للحقائق والدوافع في غزو العراق، مما أوجد تياراً تجددياً غير مسبوق داخل الحزب الديمقراطي؛ يدل عليه التبرعات لحملة أوباما التي بلغت أكثر من 700 مليون دولار بمعدل مشاركة لا تزيد على 87 دولاراً للمتبرع الواحد، مما أسهم في انتزاعه الترشيح الرسمي للحزب الديمقراطي".

من زاوية مختلفة يعلق نافعة على فوز أوباما: "لم أفاجأ مطلقاً، بفوز رئيس ملون من أصول إسلامية، فالمفاجأة الوحيدة لي كانت عندما صوت الشعب الأميركي العام 2004 للتجديد مرة ثانية لجورج بوش، إذ كنت أتصور أن المجتمع الأميركي والنظام السياسي فيه من الشفافية وآليات الضبط والرقابة ما يمكنه استشعار الخطر بسرعة، وبالتالي البحث عن مرشح آخر عدا جورج بوش سواء جاء من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري".

يؤكد نافعة أن المطلوب "كان تغيير السياسات والتوجهات وليس الأشخاص لصالح الطبقتين الوسطى والفقيرة وبرز أوباما باعتباره الشخص المؤهل لقيادة مثل هذا التغيير". موضحاً "أوباما استطاع التغلب على إشكالية أصوله وارتباطاته الاجتماعية، بذكاء شديد، وفي أثناء حملته برزت مواهبه الخطابية وذكائه السياسي العفوي، وهو الذي تلقي تعليماً راقياً في أفضل الجامعات ا: هارفرد وكولومبيا، وشغل منصب رئيس تحرير لإحدى الصحف المتخصصة في القانون الدولي في جامعة هارفرد".

لا تركن قضماني إلى ذكاء أوباما كعنصر رئيس، إنما ترى أن المجتمع الأميركي حل عقدة أساسية في كل الديمقراطيات القديمة في أوروبا والولايات المتحدة تتمثل في اندماج الأقليات في النظام الديمقراطي لكي تصبح الديمقراطية للجميع، وهذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه أوروبا بفوارق مختلفة بين مجتمع وآخر.

وتخلص إلى أن التقدّم الهائل في الولايات المتحدة في هذا الشأن "أتى ثمرة جهود تواصلت أكثر من عقدين من الزمن داخل مؤسسات المجتمع المدني والجامعات والمؤسسات الاقتصادية والسياسية وفي مختلف الولايات، إذ قامت بتحفيز دور الأقليات ودعم فرصهم، وهذه الجهود تمت من أسفل المجتمع إلى أعلاه". مضيفة أن "انتخاب أوباما هو تتويج لكل تلك الجهود ويدل على أن الولايات المتحدة تعتبر نفسها مجتمعاً منفتحاً على العالم، ويمثل التعددية الموجودة فيه".

مقصود يشير إلى عوامل أخرى لا تقل أهمية "فدعم هيلاري كلينتون لحملة أوباما أقفل الباب أمام أية تناقضات قد تحدث داخل الحزب الديمقراطي، لكن هذا التكامل لم يضمن فوز أوباما لولا ارتباط ماكين بسياسات بوش وإدارته، رغم محاولاته المتكررة للتنصل منها، كما أن ترشيح الحزب الجمهوري لسارة بالين لمنصب نائب الرئيس دفع العديد من الجمهوريين المعتدلين أمثال كولن باول إلى الاقتراع لصالح أوباما".

ويلفت مقصود إلى تفوق أوباما في المناظرات التي أجريت بينه وبين ماكين، بشكل حاسم جعل العديد من شرائح الناخبين المترددين يميلون بشكل متصاعد نحو أوباما، وما اعتقده البعض بتفوق عامل الخبرة لدى ماكين شكّل ثقلاً ميتاً على حملته.

بحسب مقصود فإن الحسم النهائي كان وراءه "نجاح الأجيال الجديدة النابذة للعنصرية وللتزوير في غزو العراق ومن ثم الثقة الكاملة به لمعالجة الأزمة المالية المتفاقمة" مستنتجاً أن "انتخاب أوباما وضعه في صف الرئيس التاريخي إبرام لنكولن الذي حرر العبيد وكيندي وجونسون اللذين دفعا المجال لإقرار الحقوق المدنية لجميع الأعراق في الولايات المتحدة، فكان انتخاب أوباما تتويجاً لهذه المسيرة التاريخية".

بشارة يشير إلى عاملين رئيسين في وصول أوباما، "أولهما: التغيير الحقيقي لدى الجيل الشاب بشكل خاص الذي يصوت لأول مرة، والأقليات والنساء والقوى الليبرالية في المجتمع الأمريكي، وثانيهما النفور من سياسة بوش وفشلها الداخلي والخارجي، لكن فوز أوباما بترشيح الحزب الديمقراطي جعل نواة التغيير أقل أهمية، ويُبقي لها المرشح سحر لون البشرة والكاريزما، ليتجه نحو الوسط ويتبنى موقف المؤسسة ورؤيتها السياسية ومصالحها من أجل الفوز".

نافعة، الذي نشر مقالة بعنوان "خطاب إلى الرئيس الأيمركي" قبل ستة أشهر من فوزه، اعتبر فيه أن الكوارث التي ارتكبها بوش ستمهد الطريق لتغيير راديكالي وليس شكلياً، أكد على أن "المجتمع الأميركي يريد تغييراَ كبيراً وجذرياً، وإلاّ سيتحول أوباما إلى فقاعة تشبه فقاعات الرهن العقاري ستنفجر، ولكن بعكس هذه الفقاعات لن تحدث إلاّ خيبة أمل كبيرة جداً ليس في أمريكا لوحدها بل في العالم كله".

في السياق نفسه كتب سيمون جنكنز في الغارديان: "إن كمية الدموع التي سكبت فرحا بفوز باراك أوباما قد تكون الأكبر في تاريخ البشرية. ويضيف الكاتب قائلا "أنا أيضا بكيت ولكن إشفاقا "لسذاجة وضخامة الآمال" التي تعقد على أوباما، إذ ستعرقل مهامه".

جنكنز اعتبر أن الحكم على رئاسة أوباما سيجانب الصواب إذا لم "نتخلص من الذهنية العنصرية التي ترى فيه الرجل الأسود أولا وقبل كل شيء، وما سوى ذلك في آخر درك سلم الأهمية." موضحاً "خطأ" مثل هذه النظرة: "نتائج الانتخابات تعكس "ميلا طبيعيا" إلى ديمقراطي وسط، في زمن عدم الاستقرار الاقتصادي، وبسبب القيام بحروب غير شعبية".

مفكرون عرب يعاينون فوز أوباما: تفاؤل حذر وتأييد مشروط للرئيس المنتخب
 
13-Nov-2008
 
العدد 51