العدد 49 - دولي
 

صلاح حزبن

منذ بدأ نجم مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة الأميركية، باراك أوباما، يلمع بوصفه سياسيا بارعا وخطيبا مفوها، لم يكن غريبا أن يتوقع المسؤولون عن الأمن في الولايات المتحدة أن تكون هناك خطط لاغتياله، فهو في النهاية أميركي من أصول إفريقية. وهذا ما جعل الجهات الأمنية تتشدد في حماية أوباما منذ أن اختير، ضمن من اختارهم الحزب الديمقراطي الأميركي، لخوض السباق نحو الترشح للرئاسة قبل نحو عامين.

لكن كل ذلك، لم يكن أكثر من احترازات أمنية، شملت مراقبة أي عملية اغتيال محتملة للمرشح المولود لأب مسلم من القارة السمراء، وهذه "مؤهلات" تجعل من أوباما هدفا نموذجيا للاغتيال من جانب العديد من الجهات المتطرفة التي ما زالت غير قادرة على استيعاب حقيقة أن مرشحا أسود البشرة يمكن أن يكون رئيسا محتملا للولايات المتحدة الأميركية.

لكن ما كانت الجهات الأمنية تتخوف منه منذ عامين، كاد أن يتحول إلى حقيقة قبل أيام؛ فقد أعلن جيم كافانوه، رئيس مكتب ناشفيل لمجلس الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات، عن اكتشاف مؤامرة لاغتيال باراك أوباما. وأوضح أن المتهمين اللذين قبض عليهما وهما يخططان للقيام بالعملية، وهما: دانيال كوارت، 20 عاما، وبول شلسلمان، 18 عاما، يعتنقان أفكار النازيين الجدد، وأن هذا تحديدا ما جعل خطتهما، التي لم تكن احترافية على أي حال، تتضمن قتل 88 شخصا من ذوي الأصول الإفريقية وقطع رؤوس 14 منهم. أما لماذا هذان العددان تحديدا، فيشرح المختصون بالحركات النازية الجديدة، أن الرقم 14، بالنسبة لهؤلاء، يشير إلى عبارة تتكون من 14 كلمة تنسب إلى أحد قادة النازية الجديدة الأميركيين، يقول فيها: "علينا أن نضمن وجود شعبنا ومستقبل أطفالنا." أما الرقم 88، فهو يشير رمزيا إلى حرف "الهاء"، الذي يحتل الترتيب الثامن في الأبجدية الإنجليزية، ويعود تكراره إلى أنه هو الحرف المستخدم في كلمتي "هاي هتلر" اللتين كان نازيو ألمانيا القدماء يحيون بهما الزعيم النازي الألماني.

في صورة ما تبدو الخطة، التي تشير تفاصيلها إلى أن الأمر الوحيد المؤكد فيها هو مقتل منفذيها، نظرا لسذاجتها، وكأنها السهم الأخير الذي يطلقه النازيون الجدد، وهم من أكثر الفئات الأميركية تطرفا، تجاه حقائق هم في الأصل غير قادرين على استيعابها؛ المقصود هنا بالطبع التطورات التي طرأت على الفكر الديمقراطي في أميركا بحيث أصبحت قادرة على قبول ترشيح سيناتور من أصول إفريقية لأعلى منصب في الولايات المتحدة، مع الأخذ في الاعتبار أي تحفظات أو تفسيرات يمكن أن تقدم لهذا القبول. كما يشير إلى العزلة التي بات يعيشها الفكر المتطرف في أميركا، والذي بات في صورة أو أخرى معزولا تماما عن التيار الرئيسي لليمين الأميركي ممثلا في الحزب الجمهوري الذي لم يكن له إلا أن يعترف بالحقائق الجديدة التي فرضتها الحياة في المجتمع الأميركي بما يتعلق بالحقوق المدنية للأميركيين الأفارقة والملونين. ويمكننا أن نرى ذلك جليا باستذكار أنه في عهد جورج بوش الأب، عين كولين باول رئيسا لأركان القوات الأميركية المشتركة (1989-93)، ليكون بذلك أول عسكري من أصول إفريقية يشغل المنصب العسكري الأعلى في الولايات المتحدة، وأنه كان قبل ذلك أول من شغل منصب مستشار الأمن القومي (1987-89)، أعلى منصب في مجال الأمن القومي، وهو ما جعله ينشق أخيرا عن رفيقه في السلاح في حرب فييتنام، المرشح الجمهوري جون ماكين، وإعلان تأييده لمنافسه الديمقراطي باراك أوباما، كل هذا التأثير. وفي هذا الإطار يمكن الاشارة إلى وجود كوندليزا رايس على رأس الديبلوماسية الأميركية، وهو منصب كان أول من شغله من ذوي الأصول الإفريقية هو كولين باول. ولا يقلل من أهمية كون رايس وزيرة للخارجية الأميركية، أنها كانت، وما زالت، محسوبة على التيار المحافظ في الإدارة الأميركية.

لكن الاعتراف بهذه الحقائق من جانب الحزب الديمقراطي الأميركي كان قد بدأ في وقت مبكر يعود إلى الستينيات التي بدأت حركات الحقوق المدنية الأميركية تحقق في مطالعها إنجازات وضعتها على طريق القبول فالاندماج، وشهدت في نهايتها حدثا ذا دلالة مهمة، هي مقتل زعيم حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كنغ في شباط/فبراير 1968، وفي العام 1977، ولم يكن قد مضى عقد على مصرع كنغ حتى كان الرئيس الأميركي الديمقراطي جيمي كارتر يعين أندرو يونغ، رفيق كنغ في حركة الحقوق المدنية الأميركية، سفيرا للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ليكون بذلك أول سياسي من أصول إفريقية يتسلم هذا المنصب.

ولعله من المفارق أن روبرت كينيدي، المرشح للتنافس على رئاسة الولايات المتحدة عن الحزب الجمهوري الأميركي في انتخابات العام 1968، والذي قتل في أثناء إحدى جولاته الانتخابية على يدي الفلسطيني سرحان بشارة سرحان، كان أول من تنبأ بأن يوما سوف يأتي ويرشح أميركي من أصول إفريقية نفسه لمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة، ولكنه ربما لم يكن يتوقع أن يكون الزمن الذي يحدث فيه ذلك كان قريبا إلى هذا الحد.

مرشح رئاسي قضى اغتيالا أثناء حملته، يتنبأ بأن يوما سيأتي على الولايات المتحدة ويقبل فيه شعبها فكرة وجود رئيس لهم من أصول إفريقية، ولكن أحدا لا يدري إن كان قد توقع أن المرشح ذا الأصول الإفريقية سوف يتعرض لمحاولة اغتيال قبل أيام من موعد الانتخابات، وأن هذه الخطة ربما تكون العامل الحاسم في انتخابه.

محاولة اغتيال أوباما: اليمين المتطرف يطلق سهمه الأخير لإحباط انتخابه
 
30-Oct-2008
 
العدد 49