العدد 50 - حريات
 

السّجل - خاص

ظهرت المثلية الجنسية في مجتمعنا ومجتمعات العربية في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، وأصبح الموضوع محل تداول عدد من المنابر الإعلامية، من تلفزيونات وصحف وإذاعات محلية، وبدأت هذه المنابر باستضافة "أعضاء" من مجتمع المثليين للحديث عن المشكلة، وعن الجانب الطبي والنفسي لهذا الموضوع، وبهذا فإن السرية التي كانت تحيط بهؤلاء بدأت تتفكك.

مؤخراً أطلقت السلطات الأمنية "حملة" ضد المثليين من الرجال، ونفذت أولى الحملات الخميس الماضي 23 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، وأسفرت عن القبض على أربعة يشتبه بهم، وذلك بهدف "مكافحة الرذيلة وتطهير المجتمع". الحملة استهدفت رجالاً يعرضون أنفسهم للبغاء في مكان للتجمع لهم، في إحدى مناطق عمان الغربية.

اختصاصي الطب النفسي محمد الحباشنة قال في تصريحات لـ"ے" «إن الرفض التام، لن يؤدي إلا لنتيجة سلبية، خصوصاً مع ازدياد التصريح حول هذا الموضوع من قبل الكثير من أفراد المجتمع.» أضاف: «هذه الحالة خرجت من قائمة الأمراض الغربية منذ أوائل التسعينيات، لكن النظرة الأخلاقية في مجتمعاتنا ما زالت تعتبر هذا الأمر حالة يجب التعامل معها وعلاجها.» يوضح الحباشنة أن «العلاج يبدأ من المريض نفسه»، ويحتاج للدافعية الشديدة للتغيير من جانبه، وأنه عالج حالات متعددة وقد تعافى أصحابها تماماً.

تجرم الديانات السماوية مثل هذه الممارسات، ففي الإسلام لا توجد عقوبة محددة لهذه الممارسات، إنما يترك تحديدها للحاكم، تحت عقوبة «التعزير»، التي تصل، بحسب رأي بعض العلماء، إلى حد القتل. يورد رجال دين دائماً لدى تناول هذا الموضوع «قوم لوط» الذين سخطهم الله بسبب ممارساتهم هذه. وهناك آراء «معتدلة» كما يقول رجب أبو مليح، أحد علماء الدين، الذي يفرق بين نوعين من مرتكبي هذا الفعل.الأول من "ابتلي" بهذا الأمر فهو يقاوم مرة ويضعف أخرى، فهذا "يجب على المجتمع مساعدته، والأخذ بيده إلى التوبة"، ونوع آخر هو "المجاهر بالفعلة، وهو من تجب عليه العقوبة".

في حين تجمع الكنائس المسيحية على "رفض وإدانة الشذوذ الجنسي وسياساته، استنادا إلى تعاليم السيد المسيح، ونصوص الكتاب المقدس بعهديه: القديم والجديد». على أن بعض الكنائس قامت في السنوات الأخيرة بتحليل زواج المثليين، كما حدث في بعض دول أوروبية: هولندا، فرنسا، بريطانيا، وولابة كاليفورنيا. حتى إن كاهنين مثليي الجنس عقدا قرانهما في أكبر كنائس بريطانيا، في حين عين كاهن ينتمي للفئة نفسها أسقفاً على أبرشية نيوهامبشير في شرق الولايات المتحدة.

لكن مختصين وحقوقيين رفضوا معاملة هؤلاء بالمجرمين، مؤكدين ضرورة السعي نحو توفير سبل علاجهم، بما يضمن لهم العودة والانخراط في المجتمع بشكل طبيعي وصحي.

الناشطة الحقوقية هنزاد التل، تؤكد أن هذه النوعية من الشبان تحتاج إلى توعية، وأن لا يعاملوا على أساس أنهم مجرمون أو مذنبون، فهم، في النهاية، ضحايا لمعاملة خاطئة في صغرهم، أو لاعتداء تعرضوا له في الماضي. وقالت: "من الخطأ وضع هؤلاء في السجون مع باقي المجرمين، بل يجب وضعهم في مراكز إصلاحية خاصة، حتى تتم معالجتهم وانخراطهم في المجتمع. ما يحدث أن هؤلاء يعانون من نقص داخلي، يسعون إلى سده بأي طريقة، فالشاب عندما يقلد الفتاة ويلبس ويتحرك مثلها، إنما لشعوره بأنه يحتاج للرعاية والاهتمام الذي حرم منه في صغره". التل تضيف أن على المجتمع التعامل معهم بواقعية وصراحة، لأنهم "أشخاص غير طبيعيين يحتاجون لمعاملة من نوع آخر، ليتمكنوا من تحسين أوضاعهم والعودة إلى المجتمع بصورة صحيحة".

ناشط حقوقي، فضل عدم ذكر اسمه، رأى أنه إلى جانب الرجال الذين يعرضون نفسهم للبغاء، ويجرم القانون ممارساتهم، فهم سواء في عقابهم مع نساء يمارسن هذه السلوكيات، هناك أنواع من المثليين ممن أصيبوا بالأمراض المنقولة جراء ممارساتهم الجنسية، و«هؤلاء يجب معالجتهم ووضعهم في مراكز إصلاحية، بدلاً من زجهم بالسجون وتركهم للموت». أما من لم يبلغوا السن القانونية التي تسمح بمحاكمتهم، ويقومون ما بينهم بممارسة «طقوسهم» الخاصة، فهذه أمور تحدث وراء «الأبواب المغلقة» ورغم التحفظ عليها، فإنها لا تؤدي بالضرورة إلى «انحلال أخلاقي في المجتمع».

هناك أبحاث لعلماء غربيين، ترجع الظاهرة لأسباب هرمونية ونفسية، كالبحث الذي قام به العالم الأميركي «دين هايمر»، الذي لاحظ وجود علامة جينية مميزة على كروموسوم إكس لـ33 من 40 مثلياً جنسياً قام عليهم البحث، وقال بعدها إنه قد اكتشف الجين الشاذ، و لم يذكر أن أحداً من العلماء غيره استطاع تكرار اكتشافه. وهناك نظريات ترجع سبب هذا السلوك، إلى تعرض الأم إلى ضغوط نفسية شديدة أثناء الحمل، وهو ما يتسبب في حدوث اضطراب هرموني يؤثر في تكوين الجنين. لإثبات تلك «النظرية البيولوجية» سعى بعض العلماء إلى إيجاد علاقات بين درجة تعرض الأجنة لبعض الهرمونات في أرحام أمهاتهم وبين «الشذوذ الجنسي»، عن طريق قياس أطوال أصابع المثليين أو قدرتهم على سماع بعض الموجات الصوتية.

قبل أربع سنوات ظهرت في لبنان جمعية «حلم»، للدفاع عن «حقوق المثليين» من كلا الجنسين، وتعد فرعاً من جمعية أساسية في كندا، ولهم مكاتب في فرنسا واستراليا والولايات المتحدة. تسعى الجمعية لأن يتقبل المجتمع اللبناني - ومن ثم المجتمعات العربية – هؤلاء الشواذ ليكونوا أفراداً طبيعيين في المجتمع، وهدفها الأساسي إلغاء المادة 534 من الدستور اللبناني التي تجرم «النشاط الجنسي المنحرف». في المغرب أطلق مثليون جمعية باسم «كيف كيف»، توفر مكاناً للقاء والتوجيه و مركز معلومات للتوثيق، وإعداد منشورات ووريقات عن المثليين في المغرب والعالم العربي. في مصر ثارت القضية الشهيرة قبل خمس سنوات، عندما تم القبض على أكثر من خمسين من هؤلاء وتمت محاكمتهم، وتعرضت مصر وقتها لضغوطات من منظمات غربية لإطلاقهم، وإطلاق حرية المثليين. أما في دول خليجية، فتنتشر هذه الفئة، بشكل كبير، ويجري التحفظ والتستر عليها، في حين تلجأ دولة الإمارات لإخضاع من يقبض عليهم بهذه التهمة لعلاج نفسي وطبي واجتماعي، يعمد من خلالها إلى زيادة نسبة الهرمونات الذكرية عند هؤلاء الأشخاص.

بدأت الظاهرة بالانتشار في مجتمعنا، وبدلاً من السكوت عنها أو محاربتها بالملاحقات والاحتجاز، لا بد من إخضاع الظاهرة للدراسة العلمية العميقة، والأخذ بعين الاعتبار ما فعلته الدول الأخرى، من خلال معرفة الأسباب المختلفة التي أدت إلى تنامي وجود هؤلاء.

حملة ملاحقة المثليين: دعوات لتفحص الظاهرة
 
06-Nov-2008
 
العدد 50