العدد 45 - أردني
 

السّجل - خاص

لم تألف الحياة السياسية الأردنية نقاشاً واختلافاً حول "مكتب الملك"، أي الديوان الملكي، كالذي حدث حين تولى باسم عوض الله منصبه رئيساً للديوان، فقد كان الديوان الملكي تاريخياً حلقة الوصل بين الملك وبين حكوماته والأجهزة المختلفة في الدولة الأردنية. ومن خلال محافظته على بقاء قنوات الاتصال مفتوحة بين القصر ومختلف فئات الشعب، تبوأ الديوان مكانته بوصفه موقعاً يسمو على الخلافات ويرتقي عن الجدل.

لا جدال أن عهد عبد الله الثاني يمثل امتداداً لعهد والده الراحل الحسين، وفي أن هنالك تشابهاً كبيراً بين شخصيتَي الحسين وابنه عبد الله؛ فكل منهما صبور، سريع الملاحظة، يكظم غيظه، لا ينزع إلى التسرع، بل يتروى كثيراً قبل إعطاء الرأي. وهما يشتركان في ميل كل منهما إلى عدم الاستغناء عن خدمات أحد إلاّ بعد استنفاد سبل بقائه أو استفحال الأمر معه. لكن هناك فروقاً بين الملكين، ذات صلة في ترتيب الأولويات في عهد كل منهما. فالحسين يرحمه الله، لم يكن يهتم كثيراً بالتفاصيل، بخاصة في الموضوع الاقتصادي الداخلي، فقد كان جلّ اهتمامه منصبّاً على حماية الأردن من الأخطار الخارجية التي كانت -وما زال بعض منها- تتهدّده وتستهدف كيانه. في حين أن الملك عبد الله"، ومنذ اليوم الأول لتسنُّمه سدّة الحكم، بدا معنياً إلى حد كبير بالشأن الاقتصادي، وظل هاجسه الدائم مواجهة البطالة والتصدي للفقر وجيوبه، والتفكير في سبل محاربتهما، وتوفير فرص عمل لآلاف الشبان الذين يتم إعدادهم لسوق العمل سنوياً، بحسب ما صرح به الملك عبد الله لعبد الوهاب الفايز، الصحفي السعودي.

إلى ذلك، فإن بطء الحكومات والتلكؤ الذي رافق أداءها في تنفيذ التوجيهات الملكية، وعجزها عن الإنجاز ومواكبة تطلعات الملك ورؤاه، فضلاً عن حركة دوراتها السريعة -وإن بقدرٍ أقل مما كان يحدث في عهد الحسين- أدت إلى ما وصلت إليه البلاد من تداخلٍ في الصلاحيات بين الأجهزة الحكومية، لا يمكن لمتابعٍ أن يتجاهله. وهو تداخل تحول في هذا الصيف، إلى احتكاكات تمركزت أخيراً بين الديوان الملكي والمخابرات العامة، وترافق ذلك مع همسٍ من وراء الكواليس، رشح قسطٌ منه في وسائل الإعلام، بأن هناك شبهات فساد تحوم حول شخص رئيس الديوان، إلى جانب الحديث عن "تغوّل» و»استقواء» على الحكومة من جانبه.

وبالتدريج، أصبح الجو مشحوناً إلى درجة لم يعد معها في الإمكان إبقاء عوض الله في موقعه. "في السابق، حين استقال عوض الله من وزارة التخطيط، كان ضحية مسعاه للإصلاح، أما اليوم، فإن الإصلاح أصبح ضحية عوض الله" هذا ما يراه مصدر تبوأ موقعاً في الديوان الملكي، طلب عدم ذكر اسمه، لعلاقته الشخصية بكل الأطراف.

يقول سياسي مخضرم إن المشكلة مع عوض الله كانت في أنه "قام بمبادرات كثيرة لم يتم تسليمها إلى الحكومة، بل كان يعمل على تطبيقها تحت إشرافه". وهو ما اصطُلح على دعوته في الأشهر الماضية بـ"التغول"، و»سحب الولاية العامة والدستورية من الحكومة" طيلة فترة إشغال عوض الله لموقعه.

في الأعوام التسعة المنصرمة، أي في العقد الأول من عهد الملك عبد الله، طرأت تغييرات كبيرة ومهمة على صلاحيات رئيس الديوان الملكي، وحتى على الموقع نفسه وأهميته النسبية في الديوان، بل إن الموقع ألغي لفترة من الزمن.

كان عبد الكريم الكباريتي أول رئيس للديوان في عهد الملك عبد الله، فيما كان عبد الرؤوف الراوبدة حينئذٍ رئيساً للوزراء، وقد كان التوتر بين الاثنين أكبر من أن لا يُلاحَظ، ما أدى في النهاية إلى خروج الكباريتي من الحياة السياسية، حتى الآن على الأقل.

بعد نحو عام، شغل المنصبَ فايز الطراونة، الذي كان مثل الكباريتي، رئيساً للحكومة. ثم عُيّن عسكري متقاعد ووزير سابق هو يوسف الدلابيح، رئيساً للديوان، وكُلّف بمهام ومُنح صلاحيات تختلف عن تلك التي حظي بها سابقوه. لاحقاً عُيّن فيصل الفايز وزيراً للبلاط بصلاحيات رئيس الديوان، لكن "دون عبء المقابلات اليومية"، التي أنيطت برئيس الديوان. وحين تسلم الفايز منصبه رئيساً للوزراء، عُيّن سمير زيد الرفاعي، خلفاً له، بصلاحيات تتلخص في "أن يكون حلقة الوصل بين الملك والحكومة والأجهزة"، بحسب موظف كبير عمل في الديوان الملكي آنذاك.

مع تعيين الرفاعي وزيراً للبلاط، أُلغي منصب رئيس الديوان، ثم تم تعيين رئيس الديوان السابق، يوسف الدلابيح، مستشاراً خاصاً وبالمهام نفسها التي أوكلت إليه سابقاً، وهي "الاستمرار في تحمل عبء المقابلات"، وترْك السياسة لوزير البلاط.

جاء فيصل الفايز رئيساً للديوان بعد مغادرته رئاسة الحكومة، وعُيّن مروان المعشر وزيراً للبلاط، وبالصلاحيات نفسها التي كانت للفايز عندما كان يشغل الموقع نفسه، فأُوكلت للفايز صلاحيات الدلابيح. ثم خرج المعشر، وحلّ معروف البخيت مديراً لمكتب الملك بالوكالة، لكن فعلياً بصلاحيات وزير البلاط، دون أن يحوز على المسمى الوظيفي.

وحين كُلّف البخيت برئاسة الحكومة، خلفه فاروق القصراوي، وكانت تلك مرحلة انتقالية "لم يتم فيها الانتقاص من الولاية العامة للحكومة"، آنذاك. وعلى خلفية هذه التداخلات عُيّن في الموقع مدير مكتب الملك باسم عوض الله، بصلاحيات كاملة هذه المرة، إذ لم يُعيَّن أحد وزيراً للبلاط، ولا مديراً لمكتب الملك.

هذه التغييرات لم تساعد على "العمل بروح الفريق الواحد" بين كبار موظفي الديوان الملكي، والحكومة، والمخابرات "باستثناءات قليلة، إذ كان الجميع ينشدون علاقة وحيدة ومميزة مع الملك»، بحسبا الموظف الكبير الذي عمل في الديوان لفترة طويلة.

تأكيداً على ذلك، شهدت آخر فترة لحكومة علي أبو الراغب، تركُّزَ الثقل السياسي الأهم والأقوى في الديوان الملكي، والمخابرات العامة، وليس في الحكومة. في واقع الأمر، فإن أبو الراغب عندما تولى ملف العقبة، سحب من الولاية العامة الدستورية لحكومة الروابدة، مجموعة مهمة من الصلاحيات، حسبما ذكر وزير في حكومة الروابدة، كان عضواً في المجلس الاقتصادي. ودخل الفايز خلال توليه رئاسة الحكومة، في صراعات وخلافات مع الرفاعي (الديوان) وسعد خير (المخابرات). عدنان بدران بدوره "سُحبت منه الصلاحيات، وتقاسمها معروف البخيت والمخابرات"، يؤكد مصدر مطلع طلب عدم ذكر اسمه. وعندما كُلف البخيت برئاسة الحكومة تصرف معه باسم عوض الله مثلما تصرف البخيت مع بدران.

"لقد انتهى ذلك كله، ولو إلى حين"، يقول رجل أعمال عمل في الدولة سنين طوالاً. فقد جاء تعيين ناصر اللوزي رئيساً للديوان ليضخ في المجال العام جرعة تفاؤل كبيرة، تساعده في ذلك مزاياه الشخصية وسيرته الذاتية. كما يساعده تزامن وجوده على رأس موقعه مع وجود نادر الذهبي على رأس الحكومة ومحمد الذهبي على رأس المخابرات العامة، وهما الشقيقان والمتحالفان أصلاً.

"اللوزي" كما يقول رجل الأعمال: "مهني، متعلم، والحداثة متجذرة لديه". يضيف: "يستطيع المرء القول في عوض الله ما يشاء، لكنه شغّيل ومصنع للأفكار، غير أن مقتله كان في أنه لم يلتزم بدوره الاستشاري، وأراد أن يكون تنفيذياً".

سينجح اللوزي، بحسب رجل الأعمال، إذا قام بترجمة الرؤية الملكية إلى مبادرات، وتسليمها للحكومة والأجهزة الأخرى لتنفيذها، بدلاً من قيامه هو بذلك. "لكن عليه أن يتابعها" يستدرك رجل الأعمال قبل أن يضيف: "يمكن للوزي أن يستفيد من الماكينة"، قاصداً بذلك "أصحاب الكفاءات الذين يتوافر عدد كبير منهم في الديوان الملكي حالياً"

يرى المسؤول الكبير السابق في الديوان الملكي، أن الحكومة باتت تتمتع بفرصة ذهبية، في ظل هذه التطورات، دون أن يغفل أنها في الوقت نفسه "تقف أمام تحدٍّ كبير"، فهي صاحبة الولاية، ولا تستطيع أن تلوم أحداً إذا عجزت عن الإنجاز. هنا تكمن الفرصة وهنا يكمن التحدي.

ناصر اللوزي رئيساً لـ“الديوان”: الفرصة والتحدي
 
25-Sep-2008
 
العدد 45