العدد 51 - كتاب
 

في لقاءات اللجنة المالية والاقتصادية لمجلس النواب مع الحكومة ممثلة بفريقها الاقتصادي، وفي جلسة المناقشة العامة حول الأزمة المالية والاقتصادية المحلية والدولية، وتأثيرات وتداعيات الأخيرة على الاقتصاد الأردني بقطاعاته وفروعه وعلاقاته الاجتماعية كافة، لوحظ تركز الملاحظات والاعتراضات على معظم جوانب السياسة النقدية المصرفية وأدواتها، وفي مقدمتها أسعار الفائدة وتفضيل تخفيضها، والمطالبة بفك ارتباط سعر صرف الدينار بالدولار واستبداله بسلة عملات رئيسة.

في اللقاءات تجددت الدعوة إلى تخفيض نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي، وتخلي البنك المركزي عن الاقتراض من البنوك بفائدة عن طريق إصداره لشهادات الإيداع بالدينار، واعتبار حزمة المقترحات هذه مداخل مطلوبة للاستقرار النقدي والائتماني، وطريقاً لضخ مزيد من السيولة إلى وحدات الجهاز المصرفي ، بما يمكنها من تقديم مزيد من القروض لتوسيع وتنمية نشاط ،الاقتصاد أو على الأقل تلافي وقوعه في التباطؤ أو الركود الاقتصادي في تقديرهم.

من الأهمية بمكان التأكيد على عدم المبالغة في تقدير إمكانيات البنك المركزي وسياساته وأدواته النقدية ،في إدارة وتحريك الأوضاع الاقتصادية الكلية في هذا الاتجاه أو ذاك، كما أن تبنيه لنهج تحرير أدواته النقدية وتقليص مساحات تدخلاته الإلزامية الموجهة لنشاط البنوك، أضعفت إلى درجة كبيرة من دوره القيادي والرقابي، ومن فعالية استخدام أوراقه وأسلحته النقدية.

معظم النواب الذين تكلموا أو قدموا مدخلات تقييمية، شددوا على المطالبة بتخفيض أسعار الفائدة المصرفية، وبالذات على القروض، وباعتبار ذلك وسيلة هامة في الحد من زيادة الأعباء على المقترضين، وتسهيل سداد ما يستحق عليهم في زمن الأزمة، ويساهم في تحريك الاقتصاد من الركود إلى الانتعاش أو على الأقل قريباً منه.

محافظ البنك المركزي، لم يتجاوب مع هذا التوجه تجنباً لاستمرار نسبة التضخم العالية حالياً أو حتى تفاقمها، وربط أي قرار بتخفيض الفائدة مع تحقق اتجاه هبوطي في معدل التضخم.

لا نميل إلى رأي المحافظ، إذ إن أي دراسة موضوعية تحلل أسباب وعوامل التضخم ، تظهر تأثيراً هامشياً لأسعار الفائدة في حدوث الضغوط التضخمية، فيما تتركز الأسباب الرئيسية في طبيعة وجوهر النهج الاقتصادي الساري، وفي تركيبة هيكلية الاقتصاد ومدى قوة وشمولية القطاع الإنتاجي الحقيقي فيه، ومستوى سلامة وكفاءة إدارته وحدود قدراته التنافسية محلياً ودولياً إلى جانب صواب وتوازن السياسة المالية، ووجود دور كبير للقطاع العام في ملكية وإدارة وتوجيه وتخطيط مكونات واتجاهات الاقتصاد وانعكاساته الاجتماعية.

اقتصاديون كثر يحبذون قراراً بتخفيض سعر الفائدة على الإقراض، مع تثبيت سعره على الودائع أو تخفيضه بنسبة أقل، على أن تكون هذه الأسعار ملزمة للبنوك، كما كان الحال عليه قبل تبني نهج «تحرير أسعار الفائدة والعمولات وحرية البنوك في اتخاذ قراراتها الإقراضية (الإئتمانية) في بداية التسعينيات وفقاً للتوجهات والمطالبة المدرجة في البرامج الصندوقية.

أما تخفيض نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي، الذي يدعو اليه بعض المتمولين ومن يمثلهم باعتباره يساعد البنوك على زيادة قدراتها الإقراضية، فيستحق الاعتراض عليه في ضوء ما ظهر في أكثر من تحليل وتقييم بالرقم والنسبة والاتجاه، أن البنوك، وفي معظمها هنا، سبق لها أن أفرطت وبالغت في صرف القروض بالدينار لتصل نسبتها إلى إجمالي ودائعها بالدينار إلى حوالي (95 بالمئة)، وهي نسبة عالية تدعو للتحسب والقلق من تداعياتها، بل بالعكس، فالأفضل رفع تدريجي لنسبة الاحتياطي على الودائع لكون الحصيلة المتزايدة الناجمة عن ذلك تشكل ضماناً إضافياً للمودعين من جهة، ومصدراً رئيساً لموارد البنك المركزي التي يحصل عليها ،دون أي فائدة يدفعها وتمكنه من أداء مهامه ووظائفه الأساسية كبنك للبنوك.

وسواء تم ربط سعر صرف الدينار بالدولار أو بسلة عملات، فإن كليهما لا يزيد في جوهره عن إجراء أو قرار إداري لا يغير جذرياً في أساسيات الوضع الاقتصادي الرئيسة، وإن كان الخيار الثاني أفضل، أي ربط الدينار بسلة عملات في ضوء التقلبات الحادة السائدة في أسعار صرف الدولار والنفط والذهب والسلع الغذائية والتموينية الأساسية، وتأثيرات ذلك على معدلات التضخم وحجم المديونية ومستوى المعيشة.

إن وضع شهادات الإيداع بالدينار التي يقترض البنك المركزي بموجبها من البنوك بالفائدة، هي الخيار الأسوأ بين أدواته النقدية، فقد كلفته عبئاً ثقيلاً في دفع فائدة للبنوك تجاوزت في أكثر من سنة سقف (100) مليون دينار، فيما استفادت البنوك من ترتيب كهذا أتاح لها استثمار المزيد وبعائد عالٍ بعيد عن المخاطرة.

مهما يكن، من المفيد التذكير بمحدودية قدرة السياسات والأدوات النقدية، حتى وإن كانت الأفضل في اختيارها وتبنيها وتطبيقها، على التأثير الفعلي في بناء اقتصاد وطني متوازن، أو في مواجهة ومعالجة مشاكله وأزماته، وكما ظهر ذلكً في الأزمة المالية.

أحمد النمري: الأدوات النقدية في زمن الأزمة
 
13-Nov-2008
 
العدد 51