العدد 48 - ثقافي
 

تحسين يقين

القدس - هذه المرة لعلها «ولّعت»، لكن ليس بين أطفال صغار يلعبون كما يوضح رئيس الفرقة العكّية، الذي أطلق هذا الاسم على فرقته، تعبيراً عن صراع كان تناوله في ما مضى خجولا، لكنه صار صراعا واضحا لا سبيل إلى إنكاره كما كشفت الأحداث الأخيرة.

إذ «ولّعت» بين العكّيين، والمتطرفين اليهود الذين ضاقوا بأصحاب البلد ذرعا.

يلفت نظر المرء من بين الشعارات التي رفعها أهالي عكّا في هبتهم الأخيرة:

«لو شربوا البحر أو هدوا السور

لو سرقوا الهوا أو خنقوا السور

ما بيعها لَعكّا بالدنيا كلها

وما ببدّل حارتي ولا بقصور».

وعند السؤال عن هذه الكلمات، قيل إنها مقطع من أغنية لفرقة واعدة من مدينة عكّا، تسمّت باسم «ولّعت»..

الشاعر والملحن العكّي خير فودة أعدّ ألبوماً غنائياً حمل في طياته نبوءةً حول رد فعل المهمشين في عكّا، أصحاب البلد الأصليين الذين يعانون الأمرّين.. يحمل الألبوم اسم «لو شربوا البحر».

فقد ظل المثقفون والفنانون الفلسطينيون في داخل فلسطين المحتلة 1948 يحاولون التعبير عن الهوية الفلسطينية العربية، لكن الواقع المعيش في ظل محاولات طمس الهوية والأسرلة في مجالات الثقافة والفنون يجعل من عملهم الفني عملاً مقاوِماً لنفي الهوية في المقام الأول.

وجاءت فرقة «ولّعت» المكونة من شباب فلسطينيين من داخل عكّا ومحيطها في فلسطين المحتلة 1948 لإثبات الذات وطنيا وفنيا في آن. وهي فرقة شابة واعدة ملتزمة، يقوم بالتأليف والتلحين والعزف فيها مجموعة من أعضائها.

المستوى المتقدم لكلمات الألبوم الغنائي للفرقة الشابة القادمة من عكّا، وما تحمله من وعي وطني واجتماعي وعاطفي يدفع السامع إلى إرهاف السمع للأغاني، وتأمل دلالاتها الإنسانية.

تحمل مضامين أغاني ألبوم «لو شربوا البحر» مواضيع تهم الشارع العربي داخل فلسطين المحتلة 1948 من خلال هموم أهالي عكّا التي ينتمي إليها الأعضاء السبعة في الفرقة، وهي مواضيع ليست بعيدة عن هموم الفلسطينيين أينما كانوا. في الوقت نفسه فإن مضامين كلمات فرقة «ولّعت» المحلية تشكل مواضيع إنسانية تهم البشر، الذين يعانون من التهجير والتهميش والبحث عن الخلاص والحقوق والرفاهية ولَمّ الشمل. أما النقد الموجّه للظلم والشر فهو لا يخص فئة قومية معينة، بل ينطبق على الكثيرين، في حين جاء تأمُّل المغنين في «لو شربوا البحر» تأمُّلا إنسانيا، وهو تأمُّل يحمل في طياته الأمل بغد مشرق.

وبذلك فإن «ولّعت» هي فرقة الموقف الوطني والقومي والإنساني. ويبدو أنها أخذت على عاتقها توصيل رسالة المهمشين والمنتظرين للخلاص، وأولئك الصامدين أمام أمواج البحر المتلاطم الباحثين عن العدل الاجتماعي والإنساني.

أما اللحن، فقد جاء ليخدم الكلمات وتوصيلها عبر قالب لحني موسيقي جذاب. وهو لحن في مجمله واضح. وبالنسبة لفرقة شابة يبدو مقبولا، يحمل بذور التطور إن اجتهد فيه القائمون عليه.

جاء اللحن متشابها في معظم الأغاني، لكن ذلك لم يمنع من وجود ثلاثة ألحان اجتهد ملحنوها في إكسابها العمق المطلوب الذي ينسجم مع علو كلماتها، وهي ألحان: «لو شربوا البحر»، و«شو هالقصة»، و«أيوب».

تقدُّم الكلمات على معظم الألحان لا يعيب الفرقة الشابة، بل إن ذلك يثير الاحترام تجاهها، كونها فرقة جادة منتمية لقضايا محيطها وللقضايا الإنسانية. الكلمات شعرية عذبة تعبّر عن موقف نبيل، جاءت بلهجة عكّاوية أصيلة، اكتست بثوب السلاسة والتقسيم.

* لو شربوا البحر

هي الأغنية الأبرز في الألبوم، والتي أعطته الاسم، من كلمات خير فودي وألحان ماهر خوري:

«لو شربوا البحر أو هدوا السور

لو سرقوا الهوا أو خنقوا السور

ما بيعها لّعكّا بالدنيا كلها

وما ببدّل حارتي ولا بقصور

المينا وكل البحرية وشخاطيرها النايمة ع المية

وشباكها الخضرا المطوية صورة راح تبقى بقلبي دهور

لو شمس الصبح وقمر الليل ونهار الغربة وليل الويل

أخذوا روحي على نجم سهيل أنا روحي بزواريبا بخور

لو رمل الشط اللي ما بنعدّ وصدفاتو المخلوقة ع القد

ومزحات الدهر اللي صاروا جدّ ركعولي ما بترك هالسور».

مضمون الأغنية لا يحتاج إلى تفسير، فهو يقدم نفسه معلنا بقاء العكّاوي في عكّا، باق بحبه وانتمائه ولهجته، باق رغم سوء الحال، والترغيب والترهيب بالرحيل. وقد حمل اللحن نبرة التحدي والقوة والإصرار بشيء من الشجن والحميمية، وقاد الكمان والإيقاع لحن الأغنية، حيث منح حضور الكمان عمقاً في التأثير، في حين كان للإيقاع دوره في إثارة الحيوية.

* كيف شايفلي هالحالة

أغنية تتساءل عن الحالة الإنسانية التي يحياها الناس هنا وفي العالم، وفيها تساؤلات وجودية عن دور الإنسان في ظل آمال الإنسان وهمومه، وثمة نداء للإنسان للمبادرة وعدم الاستسلام للواقع. وبذلك يتجاوز الشاعر أسئلة الواقع المعيش إلى أسئلة الوجود الإنساني، لذلك اتكأ اللحن على الكلمات أكثر من الموسيقى:

«كيف شايفلي هالحالة بتطمن ولا

أنا حاسسها لحالي وبناري بتقلا

كيف عم بطلع نهارك وكيف عم تجري أنهارك

شو المربح شو الخسارة من القصة كُلاّ

يا ما قالوا راح تزبط بسنة الألفين

والإنسانية عم تهبط ومين عارف لوين

يمكن مراكبنا راح تربط وتملي جسرين

أو إنو الدنيا خلقانة لفينا تتسلى

وإذا ما زبطت هالمرة ما بنجدد الخيام

مش عيشة وحياة الله إنو حرام

نرضى بهاالعيشة المرة وبهيك أحكام

ومشاكلنا اللي بالصرة مين راح يحلاّ».

* أيوب

أغنية «أيوب» الساخرة والناقدة للشرّ بثوب كوميدي، من كلمات خير فودي وألحانه. وقد تجلى فيها جمال الصوت والتصرف فيه. في القصيدة نداء إنساني للتوبة عن الشرور قبل فوات الأوان:

«توب يا أيوب عن هالدروب

أحسن بالآخر تصفي خلقة كركوب

توب يا أيوب عن هالطريق

أصغر شرارة بتسبب أكبر حريق

توب واسمع ياخي انكتب عليك إتوب

ومن هالمكتوب ما الك مهروب

شوف يا أيوب شو عم بيصير

الأيام بتركض فينا وعمرك قصير

عيش يومك يا أخي من شروقه للغروب

الأيام شموع بتضوي وبتدوب».

فليس وراء الإنسان إلا العودة إلى عالم القيم حتى يتحقق وجوده كإنسان، أما الاستمرار في الغي فلا يفيد ولا يحقق السعادة، إنها دعوة للخير بأسلوب محبب وساخر.

* هز كتافك

تجمع الأغنية بين الدعوة للتحرر من القيود والماضي حين يثقل على الإنسان والعيش المستقيم والانتماء للأسرة والناس ولقيمة الحرية والتمسك بالأرض والتراب:

«هز كتافك واللي ما شافك راح يندم على فاضي سنينو

حرر حالك فك حبالك والماضي عن ظهرك شيلو

عيش نهارك طفي نارك توجه للخالق واشكيلو

بيتك عينو وحطوا ع راسك

هو الأصل وهو أساسك

تذكر ناسك وعيش احساسك

الحر اللي متلك عمرو ما بيهلك

الحرية ماشيا بشرايينو

اصرخ نادي وقول بلادي

أرض جدادي وأرض اولادي

والمرج الهادي يقول ينادي

وحب تراب الوطن واحنا

عجناح الحرية جايينو».

* بعدها ستي

أغنية فيها حميمية وحنين وشيء من روح الرحابنة في الكلمات والمشاعر. إنها أغنية الذين بقوا في فلسطين ولم يهاجروا، لكنهم يكتوون بنار حريق فراق أحبتهم، ويعانون من ثقل الأسئلة وحرارتها المرتفعة عن حرمان أصحاب البيوت من العودة إليها.

في الأغنية أمل وإصرار عليه، تَمثّل في عادات الجدة في نشل المياه من البئر العتيقة، في إشارة رمزية لحكايات الجدة التي ترويها للجيل الجديد من ذاكرتها. ومرة أخرى ينهض الغناء بالكلمات، بخاصة في مد الحروف احتجاجا على القهر:

«بعدها ستي بتنشل مي من البير العتيق

لترشرش عتبة هالدار وتملي الأباريق

وجدي ما بين العتبة وما بين الشباك

عم يسحب ع الأرجيلة وينفخ تمباك

يتذكر هالكانو هون واليوم صاروا هناك

ويحكي عن دنيا بأهلا وبتضيق

وكبرنا وكبرت معانا كل الذكريات

ستي والعتبة والبير وجدي والحكايات

وشو صارت تنشف سمانا وزغروا الأرضيات

وأسامينا معلقة تعليق».

* طاسة وضايعة

أغنية الوحدة التي تصبح بها الجماعة أكثر قوة، فالفرقة تعني الضياع ومزيداً من المآسي.

«يكفينا مآسي وتذكر يا اللي ناسي

كيف حالك كان مبارح وأنت تدور ع الطاسة

شو عم نعمل ونسوي

إيدي بإيدك هي القوة

تعو نمشي خطوة بخطوة الوحدة شي أساسي

الطاسة لما ضاعت

برخيص الدنيا انباعت

مخاليق الدنيا جاعت

والذهبي قلب نحاسي».

* شو هالقصة

أغنية مميزة بكلماتها ولحنها. تتحدث عن المشاكل اليومية للباقين في البلاد، الذين أصبحوا مهمشين في وطنهم محرومين من خيره ومن الخدمات والرفاهية، بخاصة الشباب الذين يعانون من الملل وتشابه الأيام والبحث عن دور لهم، فلا يجدون ما يُمضون وقتهم فيه سوى الجلوس في المقاهي. أما اللحن فقد نهض الغناء به من خلال تعدد المستويات الصوتية التي حركت الكلمات وبثّت فيها حيوية تجذب السامع. وقد أحسن الملحن الشاب خير فودي في التعامل مع البيت الطويل الذي يحتاج إلى طول نَفَس:

«شو هالقصة شو هالحكاية صار بدنا نقضيها تمشاي

من باب البيت على باب المينا من الصبحية للتمساي

ما في نادي ومتل العادي ع القهوة بس التسلاي

خايف من بكرة على اولادي ومن هالأيام اللي جاية

يلا يا بحري على باب الله لم شباكك المدلاي

ارجع اربط لنشك يلا نادي سعدو هات العرباي».

«ولّعت»، هكذا يقول الأطفال حين يرون حدثا دراميا مثيرا أمامهم. لربما جاء اسم الفرقة العكّاوية من التعبير الشهير الذي كان الأطفال يلجأون إليه مبالغين بالوصف. «ولّعت وهاتْ طفّيها‍‍‍‍». لكن لسنا أمام مبالغة، بل نحن إزاء واقع إنساني درامي لم تبالغ الفرقة في وصفه ونقده والشكوى منه.

إنه نداء واستغاثة من الجالسين الناطرين جنب سور عكّا لعل وعسى.

**

أعضاء فرقة "ولّعت":

- خير فودي (شاعر وملحن وعازف إيقاع).

- ماهر خوري (ملحن وعازف جيتار كلاسيكي).

- وفيد منصور (عازف جيتار باص).

- مراد خوري (عازف كمان).

- وليد كيال (عازف عود).

- محمد قنديل (ضابط إيقاع).

“لو شربوا البحر” لفرقة “ولّعت”: رسالة الناطرين على سور عكّا
 
23-Oct-2008
 
العدد 48