العدد 49 - استهلاكي
 

لا يخفي سائق التكسي أبو نبيل سعادته جرّاء الانخفاض التدريجي على أسعار البنزين. "لقد رأينا الأهوال في العامين الأخيرين"، يقول السائق الأربعيني، ويضيف: "أنا متفائل أن ينخفض سعر البترول أكثر حتى يصل إلى 25 دولاراً للبرميل، لأن الشتاء سيكون قاسيا جداً إذا بقيت الأسعار على حالها".

الأزمة العالمية بدأت تلقي ظلالها بقوة على أسواق المنطقة، وساهمت بشكل سريع في انخفاض أسعار البترول وأسعار المواد الغذائية، التي قلّ الطلب عليها فنزل سعرها.

الخبير الاقتصادي ماريوس مارثيفتيس يؤكد أن الأزمة العالمية ستكون ذات أثر إيجابي على المستهلكين حول العالم، وبخاصة في الأسواق التي لا تتمتع بلدانها بإنتاج النفط.

مارثيفتيس الذي يرأس وحدة الأبحاث في بنك "ستاندرد تشارترد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" قال في تصريح لـ"ے" إن الآثار المباشرة على المستهلكين ستتمثل في انخفاض معدل التضخم، انخفاض أسعار البترول والمواد الغذائية، فضلا عن تصحيح واضح في سوق العقارات سيؤدي إلى توقف الطفرة العقارية التي شهدتها المملكة أخيراً.

لكنه يؤكد أن هذه التغييرات في الاقتصادات العالمية تغييرات دورية (cyclical)، وأن الأسعار ستعود إلى سابق عهدها بعد تصحيح قد يستمر لسنوات قليلة.

أسعار العقارات، بحسب الخبير، قد لا تشهد انخفاضا، لكن كلف البناء للعقارات الجديدة قد تكون أقل، بخاصة مع انخفاض أسعار المواد الأساسية مثل الحديد الذي سجلت أسعاره ارتفاعا صاروخيا وصل معه الطن إلى أكثر من 1000 دينار، فيما يراوح سعر الطن منه 600 دينار حاليا.

ويعاني الأردنيون من تضخم واضح في العامين الأخيرين، حيث وصل معدل التضخم لأسعار المستهلك إلى منزلتين عشريتين أخيرا. وبحسب دائرة الإحصاءات العامة ارتفع معدل التضخم لأسعار المستهلك للأشهر الثمانية الأولى من العام 2008 بما نسبته 14.9 بالمئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.

المجموعات التي ساهمت في هذا الارتفاع هي: "الوقود والإنارة" (55.5 بالمئة)، "النقل" (24.5 بالمئة)، "الألبان ومنتجاتها والبيض" (34.6 بالمئة)، "الحبوب ومنتجاتها" (31.1 بالمئة)، "اللحوم والدواجن" ( 9.8 بالمئة)، في حين شهدت أسعار مجموعة "الاتصالات" انخفاضاً في أسعارها بنسبة 0.9 بالمئة.

الخبير الاقتصادي المستشار لبنك "أبو ظبي" زياد الدباس، قال في تصريحات صحفية إن الأزمة المالية ستتسبب في خفض أسعار مواد البناء، ما يؤدي في النهاية لانخفاض أسعار العقارات التي تشهد تزايدا جنونيا.

وأضاف أن السوق الأميركية تستهلك تقريبا 30 بالمئة من الإنتاج العالمي. ومع الأزمة الحالية تتوقع أوساط اقتصادية أن يتراجع هذا الاستهلاك، ما يؤثر على إنتاج معظم الدول وصادراتها، ومن ثم سيقل الطلب على السلع فينخفض سعرها.

يرى الدباس أن التخوف من الكساد يجعل المضاربة على النفط عكسية، وبالتالي تنخفض أسعاره، فتنخفض تكاليف النقل، والبناء، وأسعار السلع الاستهلاكية، وهو ما يصب في مصلحة المستهلك.

لكن منظمة الأمم المتحدة للزراعة والأغذية حذرت من انخفاض أسعار المواد الغذائية والتأثير المحتمل لذلك على خفض مبالغ الدعم المقدمة للقطاع الزراعي حول العالم، مما سيزيد الأسعار في المستقبل.

المدير العام للمنظمة جاك ضيوف قال إن عدم اليقين الذي يكتنف أسواق المال الدولية في الوقت الحاضر، وتهديد الركود الاقتصادي العالمي الماثل ربما يحدو بالبلدان إلى اتخاذ إجراءاتٍ الحماية التجارية وإعادة تقييم التزاماتها بصدد المعونة الإنمائية الدولية".

وتابع ضيوف: "سيكون من المؤسف لو آلت الأمور إلى ذلك. بخاصة إن قُدِّر للإرادة السياسية التي حُشدت مؤخراً باتجاه تعزيز الدعم الدولي لقطاع الزراعة لدى البلدان النامية أن تتلاشى".

ووسط الدعوات المتزايدة للاكتفاء الذاتي من الزراعة، حثّ الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون المجتمع الدولي على الاكتفاء الذاتي الزراعي بوصفه وحده قادرا في الأمد الطويل على امتصاص جزءٍ لا يُستهان به من الجوع على الصعيد الدولي.

إلى ذلك، تشير الأرقام الواردة من دائرة الإحصاءات العامة إلى أن العالم العربي يعاني من مشكلة الفجوة الغذائية التي نشأت نتيجة نمو الإنتاج الغذائي في العالم العربي إلى ما بين 1.5 بالمئة و2.5 بالمئة سنوياً، في حين ينمو الاستهلاك الغذائي بمعدل يتراوح بين 4 بالمئة و5 بالمئة سنوياً. وحيث أن الطلب على المواد الغذائية في ارتفاع مستمر، فقد انعكس ذلك على قيمة الواردات الغذائية والزراعية التي وصلت في العام 2004 إلى 21.7 مليار دولار للسلع الزراعية، ونحو 18.3 مليار دولار للسلع الغذائية. وتتصدر الحبوب والألبان والسكر والزيت قائمة الواردات الزراعية العربية بقيمة 4 مليارات، و2.1 مليار، و1.38 مليار، و1.33 مليار دولار، على التوالي، في حين تصدر الخضار والفاكهة والأسماك التي يتمتع الوطن العربي في إنتاجها بميزة نسبية.

وقالت الإحصاءات العامة إن قصور الإنتاج عن مواكبة الاستهلاك في مجال الغذاء في العالم العربي يعد السبب الرئيس للفجوة التي نشأت نتيجة للطلب المتزايد الناتج عن الزيادة السكانية التي يشهدها العالم العربي في ضوء تناقص الموارد، الأمر الذي يؤدي إلى استيراد الدول العربية بما قيمته 20 مليار دولار سنوياً سلعاً غذائية من الدول الأجنبية، حيث تشكل 16 بالمئة من قيمة الواردات العربية بشكل عام. وهذا يعكس سوء الوضع الأمن الغذائي العربي في الوقت الحالي، حيث يتراوح حجم الفجوة الغذائية بين 50 بالمئة في الحبوب، و30 بالمئة في اللحوم والألبان، ما يعني تحول الدول العربية إلى قوى شرائية هائلة، ويمثل استنزافاً لمواردها المالية يظهر كعجز في موازينها التجارية.

الأثر الإيجابي على الأسعار “دوري ومؤقت”: الأزمة العالمية: مستهلكون فَرحون واقتصاديون قلقون
 
30-Oct-2008
 
العدد 49