العدد 50 - ثقافي
 

هيا صالح

بصدور العدد 157، تُنهي مجلة "عمّان" سنتها الرابعة عشرة، دون توقف أو غياب عن المشهد، وهو أمر يُحسَب لها من بين أمور تُحسَب عليها، بحسب مثقفين.

بدأت المجلة مسيرتها في مطلع التسعينيات في سياق نظرة تقدمية تبنتها أمانة عمان الكبرى حينئذ إزاء المشهد الثقافي، متجاوزةً الدور التقليدي للبلديات الذي ينحصر في شؤون خدماتية كتنظيم الأحياء وتعبيد الشوارع، لتلعب دور الراعي للحراك الثقافي والداعم للمشتغلين فيه. وهو ما تمخّض عنه تأسيس دائرة ثقافية في الأمانة، ثم إنشاء مركز الحسين الثقافي بقاعاته وصالاته المهيأة لاحتضان النشاطات النوعية التي تتطلب تجهيزات خاصة، ولاحقاً إصدار مجلة "تايكي" التي تعنى بالإبداع النسوي، ومجلة "براعم عمان" التي تخاطب الطفل.

منذ صدورها، والآمال تنعقد على "عمّان"، التي نُظر إليها على أنها صدرت لتسد نقصاً في مشهد المجلات الثقافية بالأردن، التي كانت خافتة الحضور والتأثير. إذ كانت وزارة الثقافة في ذلك الوقت تجهد لتواصل مجلاتُها ("أفكار"، "صوت الجيل"، "فنون" و"وسام") الصدور، وهو ما كان يحدث بالفعل، لكن بأقل القليل من الانتظام، وبأكثر الكثير من اللامأسسة. ما جعل لفكرة صدور مجلة ثقافية عن أمانة عمّان جاذبية خاصة، فاستُقبلت بترحاب من مثقفين كثر، رأوا في المجلة جواز سفر أردنياً جديداً يجوب أصقاع العالم العربي للتعريف بالكاتب الأردني، وبمنتجه، وينقل أصداء صوت الآخر العربي إلى الأردن، بما يفتح نافذة واسعة للتواصل مع الآخر/العربي والتثاقف معه.

لكن قليلاً من المأمول يبدو أنه تحقق. وظل يُؤخذ على المجلة "فردية" رئاسة التحرير، وإقرارها وحدها ما يُنشر وما لا يُنشر فيها، في غياب أصبح مكشوفاً ويعرفه القاصي والداني لدور هيئة التحرير التي تغيّر اسمها غير مرة، من "هيئة تحرير"، إلى "هيئة تحرير استشارية"، وتبدّل أعضاء الهيئة غير مرة، وبقرارات مفاجئة جاءت كردّ فعل على انتقادات أدلى بها أعضاء الهيئة حول عمل رئاسة التحرير، كما حدث قبل شهور مع الباحث مهند مبيضين.

الكاتب هاشم غرايبة، عضو سابق في هيئة تحرير المجلة، يعترف أن "عمّان" لا تمثل المشهد الثقافي الأردني بنسبة مُرْضية، مضيفاً أن المقالات التي تتوزع هنا وهناك بين جنباتها لا تفي بالغرض الذي أنشئت من أجله: أي تناول الحياة الثقافية الأردنية والتعبير عنها بشكل شمولي وجدّي.

"مجلةٌ لا تعكس الحراك الثقافي في محيطها، ولا تطل على المشهد الثقافي العربي من نافذتها الخاصة، مجلةٌ عرجاء" يقول غرايبة، مضيفاً أن "عمّان" تفتقر إلى متابعة النشاطات الثقافية المحلية، وإلى تقديم صورة مكتملة عن الثقافة العربية، وتكتفي بالتقاط صور مجتزأة من هنا وهناك عن هذا المشهد، بل تفرد صفحاتها لدراسات عن كتّاب غير معروفين حتى في بلدانهم، في الوقت الذي يغيب عنها فيه كتاب محليون يحظون بحضور عربي.

يذهب الناقد حسين جمعة إلى القول إن "عمّان" مجلة تبدو لمتصفحها وكأنما لا تصدر في عمّان، وإنما في منطقة أخرى، ويرى أن المجلة غير معنية بالحراك الثقافي والأدبي الأردني.

"ما يكتب فيها في معظمه قراءات لكتب لا تصل إلى الأردن، ولا يمكن التواصل معها، وكثير منها لا يهم أحداً"، يقول جمعة، داعياً أمانة عمّان إلى تطوير المجلة بحيث تصبح "مجلة أردنية عن حق وحقيق"، وهو ما يستدعي إعادة النظر في استراتيجيتها وفي فلسفتها والغاية من إصدارها.

تصف الكاتبة منال حمدي المجلةَ بـ"القاصرة"، انطلاقاً من أنها تكرّس أقلاماً بعينها مقصيةً المشهد الثقافي بعمومه. وتعتقد حمدي أن "عمّان" ليست مرآة مرجعية للمشهد الثقافي ولا تمثّله.

تعرضت المجلة على مدى سنوات لمقالات ناقدة ومنتقدة، تناولت حيناً لمنهج التحرير فيها، وحيناً آخر لعدم التفاتها لأصوات إبداعية أردنية نالت اعترافاً عربياً دون أن تحظى بصفحة أو صفحتين من المجلة، التي ما زالت تفرد صفحاتها لكتاب عرب بعضهم غير معروف في بلده، أو لا تؤخذ تجربته على محمل الجد.

مما يتسلّح به رئيس تحرير المجلة عبد الله حمدان، في الردّ على المنتقدين، رسائل بخط اليد أبرزُها بقلم الروائي الراحل عبد الرحمن منيف كان أرسلها إلى المجلة، وأشاد فيها بما تشتمل عليه من موضوعات وما تحتضنه من أقلام عربية، علماً أن ذلك لا يحجب الإشكاليات التي تعتور عمل المجلة، والافتقار إلى الرؤية الواضحة في التعاطي مع المشهد الثقافي واحتضانه بكليته دون انحيازات أو مواقف مسبقة.

من جهة أخرى يرى القاص أحمد النعيمي، أحد أعضاء هيئة التحرير الحالية، أن المجلة تعبّر عن المشهد الثقافي الأردني، موضحاً أن هناك دولاً عربية تدفع ملايين الدولارات من أجل استقطاب المثقفين العرب إليها. ويتخذ هذا الإنفاق أشكالاً عدة من بينها الجوائز وإصدار المجلات ونشر الكتب، ضارباً دولة الإمارات مثالاً، إذ رفدت الثقافة العربية والإنسانية بمشاريع تجاوزت كلفتها 10 مليارات دولار.

ويتساءل النعيمي: "لماذا يعتبر بعض المثقفين الأردنيين أنه من الخلل أن تقوم مجلة كـ(عمّان) باستقطاب المثقفين العرب إلى الساحة الأردنية، رغم أن هذه المجلة ذات إمكانيات مادية متواضعة".

وهو يؤكد أن أهمية المجلة تكمن في الجانب الذي يهاجمها منه بعض الكتاب الأردنيين، ذاهباً إلى أن "كتابات هؤلاء المهاجمين ونصوصهم في أغلبها غير صالحة للنشر". رغم ذلك، يقول النعيمي إن هيئة التحرير قامت بعملية إحصائية كشفت أن نسبة الكتاب الأردنيين المنشور لهم في المجلة أكبر من نسبة الكتاب العرب.

يناهز عدد صفحات المجلة مائة صفحة ملونة صقيلة، ما يعني كلفة طباعة عالية. والمجلة لا تُباع، وإنما تُوزَّع بالمجان في الأردن، وتُرسَل بالبريد إلى الدول العربية على عناوين كتّاب أو هيئات ثقافية، ما يرتب كلفةً إضافية لتغطية أجور البريد، وهو ما تتكفل به أمانة عمّان الكبرى التي تتكون موازنتها أساساً من العوائد الضريبية على المواطنين؛ بهذا يسهم الكاتب الأردني من موقعه كمواطن في دفع كلفة إصدار مجلة ترتدي في شكلها حلة أردنية، لكنها تقدم لكثير من غير الأردنيين الشهرة والرعاية وتأخذ بأيديهم، مع حضور محدود للمنتَج المحلي وأصحابه.

مجلة “عمّان”: مسيرة طويلة تتطلب مأسسة
 
06-Nov-2008
 
العدد 50