العدد 48 - رزنامه
 

السجل - خاص

يواصل الفنان الأردني محمود طه في معرضه "ذاكرة.." المقام على جاليري بنك القاهرة عمّان، تطويع مادة الطين ليعبّر من خلال تشكيلات خزفية متنوعة عن أفكاره ورؤاه، مطوّراً مفردات تجربته التي بدأها منذ ستينيات القرن الماضي.

يمزج طه الألوانَ الداكنة معاً مانحاً أعماله سمة التعتيق، وينحاز بخاصة للألوان التي تحيل للتراب والصدأ، أو تقترب من الأخضر الذي يبدو منتزَعاً من سطح النحاس بعد أن تشكّل فوقه بفعل عوامل الزمن، فتبدو أعماله لُقَى ومقتنيات تنتمي لعصر قديم، غير أنها تحمل أفكاراً وهواجس طازجة ومتجددة تعبّر عن روح العصر الذي أُنجزت فيه.

في مجموعته التي تعتمد ألوان التزجيج، يجمع طه بين أشكال خزفية تحاكي الفن الإسلامي بزخارفه وتوشيحاته والتشكيلات الحروفية للآيات القرآنية، وبين نقوش وزخارف سادت في عصر ما قبل الإسلام. وهو يزيّن معظم أعماله بالحروف العربية التي أُولع بها ودرسها على يد الخطاط العراقي محمد هاشم البغدادي، فيوظف الحرفَ بإتقان، ويُبرز تشكيلاته وتفصيلاته وزواياه، بخاصة في الرسم الحروفي الكوفي، وفي خط الثلث.

تكشف سطوح التكوينات الدائرية أو تلك التي تستثمر أشكالاً هندسية، عن مساحات مهمة في بناء اللوحة تتحرك أفقياً وعمودياً، وتحمل إشاراتٍ ورموزاً، بخاصة تلك التي تتعلق بالجسد بوصفه مُعَبّراً عن الهويتَين الفردية والجمعية في آن. الجسد المحفور على السطح يخلو من ملامح مميزة أو محددة، غير أنه يبدو صامداً وقادراً على المواجهة والتحدي، بخاصة في تلك التشكيلات التي تُظهر مجموعة من شخصين أو ثلاثة أشخاص يتراصّون جنباً إلى جنب، وكأنما يمنح الواحد منهم الآخر طاقةً للصمود ومواصلة الدرب، لا سيما وقد تحصنت الأجساد بروح الأقواس التي تزيّن الأبواب العتيقة بزخارفها وانحناءاتها، وتواشجت مع قباب المساجد بتكويراتها الفنية.

كان طه أنجز مجموعة عُرفت باسم "تواقيع على هوامش العهدة العمرية"، حملت أفقاً جديداً ذا تقانة وتشكيل مختلفَين عن أعماله السابقة، ورافقتها أعمال أخرى أثقلتها هموم الوطن. وفي الثمانينيات، رأى في قصيدة الشاعر وليد سيف المسمّاة "البحث عن عبد الله البري"، عناصر مناسبة لِتُشكّل مداخلة إبداعية بين الصلصال والشعر، فكانت القصيدة بمثابة لقاح أو سماد اختلط مع الصلصال ليولد معرضه "مسافات للوطن والذاكرة" الذي أقامه على المركز الثقافي الملكي (1990). وبعد انتفاضة الأقصى أنجز أعمالاً استخدم أفران الغاز في تنفيذ بعضها، وعرضها في المتحف الوطني الأردني بعنوان "مقامات الوطن والذاكرة".

ثم عاد إلى تجارب طباعية ورقية سابقة كان يعمل عليها في منتصف السبعينيات وأوائل الثمانينيات، ووضع خبراته في الخط والحفر التصميم الطباعي وأعمال الزنكوغراف وحفر النحاس وما اكتسبه من زميله ياسر دويك، لينجز أعمالاً تم عرضها مع مجموعة خزفية في صالة الأورفلي. ثم أنجز مجموعة ثانية أكثر تقانة وتطوراً من التجربة الأولى تم عرضها مع مجموعات خزفية في صالة "أربعة جدران"، حملت عنوان "المقامة العاشرة ورق وطين وذاكرة".

وُلد طه في يافا (1942)، تخرج في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد (1968)، وتابع دراسة الخزف في كلية كارديف ببريطانيا، وتخرج فيها العام 1976، حاز جائزة الدولة التقديرية (1990)، وميدالية الحسين للتفوق (2002). أقام معارض في الأردن والخارج.

“ذاكرة..” لمحمود طه: تطويع الطين
 
23-Oct-2008
 
العدد 48