العدد 48 - دولي
 

صلاح حزين

في مثل هذا الوقت قبل أربع سنوات، كان الرئيس الأوكراني فكتور يوشنكو ورئيسة وزرائه يوليا تيموشنكو، يعسكران في شوارع العاصمة كييف في خيام برتقالية اللون وتحت رايات برتقالية، فيما عرف في حينه بالثورة البرتقالية التي قادت كليهما إلى الحكم.

اليوم، يقف كل من يوشنكو وتيموشنكو على رأسي معسكرين متخاصمين، بخاصة بعد أن دعا الرئيس يوشنكو، في وقت سابق من أكتوبر الجاري، إلى انتخابات مبكرة تجرى في شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل، وهو قرار عارضته تيموشنك وما زالت تعمل على عدم إجراء الانتخابات التي ستكون في حال إجرائها الثالثة خلال أربعة أعوام.

جذور الخلاف بين يوشنكو وتيموشنكو ليست جديدة، وهي تعود أساسا إلى السمات الشخصية لكل منهما، فطموحات كل منهما لا تكاد تقف عند حد، وهو ما حول كلا منهما إلى خصم للآخر، بخاصة أن كتلة تيموشنكو حققت تقدما كبيرا في الانتخابات التي جرت في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، والتي خاضتها بالتحالف مع كتلة يوشنكو في قائمة واحدة.

لم يتردد يوشنكو لدى اتخاذه قرار حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية جديدة، في الإشارة إلى ما اعتبره الأثر التدميري لطموحات تيموشنكو، معتبرا أن طموحات رئيسة الوزراء هي السبب في انهيار "التحالف الديمقراطي"، وهو التحالف الذي ضمهما وخاضا تحت رايته الانتخابات الماضية. ولم ينس يوشنكو أن يشير إلى أن تيموشنكو بمواقفها هذه إنما تضحي باللغة الأوكرانية وبأمن أوكرانيا وبآفاق التعاون مع أوروبا، في إشارة مباشرة إلى علاقات التحالف المميزة مع الغرب، وغير مباشرة إلى خططه بالانضمام إلى حلف الناتو.

لكن طموح رئيسة الوزراء ليس السبب في الخلافات بين الحليفين السابقين، ففي آب/أغسطس الماضي، تنبهت تيموشنكو إلى أن حقائق الجغرافيا يجب ألا تغيب عن بال القادة السياسيين لأوكرانيا، وأن تحالف أوكرانيا مع الغرب يجب ألا يعميها عن حقيقة أنها على حدود روسيا التي لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه مثل هذه الخطوة. فما حدث في آب/أغسطس الماضي حين استخدمت روسيا قوتها العسكرية ضد جورجيا، لم يكن حدثا عابرا في إطار السياسة الإقليمية للقوقاز، بل حدث كبير يجدر التوقف عنده وإعادة الحسابات في ضوء نتائجه. وكان هذا، تحديدا، ما جعل تيموشنكو تتخذ موقفا مناقضا لموقف يوشنكو الذي أعلن اصطفافه مع جورجيا، في حين أعلنت هي انحيازها لموسكو وقامت بزيارة العاصمة الروسية لإعلان هذا الموقف. وكانت تلك بداية القطيعة بين الحليفين السابقين، فقد توج هذا الموقف عاما من التنافس الشديد بين يوشنكو وتيموشنكو.

لكن تيموشنكو التي أقدمت على اتخاذ موقفها المؤيد لموسكو في نزاع الأخيرة مع جورجيا، إنما كانت تقيس الأمور بمقياس مختلف عن ذاك الذي يستخدمه يوشنكو، فموقف الأخير من قضية الانضمام إلى الناتو أقرب إلى موقف الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي، الذي يراهن على الانضمام إلى الحلف بأي ثمن، حتى لو أدى ذلك إلى إغضاب روسيا، وهذا على أي حال، هو موقف الولايات المتحدة الأميركية، في حين تتخذ تيموشنكو موقفا أقرب إلى موقف بعض دول الاتحاد الأوروبي، وبعض دول حلف الناتو نفسها، وبخاصة موقف ألمانيا، وبدرجة أقل، فرنسا، وهما من أقوى دول الناتو ودول الاتحاد الأوروبي وأكثرها نفوذا. وما زال ماثلا في الأذهان موقف دول حلف الناتو في آخر اجتماع عقدته في بوخارست في مطلع العام الجاري، والذي رفضت فيه دول الحلف الموافقة على دخول كل من جورجيا وأوكرانيا إلى الناتو، وذلك بالضد من رغبة الولايات المتحدة التي كانت متحمسة لدخول البلدين إلى الحلف، وهو موقف ما زالت الولايات المتحدة تدعو له حتى اليوم. ومنذ أيام عبر عن ذلك الموقف وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس الذي عاد وشدد على ضرورة حصول البلدين على عضوية الناتو.

لكن عضوية الناتو ليست القضية الوحيدة التي تستقطب الاهتمام في أوكرانيا، فهنالك قضايا الفساد السياسي والمالي التي تجتاح البلاد، وواحدة من القضايا التي أفقدت التحالف الديمقراطي الأوكراني بجناحيه، كتلة يوشنكو وكتلة تيموشنكو، الكثير من التأييد الذي كانا يتمتعان به هو عدم مكافحة الفساد في صورة فعالة وبقاء رموز الفساد في مواقعهم، بما في ذلك المناصب الحكومية والمواقع البرلمانية.

وتتخذ قضية مكافحة الفساد في الانتخابات المزمعة أولوية قصوى، وبخاصة في ضوء تأثر أوكرانيا بالأزمة المالية العالمية، فقد كان على الحكومة التدخل لإنقاذ أكبر بنكين في البلاد من الانهيار.

وفي الإطار نفسه، هنالك قضية ارتفاع أسعار النفط والغاز في العالم، والذي يضع البلاد أمام تحد كبير، فأوكرانيا تحصل على الغاز من جارتها اللدودة روسيا. وقد تقدمت شركة غاز بروم، عملاق الغاز الروسي، والتي تصدر الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا، على جارتها تزويدها بالغاز في العام المقبل بسعر جديد هو 400 مليون دولار لكل ألف متر مكعب، وذلك مقابل 179 دولار الآن.

إلى ذلك، انخفضت قيمة العملة الأوكرانية الهريفنيا بنسة 12 في المئة في العام الجاري. وارتفعت مديونية البلاد منذ تموز/يوليو الماضي إلى نحو 100 بليون دولار، وهذا ما جعل رئيسة الوزراء يوليا تيموشنكو تقترح على صندوق النقد الدولي تقديم مساعدات لأوكرانيا بقيمة 14 بليون دولار، إذا ما تراجع الرئيس يوشنكو عن الانتخابات التي دعا إليها أخيرا.

ويمكن وضع محاولة تيموشنكو تأجيل الانتخابات في إطار مساعيها التي لم تتوقف، حتى من قبل اتخاذ الرئيس قرار حل البرلمان والدعوة إلى الانتخابات العامة، فهي ترى أن الانتخابات مضيعة للوقت، ومكلفة لخزينة الدولة المنهكة ماليا. كما يمكن وضعها في إطار تخوفها من تراجع كتلتها في الانتخابات المقبلة، فقد أظهرت بعض استطلاعات الرأي التي أجريت حول الانتخابات المقبلة أن يوشنكو يتفوق على تيموشنكو، وإن في صورة طفيفة. ولكن كثيرا من المواطنين في أوكرانيا يؤيدون تيموشنكو في موقفها، فهنالك، كما يعتقد كثيرون، أولويات يحسن التصدي لها قبل إجراء الانتخابات التي ستأتي بمزيد من الفاسدين إلى "نادي رجال الأعمال"، في إشارة إلى سيطرة المتمولين على البرلمان الأوكراني.

أوكرانيا: انتخابات جديدة على وقع أزمة سياسية وأخرى اقتصادية
 
23-Oct-2008
 
العدد 48