العدد 51 - أردني
 

نهاد الجريري

حتى وقت قريب، ظلت «السمنة» دليل صحة وعافية. فكانت الأمهات تقيس صحة الطفل بوفرة مايتناوله من طعام على أساس أن «شهيته مفتوحة،» وكان يُفترض خطأ أن آثار «النعمة» تظهر على الرجل إذا امتدت بطنه أمامه.

لكن الحال اختلفت اليوم؛ فقد بات معروفا أن السمنة سبب رئيسي في مرض السكري الذي انتشر في العالم حتى غدا وباء. يزيد في خطورة المرض أنه يتسبب في مضاعفات خطيرة. عالميا، 40 بالمئة من مرضى الفشل الكلوي يعانون من السكري، ومثلها من حالات العمى. أردنيا، بحسب دراسة أصدرها المركز الوطني للسكري والغدد الصم والوراثة، فإن 75 بالمئة من مرضى السكري عرضة لجلطات قلبية، وأن 62 بالمئة من الرجال فوق سن 25 عاما من المصابين بالسكري أو الضغط أو الدهنيات يعانون العجز الجنسي.

أظهرت الدراسة التي نُشرت في آب أغسطس الماضي أن 30.5 بالمئة من الأردنيين مصابون بالسكري؛ وفي التفصيل فإن 60 بالمئة من الرجال الأردنيين فوق سن 40 عاما، و 50 بالمئة من الأردنيات فوق سن 25 عاما مصابون، على الأقل، بأمراض السكري والضغط (التوتر الشرياني) وارتفاع الدهنيات. الدراسة أشارت إلى أن 82 بالمئة من الأردنيين يعانون من سمنة وزيادة وزن؛ ما يعني زيادة مطردة في أعداد من لديهم «استعداد» للإصابة بالسكري. وهو ببساطة زيادة نسبة السكر (الجلوكوز) في الدم.

يقول كامل العجلوني، مدير المركز، إن مشاكل السكري تبدأ بمجرد أن يزيد مؤشر «كتلة الجسم Body Mass» عن 25؛ إذ يتم الحساب بقسمة الوزن على مربع الطول بالأمتار.

عن آلية العلاقة بين السكري والسمنة، يقول عبدالكريم الخوالدة، مستشار أول الغدد الصم والسكري والباطنية، إن إفراز البنكرياس للإنسولين، الذي ينظم السكر في الدم، يزيد كلما كان الطعام المتناول دسما وحلوا. بالتالي فإن استمرار تناول هذه الأطعمة التي تترجم إلى دهون وشحوم تتكدس في الجسم، يحفز على مزيد من إفراز الإنسولين إلى حد يصبح معه البنكرياس عاجزاً عن إفراز ما يكفي من هذا الهرمون ليحرق اللازم من السكر. فيظل السكر عالقا في الدم.

ما يشرحه الدكتور خوالدة هو النوع الثاني من السكري الأكثر شيوعا، إذ تشكل نسبة الإصابة به حوالي 90 بالمئة من حالات الإصابة بالسكري.

وللسكري والسمنة علاقة بالعجز الجنسي، بحسب الدراسة. يشرح العجلوني إن الخلية الدهنية تغيّر الهرمون إلى ضده. «فتحوّل الهرمون الذكري إلى أنثوي، ولهذا يظهر الرجال السمان وكأن لهم أثداء، كما تحوّل الهرمونات الأنثوية إلى ذكرية، فتعاني السيدات السمينات من اضطراب في الدورة الشهرية ومن صلع أو نمو الشعر في أماكن مختلفة غير معتادة».

بالنظر إلى هذه النسبة من العجز الجنسي، يتبادر إلى الذهن سؤال حول دلالات هذا الرقم من ناحية اجتماعية ونفسية. محمد الحباشنة، مستشار الطب النفسي الاجتماعي، يعرف العجز الجنسي بأنه يراوح بين ضعف الرغبة، أو انخفاض التكرار وضعف الأداء. يقول إن الأداء الجنسي من أهم المحددات لنوعية الحياة السليمة والصحية. وبالتالي يميل من يعاني العجز إلى الشعور بالاكتئاب والقلق وعدم الكفاءة. ويلفت الحباشنة إلى أن معظم المرضى الذين يراجعون الطبيب النفسي لهذه العوارض، يتحرجون من طرح مسألة عجزهم الجنسي إلا بعد حين من بدء العلاج وبحسب مدى اطمئنانهم للطبيب؛ فالحديث في هذا الموضوع ما زال من «التابوهات» أو المحرمات في المجتمع. بينما يؤكد الحباشنة أن هذا الاضطراب لا يؤثر في العلاقة الزوجية القائمة على عوامل قوية؛ ولا يؤدي إلى خيانة زوجية ما لم تتوافر عوامل أخرى مثل ضعف دينامية الأسرة.

حسب دراسة الوطني للسكري، فقد وصلت كلفة علاج هذه المتلازمة الاستقلابية (سكري، ضغط، سمنة، دهنيات) 1.308 بليون دينار. العجلوني يشرح أن الرقم يشمل تكلفة الأدوية والمختبرات والأطباء، إضافة إلى تكلفة غير مباشرة مثل انخفاض مستوى الإنتاجية عند المريض أو لدى أحد أفراد عائلته ممن يضطرون إلى مرافقته أحيانا.

التغلب على هذه المشكلات الصحية والاقتصادية ليس صعبا. فرغم أن السكري مرض مزمن لا علاج له، إلا أن تجنبه أمر سهل وفي متناول اليد. كل ما يحتاج المرء إليه هو تغيير عادات تناول الطعام من حيث النوع والكم، وتغيير في أسلوب الحياة كممارسة الرياضة.

الخوالدة لا يفضل استخدام لفظ حمية. يقول إنه ليس ثمة نظام غذائي خاص بمرضى السكري. ويشرح «مريض السكري يستطيع أن يتناول كل الأطعمة، شريطة أن يتوافر أمران. الأول: تناول كميات قليلة، فبدلا من تناول قطف عنب، يكتفي المريض بتناول بضعة حبات. الثاني: توزيع كمية الطعام التي يحتاجها الجسم على 5 وجبات على الأقل. فبالإضافة إلى الفطور والغداء والعشاء، ينصح الخوالدة بتناول وجبات صغيرة «سناك» مثل ساندويتش أو حبة فواكه.

الهدف من ذلك هو تمكين البنكرياس من إفراز ما يكفي لحرق كميات قليلة من السكر في كل مرة».

ربى العباسي، أخصائية التغذية العلاجية/ مديرةالمركز الريادي للتغذية، تقول «اعتاد الأردنيون تناول وجبة واحدة في اليوم، بعد انتهاء الدوام»؛ وتحذر من أن حرمان الجسم من الطعام على هذا النحو، وتناول كمية كبيرة في وجبة واحدة يسهم في زيادة الوزن. وتشرح أن «الجسم من خلال الحرمان أو التجويع يميل إلى التخزين أكثر حتى يوفر طاقة للخلايا والدماغ».

تضيف العباسي أن من الأهمية بمكان أن ينوع المرء في طعامه؛ فثمة أغذية تساعد في حرق السعرات الحرارية مثل الرمان، والسمك، والماء. في المقابل، توصي العباسي بضرورة الابتعاد عن عادة تناول الأطعمة المشبعة بالزيت مثل الهامبرغر والتشيبس الذي يساوي في سعراته الحرارية نصف كوب من الزيت (أي 300 سعر حراري).

أما بما يتعلق بممارسة الرياضة، فإن قلة الحركة تتسبب في تكدس الشحوم وعدم حرق السعرات الحرارية في الجسم. وهنا يلفت ماجد مجلي، أستاذ الطب الرياضي في الجامعة الأردنية، إلى أنه حتى يكون النشاط الرياضي مجديا في حرق السعرات الحرارية لا بد من رفع كفاءة القلب والرئتين بحيث يصل عدد ضربات القلب ما بين 130-150 نبضة في الدقيقة؛ إذ إن النبض الطبيعي يراوح بين 60-80 نبضة. وعليه فإن الأعمال المنزلية لا تدخل في حساب الأنشطة الكفيلة بحرق سعرات حرارية. فقد تنطوي على شعور بالتعب ولكنها ليست بالضرورة كفيلة برفع كفاءة القلب والرئتين.

النشاط الرياضي الأمثل في هذه الحالة، بحسب مجلي، هو الهرولة أو الركض نصف ساعة 4 مرات أسبوعيا. هذا كفيل بحرق 400-450 سعر حراري في المتوسط؛ أي ما يعادل السعرات الحرارية في 10 ملاعق كبيرة من السكر أو علبة مشروبات غازية.

هنا، يقول العجلوني إن خسارة 10 كغم من وزن شخص مصاب بالسمنة، يسهم في تقليل نسبة الوفاة 10 بالمئة، والضغط 20 بالمئة، والسكري 30 بالمئة.

لكن العجلوني يشدد على أهمية وجود «قرار سياسي» للحد من الإصابة بالسمنة والسكري والضغط. ويقول إنه لا بد للحكومة أن توفر المكان المناسب كي يمارس الناس الرياضة؛ كأن تزيل العوائق، من الأرصفة لتتيح للناس أن يتمشوا؛ وأن تنشىء مزيدا من المراكز لمعالجة السكري والسمنة والضغط. الخوالدة يتفق مع العجلوني ويزيد أن الحكومة مطالبة بتنظيم حملات توعية على أساس أن تكلفة المريض بالسكري أو السمنة التي تصل اليوم 5 دنانير، قد تكلف غدا آلاف الدنانير إذا أصيب المريض بفشل كلوي.

**

أنواع السكري

السكري نوعان يختلفان عن بعضهما اختلافا كبيرا في الأسباب وطرق العلاج.

1- النوع الأول TYPE A السكري المعتمد على الإنسولين: تشكل نسبة الإصابة به حوالي 10 بالمئة من حالات الإصابة بالسكري وفي أغلب الأحيان تبدأ الأعراض فجأة وغالبا ما يحدث في سن مبكرة أثناء مرحلة الطفولة او البلوغ. ويتميز بعجز شديد في عمل خلايا البنكرياس ينتج عنه نقص مطلق في إفراز الإنسولين لذلك لا يمكن معالجة هذا النوع بالأقراص الخافضة للسكر أو الحمية الغذائية لوحدها بل يحتاج المريض إلى المعالجة بحقن الإنسولين يوميا.

2- النوع الثاني TYPE B السكري غير المعتمد على الإنسولين: وهو الأكثر شيوعا وتشكل نسبة الإصابة به حوالي 90 بالمئة من حالات الإصابة بالسكري. ويحدث غالبا في منتصف العمر أو بعده. ويتميز إما بنقص جزئي في إفراز الانسولين بحيث لا تكفي كميته لتخفيض السكر في الدم أو لعدم قدرة خلايا الجسم على استعمال الانسولين بشكل صحيح مما يؤدي إلى تجمع كمية كبيرة من السكر في الدم. تصاحب السمنة غالبية المصابين بهذا النوع. وتكفي الحمية الغذائية وتخفيف الوزن لعلاج بعض الحالات بينما يحتاج البعض الآخر إلى الأدوية الخافضة للسكر.

للتعايش مع السكري والحد من مخاطره: العلاج يبدأ بالهرولة وتنظيم الوجبات الغذائية
 
13-Nov-2008
 
العدد 51