العدد 49 - اقتصادي
 

جمانة غنيمات

تظهر قراءة تحليلية لموازنة العام المقبل أنها موازنة توسعية، إذ نمت قيمتها بما يعادل قيمة موازنة العام 2009 لتبلغ 6.1 بليون دينار مقارنة بالعام الماضي حينما بلغت 5.8 بليون دينار، أي بزيادة نسبتها 5.1 بالمئة.

تراجع قيمة بعض البنود في موازنة العام المقبل، حسبما ورد في مشروع قانون الموازنة العام للسنة المالية 2009، يدعو إلى التوقف عندها لا سيما ما يتعلق بانخفاض مخصصات شبكة الأمان الاجتماعي، والتي أنفق عليها العام الحالي حوالي 466 مليون دينار، فيما تراجعت مخصصاتها بحيث لا تتجاوز 167 مليون دينار.

المشكلة في هذا التخفيض تكمن في الهدف من الشبكة، والذي يركز على تعويض المواطنين عن ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة تساوت مع تلك التي تحققت العام 1991.

ومن المؤكد أن تخفيض مخصصات هذا البند العام المقبل كان مبكرا، كون مداخيل الأردنيين المحدودة لم تتعاف بعد من ارتفاعات الأسعار، ما كان يستدعي الإبقاء على هذا البند.

بحسب ما يظهر مشروع القانون سعت وزارة المالية إلى تخفيض عجز الموازنة للعام المقبل ليبلغ 688 مليون دينار، بنسبة 4.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يتوقع أن يبلغ العام الحالي بحسب قانون الموازنة، 724 مليون دينار، في الوقت الذي تخطط فيه الحكومة، بحسب تصريحات وزير المالية الدكتور حمد الكساسبة، لتخفيضه إلى 700 مليون دينار يشمل عجز الموازنة وملحقيها الأول والثاني بنسبة لا تتجاوز 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحسب الوزير.

بمعنى أن الحكومة شددت مرة أخرى على تخفيض عجز الموازنة، وهو مؤشر إيجابي بشكل عام؛ لكن السؤال الأهم محلياً: هل اعتمد التخفيض على تراجع النفقات الرأسمالية ام الجارية؟

ويظهر في مشروع القانون أن الحكومة تمكنت من تخفيض العجز نتيجة الزيادة في المنح الخارجية وارتفاع قيمة الإيرادات المحلية التي قدرها المشروع بحوالي 4.7 بليون دينار.

وتزايدت قيمة النفقات الرأسمالية حوالي 200 مليون دينار، وهو أمر ايجابي، لأن هذا النوع من الإنفاق هو الأساس لتحقيق التنمية المنشودة، إذ بلغ حجم هذا الإنفاق العام الماضي حوالي 1.05 بليون دينار وزاد ليبلغ العام المقبل 1.3 بليون دينار.

ويتضح في هذا البند أن هناك بطئاً في إنجاز هذا النوع من المشاريع، إذ توزعت هذه النفقات على 480 مليون دينار، للمشاريع المستمرة و 646 مليون دينار على مشاريع قيد التنفيذ فيما حافظت حصة المشاريع الجديدة على قيمتها كما هي في موازنة 2008 لتبقى 241 مليون دينار.

وفي هذا المحور وعند التدقيق في طبيعة النفقات الرأسمالية يتضح أن كثيراً منها بالحقيقة هي أيضا نفقات جارية مثل الأجور ، تجهيز أثاث، مركبات وآليات، مساهمة وضمان.

لكن لا يمكن إنكار أن الحكومة فعلت خيرا حينما زادت قيمة هذا النوع من المخصصات فهي ما يحتاجه الاقتصاد في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها العالم والظرف الصعب الذي ينبئ بدخول الاقتصاد العالمي في حالة كساد اقتصادي، ما يتطلب ضخ المزيد من الأموال في المشاريع الرأسمالية التي تسهم في تنشيط الاقتصاد وتحسين الخدمات الأساسية ليصب في نهاية الأمر في تحقيق نتائج اقتصادية ايجابية.

قد يساهم سعي الحكومة إلى إقرار الموازنة في وقت مبكر من استغلال هذه المبالغ على أفضل وجه لا سيما أن إنفاق السنوات الماضية كان يعاني تقصيرا كبيرا في إنفاق هذا النوع من المخصصات.

من ناحية أخرى، يظهر أن موازنة العام المقبل تضخمت، بشكل كبير، نتيجة زيادة النفقات الجارية التي لا يفضلها الكثيرون لضعف دورها في دعم عجلة الاقتصاد.

وارتفع حجم هذا النوع من الإنفاق إلى 600 مليون دينار ليصل إلى 4.7 بليون دينار مقارنة بمبلغ 4.1 بليون دينار العام 2008.

أبرز البنود التي قادت إلى هذا الانتفاخ في الموازنة الجارية هو ارتفاع نفقات الجهاز المدني، التقاعد والتعويضات، إذ ازداد هذان البندان على التوالي بحوالي 100، 143 مليون دينار.

وزيادة البندين السابقين هو أمر طبيعي ومتوقع، لاسيما أن زيادة الأول جاءت نتيجة زيادات الرواتب والأجور التي ترتفع سنويا، فيما ارتفع الثاني بسبب النمو الطبيعي لفاتورة التقاعد التي يتوقع أن تصل العام 2010 بليون دينار.

ويبدو أن التحكم في الأجور والرواتب أمر خارج عن يد الحكومة، ولكن المجال ما يزال مفتوحا للتخلص من عبء التقاعد أو تخفيضه أو حتى التجهيز لمواجهته، بحيث لا يكون "القنبلة الموقوتة" يوما ما، كما وصفها وزير المالية الكساسبة في احد التصريحات الصحفية.

وتجاوز هذه المسألة الخطيرة يحتم على الحكومة تحديد مخصصات سنوية لهذه الغاية ورصد مبالغ سنوية لصندوق التقاعد الذي تأسس قبل سنوات ولم يخصص له فلس واحد لغاية الآن، وهو ما لم يظهر في موازنة العام المقبل.

ومن البنود التي ارتفعت نفقاتها الجارية أيضا، الجهاز العسكري، فوائد الدين، دعم المواد التموينية لتصل 1.6 ، 4. ، 2. بليون دينار.

بالمقابل تراجع الإنفاق الجاري على بندي شبكة الأمان الاجتماعي ودعم المؤسسات الحكومية، وأيضا تراجع الإنفاق على دعم المواد التموينية، والتي تتمثل بدعم القمح والأعلاف، إذ تراجع ليبلغ 215 مليون دينار، فيما بلغ للعام الحالي 375 مليون دينار، ما يعكس تراجع أسعار القمح عالميا.

الحكم على التخفيضات السابقة متفاوت، فمن ناحية، يبدو تخفيض مخصصات شبكة الأمان الاجتماعي سلبيا، كونه المعني بتعويض الأردنيين عن ارتفاعات الأسعار والتضخم التي لم يتعاف منها الاقتصاد لغاية الآن.

وبلغ معدل التضخم حتى الربع الثالث من العام الحالي 15.3 بالمئة، ويتوقع أن يصل نهاية العام إلى 13.1 بالمئة، وهي نسب مرتفعة جدا، لم تتمكن مداخيل المواطنين المتواضعة التي يقل 70 بالمئة منها عن 300 دينار، عن استيعابها والتعايش معها، لاسيما أن الزيادات التي طرأت على الرواتب والمداخيل خلال العام لم تكن عادلة، ولم تغط نسب الزيادة في الإنفاق التي ارتفعت بشكل كبير.

بند دعم المؤسسات الحكومية الذي يخصص لدعم المؤسسات المستقلة والذي طالما جرى الحديث عنها كعبء غير مبرر على الموازنة، بخاصة أن دراسة حكومية طالبت بإلغاء العديد منها؛ لتواضع دورها، وعدم تقديمها الكثير للاقتصاد بل انحصر دورها لمستوى لا يتجاوز كونها مواقع نفوذ للبعض ليس مقبولا التعدي عليها رغم ضعف نتائجها وإنجازاتها.

أما الإيرادات، وهي الجزء الآخر من الموازنة، فيتضح أن الإيرادات الضريبية زادت بمقدار 40 مليون دينار، وهي نسبة زيادة ليست بقليلة في ظل مطالبات متكررة بتخفيض العبء الضريبي عن المواطن الذي تقدر دراسات مستقلة أن معدله يصل إلى 35 بالمئة من إجمالي دخل الفرد.

ويبدو أن تركيز الحكومة والنظام الضريبي على زيادة تحصيل ضريبة الدخل كان محدودا، إذ إن هذا البند لم يزد سوى 113 مليون دينار خلال العام المقبل، ليصل 664 مليون دينار.

يعكس تواضع الزيادة في بند ضريبة الدخل ضعف نتائج النظام الضريبي الذي سعت الحكومة لوضعه هذا العام بهدف تحقيق العدالة الضريبية بين المواطنين، والتي لا تتحقق إلا من خلال هذا النوع من الضرائب الذي يقدر قيمة الضريبة بحسب قيمة دخل الفرد.

بالمقابل ستزيد قيمة الضريبة على السلع والخدمات (ضريبة المبيعات)، بمقدار 300 مليون دينار خلال العام 2009، لتصل قيمتها 2.1 بليون دينار فيما قدرت للعام الحالي بنحو 1.9 بليون دينار.

الزيادة التي طرأت على بند ضريبة المبيعات من وجهة نظر العديد من المحللين الاقتصاديين تبدو سلبية، فهذا النوع من الضريبة لا يحقق العدالة المنشودة، فهي مفروضة على الفقير ومتوسط الدخل، تماما كما هي على الأغنياء والأثرياء.

أما ما يسمى بالإيرادات غير الضريبية والبالغة 1.5 بليون دينار، فيظهر من تفاصيلها أن معظمها كان ضرائب ورسوما لكن بشكل غير مباشر، ومنها إيرادات دخل الملكية، إيرادات بيع السلع والخدمات، الغرامات والجزاءات المصادر، وبلغت قيمتها على التوالي 387،759، 62 مليون دينار.

أما الإيرادات الأخرى التي يمكن القول إنها إيرادات رأسمالية إن صح التعبير، وتعتمد على العملية الإنتاجية وأداء مؤسسات الدولة فتبدو متواضعة ولا تتجاوز 295 مليون.

وفي بند المنح، زادت المنح الخارجية بمقدار 244 مليون دينار، لتصل قيمتها 684 مليون دينار، وهو أمر ايجابي جاء نتيجة جهود جلالة الملك عبد الله الثاني وعلاقاته المتميزة مع الدول العربية والأجنبية، إذ ارتفعت قيمتها للعام المقبل لتصل إلى 684 مليون دينار مقارنة بـ 440 مليون دينار للسنة الحالية حسبما كان مدرجاً في قانون موازنة 2008.

ورغم إيجابية هذه المسألة من ناحية دورها في تقليص العجز، إلا أنها تعكس ضعفا محليا في تنفيذ رؤيا جرى الحديث عنها بشكل متكرر، بهدف تقليص الاعتماد على هذا البند والسعي للاتكال على الذات وعلى الموارد المحلية، حتى لا يبقى الاقتصاد الأردني عرضة للتأثر السريع بالخارج، واستلام هذه المساعدات من عدمه، ما يبقي عجز الموازنة في تهديد دائم في حال لم تصل هذه المساعدات.

وجاء في تفاصيل الإيرادات العامة، أن المملكة ستتلقى مساعدات خارجية أوروبية، أميركية، سعودية ومنح أخرى بلغت قيمتها على التوالي66، 145 ، 249 ، 224 ، مليون دينار لعام 2009، فيما تراجعت تقديرات المساعدات للأعوام 2010، 2011، وبلغت بالترتيب 430 ، 42 ، مليون دينار.

تضخمت نتيجة زيادة النفقات الجارية.. موازنة 2009: توسعية في ظل حالة كساد عالمية متوقعة
 
30-Oct-2008
 
العدد 49