العدد 48 - أردني
 

منصور المعلا

في مسجد صغير في إحدى قرى المفرق المتاخمة لمحافظة الزرقاء، وقف محمد مسلم، 30 عاما، يخطب في المصلين بلغة عربية فصيحة، مبديا استغرابه من الجيل الجديد الذي تخلى عن القيم الإسلامية الصحيحة.

مسلم، الذي يقدم نفسه على أنه أحد رجال الدعوة، يرفض الحديث بغير اللغة العربية الفصحى حتى خارج دروسه الدينية التي يلقيها على المصلين، وبها يفتي بتحريم التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، والتي هي في رأيه «من صنع الغرب الكافر». ولكي يضرب المثل بأن أقواله متطابقة مع أفعاله، فإنه يعتمد في تنقله على حصان، ولا يستخدم المصابيح لإنارة منزله، بل يستخدم الشموع، كما أنه لا يستخدم الهاتف الخلوي.

اقتداء مسلم بالسيرة النبوية وبالصحابة، كما يرى، يصل حدا ينقله من الطرافة والغرابة إلى الشذوذ، فهو يرفض نقل زوجته إلى المستشفى من أجل الولادة، وحين جاء المخاض زوجته في مولودها الأخير قبل نحو عام، طلب من سيدات الحي أن يقمن بمساعدتها على إنجاب الطفل. وكان تبرير الشيخ لذلك التصرف أنه يتخذ من سيرة صحابة رسول الله قدوة، وأن نساء المسلمين أنجبن أبناءهن من دون الاعتماد على تلك "التكنولوجيا المصنعة في بلاد الكفر".

محمد مسلم، الآتي من خارج القرية، ليس الوحيد الذي يأتي لإلقاء الخطب والمواعظ والدروس الدينية لأهل القرية، فهنالك آخرون "يخرجون" إلى القرية وإلى قرى ومناطق أخرى لحث الناس على الالتزام بما يعتقدون أنه أوامر الدين والانتهاء عن نواهيه، وتذكيرهم بعواقب تركهم أمور دينهم والانشغال بأمور دنياهم، وذلك في إطار ما يعرف بظاهرة "الخروج". والخروج كما يشرحه مسلم، هو "قيام مجموعة من الرجال بالتطوع للإقامة في أحد مساجد القرية التي يذهبون إليها لمدة أربعة أيام، يقومون فيها بلقاء المواطنين وإلقاء المواعظ وتلقينهم ببعض الدروس الدينية". وهو ما يعتبره هؤلاء الرجال القرويون "خروجا في سبيل الله".

محمد الخوالدة (45 عاما)، تقاعد في سن مبكرة من مؤسسة رسمية كان يعمل فيها"مراقب دوام"، وهو يعتاش اليوم، ومعه أبناؤه التسعة، على راتبه التقاعدي، وعلى قطيع من الماشية لا يتعدى 20 رأساً من الماعز، يؤمن للعائلة قوت يومها في أثناء غيابه الطويل، من كميات اللبن والجبن، فقد اعتاد الخوالدة على أن يمضي ثلاثة أشهر "خارجا" في سبيل الله، بين حين وآخر. وقد أوضح الخوالدة لـ«ے» أنه اختار "الخروج في سبيل الله مع مجموعة من رجال الله، بهدف التذكير والنصح".

ويقر الخوالدة بأنه لم يتلق أي تعليم أكاديمي، حيث إنه لم يحصل حتى على الثانوية العامة، إلا أنه يجادل بأن ثقافته الدينية، التي اكتسبها من مطالعته لبطون الكتب، والدروس التي تلقاها على يد رجال دعوى آخرين، تؤهله لبيان رأيه في القضايا التي تطرح عليه.

وعن نوعية الفتاوى التي يتصدى لها، يقول الخوالدة إنها، في الغالب، تدور حول ما يعتبره قضايا أساسية في حياة الناس؛ تعليم البنات وحجم الزكاة الواجب إخراجها عن المحاصيل. ولكنه يقول إن هناك أيضا بعض القضايا الطريفة التي يتم السؤال عنها مثل: رأي علماء الدين في تسريحات شعر الشباب الجديدة، مثل تسريحة "سبايكي"، وعن جواز الصلاة مع وضع كريمات على شعر الرجال، وهو ما يعتبره الخوالدة، ويؤيده في ذلك بعض العلماء، نوعا من التشبه بالنساء.

مسلم، أو "أبو حفص"، كما يحب أن يناديه أقاربه ومعارفه، يبدو على درجة عالية من اليقين بصواب ما يقوم به، فهو يستغرب من تعرضه في كثير من الأحيان إلى مضايقات من جهات رسمية، بسبب فتاوى أطلقها يحث فيها الشباب على الخروج للجهاد في فلسطين والعراق وأفغانستان، وكأن طبيعة الأمور أن يتوجه الشباب إلى تلك المناطق المميتة، وليس سرا أن كثيرا من هؤلاء "الدعاة" مؤيدون متحمسون لحركة طالبان الأفغانية ولأنصارها في العالم أجمع.

ويرى أستاذ للشريعة في الجامعة الأردنية، فضل عدم ذكر اسمه، أن الرقابة الحكومية على رجال الدعوة تعد مطلبا أساسيا، بما لا يتعارض مع الحرية الدينية في الدعوة والإرشاد، حيث تساهم تلك الرقابة في منع ترويج الأفكار التي تسهم في زعزعة أمن المجتمع، إلا أنه يعد التربية الإسلامية الصحيحة أساس التنشئة السليمة للأهالي، من دون أن يوضح المعيار الذي تقاس به صحة الشيء وسلامته.

وحين ألحت عليه «ے» بالسؤال اكتفى أستاذ الشريعة بالتفريق بين نوعين من رجال الدعوة، فهو يرى أن هناك من هم على علم ودراية كافية في أمور الدين من الرجال المستنيرين الذين يحاولون إشاعة ثقافة التسامح وإشاعة ثقافة احترام الديانات الأخرى، وبين من هم محافظون يعتبرون كل من هو على غير الدين الإسلامي في " ضلال" ويجب محاربته، إلى أن يسلك الطريق القويم، وهو الإسلام.

فتاوى القرى: “الخروج” إلى الدعوة على ظهور الخيل
 
23-Oct-2008
 
العدد 48