العدد 48 - حريات
 

محمود منير

أثارت قضية توقيف الشاعر إسلام سمحان 15 يوماً على ذمة التحقيق، جدلاً واسعاً في وسائل إعلام محلية وعربية وعالمية.

فقد قرر مدعي عام عمّان بكر القرعان توقيف سمحان يوم الأحد 19 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، على خلفية "الإساءة للدين الإسلامي، وإهانة الشعور الديني، وذلك باقتباس آيات من القرآن وتضمينها في ديوانه (برشاقة ظل)"، وفق ما جاء في قرار التوقيف.

الشاعر الموقوف، وفي حديث خاص لـ «ے» أدلى به خلال إجراءات توقيفه، قبيل نقله إلى مركز إصلاح وتأهيل الجويدة، أعرب عن أسفه لما وصفه بـ"الرجوع إلى محاكم التفتيش وصكوك الغفران في هذا الزمان"، مستغرباً أن "يتم توقيف الشعراء مع المجرمين ويعامَلون كفارّين من العدالة"، وأعلن عن مواصلته "كتابة القصائد والأغاني التي تمجد الحياة".

من جهته، قال مدير عام المطبوعات والنشر نبيل المومني، في تصريح خاص بـ«ے»، إن سمحان «لم يودع ثلاث نسخ مطبوعة من الكتاب لدى دائرة المطبوعات والنشر، ما يعني مخالفة نص المادة 38 من قانون المطبوعات».

لكن دار فضاءات (ناشر الكتاب) قالت في تصريح لـ«ے» على لسان مديرها جهاد أبو حشيش، إن «المؤلف أحضر كتاباً رسمياً صادراً عن دائرة المطبوعات والنشر رقم 1/3584 بتاريخ 2/12/2007، ينص على تسجيل كتاب (برشاقة ظل) لدى المكتبة الوطنية».

وأضاف: «بعد صدور الكتاب، قمنا بتسليم مركز الإيداع في دائرة المكتبة الوطنية ثلاث نسخ أُدخلت بموجب مستند الإدخالات 639786، بتاريخ 13/4/2008، وكان ذلك قبل عرض الكتاب للبيع أو التوزيع».

المومني أكد أن «دائرة المطبوعات حصلت على النسخ متأخراً، ومن خلال شرائها من الأسواق»، وأن تحويل القضية إلى القضاء جاء «بسبب مخالفة المادة 38 من القانون والتي تنص على: حظر كل ما يشمل على تحقير أو ذم لإحدى الديانات، والإساءة لأرباب الأديان، والإساءة للمشاعر الدينية»، مشيرا إلى «أن الكتاب يحتوي على تضمينات قرآنية مسيئة إلى القرآن والإسلام».

يرى المومني أن الكتاب «يسيء إلى الدين، ولا ملاذ إلاّ بتحويله إلى القضاء، وقراره هو الحكَم»، مستشهداً بأن «دائرة المطبوعات والنشر رفعت قضايا على عدد من دور النشر لتعاملها مع كتب ممنوعة، إلاّ أن القضاء برّأ ساحة تلك الدور».

وقال المومني إن الكتاب «خضع للآليات القانونية في الدائرة، بالرجوع إلى الموظف المسؤول عن قراءة الكتاب ورئيس قسمه ومدير الدائرة وصولاً إلى المدير العام». واستند في تحويل الكتاب للقضاء، إلى «الرأي العام من خلال جملة ما تناولته المواقع الإلكترونية من آراء فقهية ونقدية حول مضمون الكتاب».

وكان مفتي المملكة الشيخ نوح القضاة اعتبر في تصريح لـموقع «عمون» أن «الكاتب كافر ومعادٍ للدين»، وطلب من الجهات المعنية التدخل لـ«توقيف الكاتب ودار النشر، واتخاذ الإجراء المناسب بحقهما"، مضيفاً: "هذا الفعل هو أحد أهم أسباب التطرف، وإننا لا نأمن منع أي رد فعل سلبي ما دمنا نتلكأ في متابعة مثل هذه الإساءات وفي اتخاذ إجراءات حازمة بصددها".

أبو حشيش استنكر ما صرّح به المومني، وأوضح أن "المكتبة الوطنية وافقت على اقتناء نسخ من الكتاب، كما وافقت لجان الشراء في وزارة الثقافة على شراء خمسين نسخة من الكتاب". الناشر أعرب عن استغرابه: "بعد مرور الكتاب بكل هذه المحطات والإشادة به في صحف محلية وعربية وبذائقته اللغوية، نفاجأ بأنه كتاب مسيء!".

أبو حشيش استهجن أيضاً ما أسماه "مطالبة دار النشر أن تتحول إلى جهة رقابية تجيز هذا وتمنع ذاك"، وأضاف: "كيف يمكن لنا كناشرين ومؤلفين أن نصل إلى قانون يُخرجنا من هذا اللبس ويحدد مسبقا وقبل الطباعة والنشر ما إذا كان هذا الكتاب مسموحاً نشره أم لا، بخاصة أننا هنا نتكلم لا عن الأكاديمي، وإنما عن الإبداعي الذي قد تختلف فيه الآراء وتتفاوت".

صحفي فضّل عدم نشر اسمه، أبدى استغرابه لما وصفه "التحريض الذي قامت به مواقع إلكترونية ضد الكتّاب، والقيام بتأليب الرأي العام من خلال استخدام أحكام قاطعة وحاسمة تفترض إساءة الكاتب للأديان"، ونبّه إلى "خطورة أن ينزلق الإعلام إلى خطاب تعبوي موجّه ولا يأخذ في الحسبان المهْنية التي تفترض قراءة الكتاب من زاوية نقدية متخصصة ،لا التهويل والتشويش واجتزاء مفردات خارج سياقها".

وكان فايز الفايز نشر مقالة على موقع "عمون" جاء فيها: "لماذا يترك بعض الكتّاب كل أفكار الدنيا وينشغلون بالاقتراب من الله والرسول والمحاذير الدينية مساسا مسيئا للمشاعر، وهل هذا يندرج تحت باب الإبداع والتشبيهات، أم أفكار مشوهة وشبهات، في وقت بلغت فيه حملات التصدي للإساءة للرسول الكريم والقرآن والأديان ذروتها، وتهدد بإنزال الغضب الشعبي الضارب على أي كاتب يسيء إلى الرموز الدينية التي كفلت احترامها كل المواثيق المهنية".

سمحان، خلال اتصال "ے" به أثُناء إجراءات توقيفه، كشف عن عرض جهات "ممولة أجنبياً" للدفاع عنه، وقال إنه رفض هذه العروض، وتابع: "إذا خسرت المعركة أمام القضاء، يكفيني أني ربحتها أمام نفسي"، مشيداً بموقف رابطة الكتاب الأردنيين، "الجهة الوحيدة"، التي وقفت بجانبه، بحسب تعبيره.

وأكد سمحان (26 عاماً، يعمل محرراً ثقافياً في "العرب اليوم")، أنه تلقى خلال الأيام الماضية مكالمات هاتفية مجهولة هدده أصحابها بـ"القتل والانتقام"، معتبراً أن هناك "حالة من التحريض" ضده من دون مبرر.

محامية الدفاع عن سمحان، زينة كرادشة، دافعت عن حق الشاعر في استخدام الخيال والمجاز من غير أن يسيء لأي معتقد. واستشهدت بالمفتتح الذي وضعه سمحان في بداية كتابه ويشير إلى "اختلاف التأويل لحرف الجيم الذي يعني جنة أو جحيم".

كرادشة رفضت مصادرة حريات الفكر والأدب، متمنية أن يكون "القضاء نزيهاً وحيادياً وعدم الاكتفاء بتقرير الخبرة الذي ورد من المفتي، والأخذ برأي أهل الخبرة من رجال دين آخرين وشعراء ونقّاد، على أن تكون دراسة فعلية للديوان، لا الأخذ بالجزئيات".

رئيس رابطة الكتّاب الأردنيين، سعود قبيلات، رأى في القضية أمراً خطيراً وتطوراً سليباً في ما يتعلق بموضوع الحريات، بخاصة في المجال الإبداعي. واستغرب "التأويل الجائر لبعض أبيات من ديوان شعر قام به رجل دين وليس أديباً مختصاً أو ناقداً متمرساً، وهذا مخالف لأبسط الأعراف والمفاهيم العلمية".

قبيلات أوضح "كما لا يجوز لأديب أن يفتي في مجال الدين، فلا يجوز لمفتٍ أن يفتي في مجال الأدب"، ورأى أن "الأدب والفن عموماً يتحرك في إطار المجاز والخيال والإزاحة اللغوية وخلق قيم ومعانٍ جديدة، ولا يجوز إخضاعه لمنطق اللغة العادية واليومية أو أي حقل من الحقوق الاجتماعية والإنسانية الأخرى، فلهذه الحقوق قوانينها وأنظمتها المستقرة والثابتة، والتي لا تتجاوب مع حيوية الإبداع وتغيره وتطوره المستمرَّين وابتكاره للجديد".

أضاف رئيس الرابطة: "لن تقف الرابطة مكتوفة اليدين، وقد عبّرت عن موقفها في بيان صريح، رغم أن إسلام سمحان ليس عضواً فيها، كما ستتوجه إلى جميع المعنيين بحرية التعبير وحقوق الإنسان لإعلان موقفهم، وستقوم بحملة محلية وعربية وعالمية لوضع حد لمثل هذا التجاوز على حرية التعبير".

قضية الشاعر إسلام سمحان تجيء بعد مرور ثمانية أعوام على قرار القضاء الأردني توقيفَ الشاعر موسى حوامدة على خلفية اتهامه بالإساءة للدين والتعرض للأنبياء في ديوانه الشعري "شجري أعلى"، إلاّ أن المحكمة عادت بعد سنوات من المحاكمةوبرأته مما اتُّهم به.

توقيف إسلام سمحان على خلفية ديوانه “برشاقة ظل”
 
23-Oct-2008
 
العدد 48