العدد 51 - استهلاكي
 

سجلت أسعار الحبوب بمختلف أنواعها انخفاضاً حاداً في الأسواق العالمية، فيما ما تزال أسعارها في السوق المحلية ثابتة على ارتفاع.

الحبوب بمختلف أنواعها بدءاً من القمح مرورا بالأرز والذرة وانتهاء بالحمص والعدس كانت سجلت قفزات متتالية في أسعارها محليا وعالميا، حيث تعددت أسباب الارتفاع، ما بين استخدام الحبوب كمكمل للوقود الحيوي، وحدوث جفاف عام، وانخفاض الإنتاج في بلدان المنشأ.

نشرة "توقعات الأغذية» التي تُصدرها منظمة الأغذية والزراعة (FAO) كل عامين لاستعراض أوضاع السلع الزراعية، توقعت أن يسجِّل إنتاج العالم من الحبوب رقماً قياسياً جديداً هذا العام، بسبب ارتفاع الأسعار الذي شكّل تمويلا جيدا للعمليات الزراعية، إلى جانب أحوال الطقس المواتية عموماً خلال الموسم.

النشرة توقعت أن يبلغ إنتاج العالم من الحبوب ما يكفي لتلبية الاستخدام المنتظر في الأجل القصير، والمساعدة في إعادة تكوين كمياتٍ كبيرة من المخزونات التي استُنفدت على الصعيد الدولي.

محلياً، كانت الحبوب سبباً رئيسياً في ارتفاع أسعار المستهلك. في آب/أغسطس الفائت ارتفعت مجموعة «الحبوب ومنتجاتها» بنسبة 31.1 بالمئة، لتساهم في ارتفاع الرقم القياسي لأسعار المستهلك للأشهر الثمانية الأولى من العام 2008 بما نسبته 14.9 بالمئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2007.

نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق، يؤكد أن الأسعار محليا لدى المستوردين انخفضت بشكل واضح. سعر الفول مثلا هبط بنسبة 30-40 بالمئة، فيما سجلت أسعار زيت النخيل والعدس والطحينية انخفاضات بنسب 40 و20 و50 بالمئة على التوالي.

الحاج توفيق يقول إن انخفاض الأسعار لم ينتقل أثره بعد إلى السوق لأسباب، أبرزها أن تجار الجملة والمفرق يحجمون عن الشراء من المستوردين، خشيةَ أن تتابع الأسعار رحلة الانخفاض، ما قد يكبدهم خسائر. يزيد الحاج توفيق أن العديد من تجار الجملة، والتجزئة أيضا، يحتفظون بكميات كبيرة من مواد غذائية اشتروها بأسعار مرتفعة، وما زالوا ينتظرون تصريفها بالسعر القديم، قبل أن يتجهوا للبيع بالأسعار الجديدة.

المحلل الاقتصادي حسام عايش يرى أن الأردن «يعاني من مشكلة عكس الارتفاع في الأسعار بشكل مباشر على السلع، ومن ثم التباطؤ والتذمر من انخفاضها».

يقول: «أسعار المواد الأولية انخفضت، وتُوالي انخفاضها نتيجة توقعات المضاربين أن تسود الاقتصاد العالمي حالةٌ من الكساد، لذا ضمن معادلة العرض والطلب فإن الأسعار تُوالي انخفاضها عالميا، لكن المعادلة المختلّة لدينا تُبقي الأسعار على حالها».

يورد عايش مثالا على ذلك، أسعار القهوة التي كانت ارتفعت بحدة منذ عامين لينعكس ذلك ارتفاعا على الأسعار محليا. ورغم أن أسعار القهوة عالميا سجلت انخفاضا، إلا أن أسعارها محليا ما زالت على ارتفاع.

لكن الحاج توفيق يؤكد أن أسعار القهوة انخفضت عالميا بنسبة طفيفة عكستها معظم المحال التي تبيع القهوة بالتجزئة وعددها نحو 2400 تتوزع في أرجاء المملكة.

يقول الحاج توفيق إن الأسعار تتفاوت، بشكل كبير، بين محلات التجزئة، «ولا يجوز التعميم والقياس على أسعار محلّين أو أكثر في عمّان».

الخروج من أزمة الأسعار «صعبة المراس» التي لا تعود للانخفاض مع تلاشي السبب الذي رفَعها من الأساس، يكون بـ«تدخل مدروس من الدولة في تحديد الأسعار وهوامش الأرباح بشكل يضبط السوق ويعيد حالة التوازن إليها»، بحسب عايش الذي يوضح: «هناك صراع في الفلسفة الاقتصادية حول العالم بين الاستمرار في سياسة السوق المفتوحة وما فيها من تغول على المستهلكين، وبين العودة إلى سيطرة الدولة».

عايش يرى أن «من الحكمة الآن إمساك العصا من المنتصف بترك السوق تتحرك كما تشاء، وتعديل بعض الأنظمة والقوانين بحيث يتم وضع حد للانفتاح». ويضيف: «لا بأس أن تقوم الدولة في هذا الإطار بوضع ضوابط للقطاع الخاص الذي أثبت أنه يبحث عن نفسه»، داعياً إلى سنّ قانون لـ«تخفيض الأسعار» بهدف ضبط السوق.

الحاج توفيق يؤكد في هذا الإطار أن معظم التجار خسروا الكثير في هذه المعادلة. «هناك تجار استفادوا، وهم الذين كانوا يمتلكون إمكانيات تمويلية كبرى وقدرات تخزينية. معظم التجار الباقين خسروا، بخاصة بعد أن طلبت منا الحكومة تزويد السوق بمخزون احتياطي كبير مع تعاظم التخوف من أزمة جوع عالمية».

غير أن «الفاو» تحذر في الوقت نفسه من أنّ الأزمة المالية الراهنة سوف تنعكس سلبياً على القطاعات الزراعية لدى كثير من البلدان، بما في ذلك بلدان العالم النامي.

الخبيرة الاقتصادية في المنظمة، كونثيبثيون كالبيه، تقول إن «الحصاد القياسي من الحبوب هذا العام مضافاً إلى هبوط أسعار المواد الغذائية مؤخراً، عوامل ينبغي ألاّ تقود إلى انتشار شعور زائف بالأمان».

وتضيف أنه «إذا سادت أوضاع ارتفاع الأسعار والسيولة التي تغلُب على الفترة 2008/ 2009، فمن الممكن أن ينعكس ذلك على العمليات الزراعية والإنتاجية إلى حدّ يؤدي إلى تصاعُد جديدٍ في الأسعار خلال الفترة 2009/ 2010، فيما سيُطلق العَنان لأزماتٍ غذائية حادّة على نحو يفوق ما شوهد مؤخراً».

وأوضحت خبيرة المنظمة أن «الأزمة المالية خلال الأشهر القليلة الماضية عزّزت التحركات السعّرية الهبوطية، وشددت الطوق على أسواق الائتمان، مثلما طرحت مزيداً من الشكوك بالنسبة لفرص العام المقبل، لذا فإن كثيراً من المنتجين يتخذون قراراتٍ بالغة التحفُّظ بالنسبة لعمليات الزرع والإنتاج».

تقرير المنظمة يؤكد أنّ تحسُّناً كبيراً في الإنتاج لوحظ لدى البلدان الصناعية، حيث وجَد المزارعون أنفسهم في وضعٍ أفضل يمكِّنهم من الاستجابة للأسعار المتصاعِدة. وعلى النقيض، فإن البلدان النامية واجهت معوّقاتٍ لا يُستهان بها في قدرتها على الاستجابة للأسعار المتصاعِدة تحت وطأة القيود المفروضة على العرض إزاء الطلب في قطاعاتها الزراعية.

إنتاجها يسجل رقماً قياسياً.. الحبوب: أسعارها تستقر محلياً رغم انخفاضها عالمياً
 
13-Nov-2008
 
العدد 51