العدد 45 - كاتب / قارئ
 

حدثني مديري مرة، وكنا في اجتماع عمل، عن شيء أسماه «الخط السريع» (fast track)، وقال إنه أسلوب تتبعه بعض المؤسسات لترفع من سوية إنتاجها بتوظيف كادر جديد مدرب يتلقى رواتب أعلى من الكادر الأصلي، وينطلق بسرعة أكبر باتجاه التحديث والتطوير. فيكون هؤلاء القادمون الجدد بمثابة السيارات السريعة التي تلتزم اليسار على الأوتوستراد، فيما تقبع السيارات بطيئة الحركة أو المتثاقلة أو المتكاسلة في الحارات إلى اليمين.

أعجبني هذا التشبيه. وأذكر أنني ضحكت.

في اليوم التالي، كنت أقود سيارتي، كالعادة، إلى العمل. وكالعادة أحب أن ألتزم اليسار، فنادراً ما تنخفض سرعة سيارتي عن 100 كم في الساعة على الطريق الذي لا تتجاوز فيه السرعة المسموحة 90 كم في الساعة. لكن فجأة، طلّت عليّ في المرآة الداخلية أضواء عجيبة وسمعت أصواتاً مزعجة وزوامير تطالبني بإفساح المجال أمام تلك السيارة المرسيدس «موديل سنتها». لا أدري. أكانت رهبة من أضواء النيون، أم رغبة في أن لا «ألعب مع الكبار!».

تنحيت بسيارتي الـ«كيا سيفيا» إلى اليمين، ومرت المرسيدس. حاولت أن أعود إلى اليسار. لم أستطع. تتابعت السيارات. بعضها مرسيدس، وبعضها في مصافي الكيا. والأسوأ أني علقت خلف بك أب محمّلٍ بالخضار. ومن خلف حزم الملوخية وصناديق البندورة، راقبت المرسيدس وهي تبتعد وتبتعد وتبتعد.

في تلك اللحظة، لمعت في رأسي فكرة مزعجة. صحيح كلام مديري عن ألـ fast track. هكذا هي حياتي. في عملي كنت دائماً مجدّة ومجتهدة، ولكن صامتة. وكم مرة شاهدت غيري يعدد مناقبه وإنجازاته البائسة، ولكن بـ«الصوت العالي»، فيجد من يسمعه. وكم مرة قلت في خاطري: «مش مشكلة، الله شايف وعارف»، فأدعهم يستمتعون بلحظة مَجْد كالسراب. وأتنحى عن الطريق. أعْلَق في مكاني وأنا أراهم ينطلقون. يبتعدون ويبتعدون ويبتعدون.

سراب الخفاجي

البقاء في القرن 21..: الحياة على الخط السريع
 
25-Sep-2008
 
العدد 45