العدد 48 - كتاب
 

تهب رياح التغيير على الولايات المتحدة، مع زيادة حظوظ المرشح الديمقراطي أوباما للوصول الى البيت الأبيض.

التغيير في أول الأمر سيكولوجي. ثمة شاب يتقدم في العقد الرابع من العمر ينتمي لبيئة لا صلة لها بالمطامع الإمبراطورية بل إنها لصيقة بمطامح تحررية. الشاب إفريقي المنبت والسحنة، ينحدر من سلالة مسلمة. وهي خصائص مستجدة على بيئة أهل النفوذ السياسي والصناعي والمالي في واشنطن.

صحف كبرى تعلن على الملأ تأييدها له. كولن باول الجمهوري ورئيس الأركان السابق ووزير الخارجية السابق يعلن انحيازه له. فنانون كبار من ملهمي الأجيال الشابة وقفوا في صفه. المرشح الجمهوري ماكين صاحب الأفكار التقليدية الشائخة يلمح الى خسارته قبل خمسة عشر يوماً من بدء "المباراة الانتخابية".

"أميركا لا تتغير"، يقول كثرة منا وفي قولهم جانب كبير من الصحة نظراً لثبات المؤسسات ولعمق التحالف القائم بين أصحاب النفوذ والمصالح. لكن الصحيح أننا نحن العرب والمسلمين نقيم على الجمود ولا تتغير أنماط تفكيرنا وسلوكنا. فكيف تكون أميركا عصيّة على التغيير، فيما الرأي العام هناك يستعد لمنح ثقته، لشاب إفريقي لم يتورط من قبل في اعتناق أية أفكار عنصرية وتوسعية أو محاباة رأس المال والاحتكارات؟. في مقابل "أميركا التي لا تتغير" هناك العرب الذين لا يتغيرون،ويقيمون على نسقهم الذهني التقليدي. فكيف يمكن تسويغ استقالة العرب عن التأثير في مجتمع دينامي مفتوح مثل المجتمع الأميركي، فيما تعداد الأميركيين من أصول عربية بالملايين تسندهم مبدئياً ملايين أخرى من مسلمين من ذوي الأصول غير العربية. وكيف يمكن فهم استنكاف العرب، عن إدامة حوارات استراتيجية مع الولايات المتحدة، بعد أن تم البدء بهذه الخطوة من قبل. وهي حوارات يفترض أن تتسع وتشمل الفاعلين والناشطين في دوائر صنع القرار وخارجها، وأن تحتفظ بعنصر الديمومة على مستويات مختلفة.

حقاً إن النفوذ الصهيوني متجذر في تلك القارة، لدرجة يناصر فيها غالبية الأميركيين إسرائيل عاطفياً وروحياً ونفسياً، كما يناصر العرب القضية الفلسطينية، وهو ما يتعذر على أي رئيس أو مسؤول الفكاك عن تداعياته.. على أن ما زاد من استفحال الأمر، غياب عربي عن الوجود في مفاصل المجتمع وثنايا الحياة الأميركية، ومن موقع داخلي ومحلي كما هو الحال مع اللوبي الصهيوني الذي يتمدد بصفته الأميركية.

من مصلحة العرب أن يكون هناك رئيس منفتح ومتحرر العقل والوجدان، حتى لو كان منحازاً لتل أبيب. إذ تقع على عاتقهم محاورة إدارته بهدف الحد من المفاعيل السلبية الهائلة لذلك الانحياز، وبحيث يتم اقتراب واشنطن والبيت الأبيض على الخصوص، من أحكام القانون الدولي وموجبات الشرعية الدولية، ومن مزايا المصالح الأميركية الكبرى في العالم العربي. وهو ما استحال تحقيق أي قدر منه مع إدارة متحجرة ومهووسة، كتلك التي كان على رأسها جمهوري محافظ ضيق الأفق.

أوباما يشكل فرصة أمام صانعي القرارات والنخب العرب، بدل الاكتفاء بالقول: "إن اميركا لا تتغير" وهي عبارة صحيحة تاريخياً وقابلة للتعديل مستقبلاً، وتطمس في الوقت ذاته الوجه الآخر للصورة، وهي أن العرب من جانبهم لا يتغيرون.

محمود الريماوي: أميركا لا تتغير والعرب كذلك..
 
23-Oct-2008
 
العدد 48