العدد 48 - حتى باب الدار
 

يختلف تعريف مفهومي المعارضة والموالاة في الأردن، عما هو عليه في بقية دول العالم . ففي الأردن يتخذ المفهومان معنى مطلقاً، حيث يطلق مفهوم المعارضة على فريق ثابت، كما يطلق مفهوم الموالاة على فريق ثابت أيضاً.

لا حظوا مثلاً أنه عندما يدخل بعض القوميين أو اليساريين الى بعض الحكومات، فإن ذلك لا يعني أن هؤلاء لم يعودوا معارضة، وقد يعمد أنصار هؤلاء الى التأكيد أن دخولهم في الحكم، لا يمكن أن يعني أنهم توقفوا عن المعارضة، فهم يمارسون معارضتهم من خلال الحكومة!. تماماً كما لا يقبل المعارضون أن تُدرج أسماء وزراء سابقين ضمن المعارضة، لمجرد أنهم عارضوا الحكومات!. وعادة ما يقال على سبيل التهكم: "منذ متى صار فلان معارضة؟"، وقد يرد هؤلاء بالتأكيد أنهم لا يقبلون أن يكونوا "معارضة" حتى لو عارضوا حكومات.

من الملاحظ مثلاً أن كثيراً من السياسيين ما زالوا يشككون بـ"معارضة" الإسلاميين، لأن هؤلاء في ما مضى لم يكونوا معارضة.

بحسب الثقافة السياسية السائدة، فإن المعارضة موقف مطلق والموالاة كذلك، ونسمع كثيراً أن فلاناً من الوزراء أو المسؤولين ما زالت المعارضة في دمه، وهذا يعني أن الموقف السياسي تحول الى مسألة تتعلق بالتركيب الفسيولوجي للشخص.

في التجربة السياسية لدول العالم الأخرى غير الأردن، تطلق كلمة معارضة على من هو خارج الحكم، وتطلق كلمة موالاة على من هو في الحكم، وبمجرد أن ينتقل فريق من موقع الى آخر، يتبدل المفهوم الذي يطلق عليه، فلا يبقى المعارض معارضاً إذا تسلم الحكم، كما لا يبقى الموالي موالياً إذا تسلم خصومه الحكم.

في إحدى الحالات الأردنية الخاصة، واجهت حكومة عدنان بدران صنفاً جديداً من المعارضة، سببت لها شللاً واضطرتها لإجراء تعديل قسري، وذلك عندما تشكل فريق كبير من النواب أطلق عليهم "نواب حجب الثقة" ساندتهم قوى سياسية وشعبية، ووقفوا جميعاً في وجه الحكومة، ومع ذلك لم يقبل هؤلاء أن يسمّهِم أحد معارضة، بل ظلوا يحرصون على التذكير أنهم قلب الموالاة وأساسها فهم من حملوا الحكومات السابقة، بل راحوا يذكرون حكومة بدران بأن من يوالونها هم الذين يضمرون لها المعارضة في نفوسهم.

المعارضة "الكلاسيكية" تصر على التذكير أنها هي المعارضة، حتى وإن كانت لا تعارض الحكومة، وفي أفضل الأحوال تقول إنها تؤيدها لأنها تريد اعطاءها فرصة وليس لأنها كفت عن معارضتها. بينما تنكر على الآخرين معارضتهم للحكومة، حتى وإن عارضوا كل سياساتها.. إنهم لا يعارضوها لأنهم معارضة بل لأنهم يختلفون معها.

هذا يعني أن المعارضة والموالاة في الأردن، لا علاقة لها بالاختلاف أو الاتفاق المعلن مع الحكومات. إن كلاً من المعارضة والموالاة موقف أصيل، ولا يشترط في الشخص المعارض كي يكون معارضاً للحكومة أن يكون مختلفاً معها، فهو قد يتفق معها بل قد يدخل فيها ولكنه يبقى في صفوف المعارضة، ومن ذلك مثلاً دخول محمد العوران إلى وزارة البخيت عندها رفض أن يقال عنه إنه غادر المعارضة. إن الجماهير وحدها هي التي تعرف من هو المعارض الحقيقي، الذي حتى لو شكّل حكومة فإنه يبقى معارضة.

والمعارضة عندما تقول إنها تسعى إلى الحكم لا يعني أنها ستتحول الى الموالاة، بل بالعكس فهي ستبقى معارضة، ولن يجعلها الدخول في الحكومات تنسى معارضتها او تتخلى عنها، بل إن مبدأ تداول السلطة الذي يسمح للمعارضة بتشكيل حكومات، لو تم تطبيقه فسوف يثبت أن المعارضة ستبقى مخلصة لمعارضتها، بل إنها ستمارس المعارضة من موقع حكومي!.

أحمد أبو خليل: معارضون “بالطول وبالعرض”
 
23-Oct-2008
 
العدد 48