العدد 48 - كتاب
 

العديد من الوقائع على الأرض تشير إلى أن الاقتصاد الأردني ليس محصناً وليس بعيداً عن التأثر السلبي، وفي أكثر من وضع واتجاه، بأعاصير الأزمات الاقتصادية والمالية والمصرفية والغذائية التي أحاطت، وما تزال، بالاقتصاد الرأسمالي الأميركي في مرحلة عولمته المنفلتة من عقالها، وضربته في الصميم، وعانت منها أيضاً بهذه الدرجة أو تلك، في العمق وفي الامتداد الجغرافي، اقتصاديات السوق الرأسمالي في أوروبا، واليابان، وأقطار أخرى في آسيا وإفريقيا والخليج العربي.

ولم تأت الأزمة الشاملة هذه من فراغ أو بمحض الصدفة، بل إنها اندلعت بوصفها نتاج نهج وسياسات اقتصادية ومالية ومصرفية مغرقة في ليبراليتها وانفلاتها وفوضاها، قادتها ووقفت على رأسها مجموعة من الشركات الكبرى عابرة القارات التي تحكمت في مُلكية وإدارة مؤسسات الاقتصاد، وفي تحديد أوجه نشاطه واتجاهاته وفلسفته وقوانينه بما يخدم وينمي مصالحها الضيقة، وليكن بعدها الطوفان.

وبحكم ارتباط الاقتصاد الأردني وتبعيته المتزايدة في الفترة نفسها باقتصاديات السوق الرأسمالي وسياساته وتطبيقاته، فإنه تعرض بدوره إلى مجموعة من التشوهات والاختلالات في هيكليته الكلية والى شريط من الأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية التي تفاقمت في موازاة التأثر أيضاً بمخرجات الأزمة المالية العامة التي تعصف حالياً بالاقتصاديات الرأسمالية الأميركية والأوروبية واليابانية.

إن استثمارات ومساهمات وودائع للقطاع الخاص الأردني، ولجهات حكومية؛ وللأفراد والشركات والبنوك أصبحت معرضة للخسارة، انعكاسا لخسائر تحققت في بنوك وشركات أميركية وأوروبية أعلنت إفلاسها، أو أصبحت على حافته.

وليس مستبعداً توجه رؤوس أموال أجنبية تدفقت إلى البورصة الأردنية وفي الخدمات في عمليات مضاربة، إلى الخروج جزئياً أو كلياً ودون استئذان.

ومع تنامي شبح التباطؤ والدخول في مرحلة الركود الاقتصادي في الخارج تضيق إمكانيات تصدير المنتجات الأردنية إليها، وتتسارع وتيرة التراجع في صادرات الألبسة من المناطق المسماة بالصناعية المؤهلة (QIZ)، فيما ينتظر أن يكون لها أيضاً تداعيات سلبية على تراجع أحجام السياحة الوافدة بأنواعها.

ويتزايد الحديث في الأقطار الرأسمالية حول تراجع قدراتها على الاستمرار في منح المساعدات الاقتصادية والفنية إلى الدول النامية، على الأقل ليس بالحجم السابق نفسه.

وحول الاقتصاد الأميركي واقتصاديات أخرى في أوضاع ركودية متفاوتة، سيكون من تداعياته توقف شركات ومؤسسات عن نشاطها أو تقليصه، وارتفاع أعداد المتعطلين عن العمل «ارتفعت النسبة حالياً في أميركا إلى 6.1 في المئة مرشحة للمزيد»، ومنهم أردنيون ينعكس تعطلهم على تراجع حوالاتهم أو عودتهم.

وإذا كان لتدهور أسعار النفط المتسارع الأخير ومن 147 إلى 68 دولاراً للبرميل، في المتوسط وبنسبة 54 بالمئة، تداعيات إيجابية تخفف من ثقل عبء فاتورة النفط المستورد، وعلى كلفة وتنافسية المنتجات والخدمات المحلية، فإن لذلك أيضاً أبعاداً سلبية تتمثل في تدهور حاد في إيرادات دول خليجية عربية وغير خليجية من عائدات تصديره، وفي تباطؤ اقتصادها وفي إيرادات وتحويلات 600 ألف أردني يعملون هناك، إلى جانب إمكانية فقدان العديد منهم لوظائفهم ولاستثماراتهم.

في أزمة كهذه؛ عامة متصاعدة وشاملة في الاقتصاديات الرأسمالية المترابطة في مرحلة عولمتها، فإنه من غير الموضوعي، ومن غير المقبول استمرار جهات حكومية أردنية وأخرى أهلية في إمطارنا بسلسلة من التصريحات والتقييمات المبشرة على غير أساس دقيق بسلامة الأوضاع الاقتصادية والمالية والمصرفية في الأردن، وعدم تأثرها بما يجري في الخارج، متناسين طروحاتهم ودعواتهم السابقة إلى ضرورات ومزايا ربط الاقتصاد الوطني، أو انخراطه في الاقتصاد الرأسمالي الدولي، وقبل أن يفوتنا القطار، انطلاقا من تحول العالم في نظرهم إلى «قرية صغيرة»، في أجواء ما أطلق عليه اتساع ثورة «تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والاقتصاد المعرفي»، الذي كان، بقصد أو من دون قصد، أحد الأسباب الرئيسة للأزمة الحالية، ومدخلاً إلى تقليص متزايد لقطاع الاقتصاد الإنتاجي والصناعي والزراعي والغذائي باعتباره أقل ربحية أو أقل في سرعة تحقيقها بالمضاربة والوساطة والسمسرة والعمولة والفساد.

وليس مفاجئاً في وضع متأزم كهذا انطلاق مدارس وأوساط إصلاحية رأسمالية تدعو بصراحة إلى بناء رأسمالية المنتجين وإدانة وإزالة رأسمالية المضاربين في محاولة للخروج من الأزمة بأقل الخسائر.

أحمد النمري: هل الاقتصاد الأردني بعيد عن الأزمة؟
 
23-Oct-2008
 
العدد 48