العدد 45 - اقتصادي
 

بدا ضعف الاقتصاد الأميركي يتضح منذ بدأت بوادر أزمة الرهن العقاري قبل عام، فمنذ سنة تقريبا والاقتصاد الأميركي يمر بإحدى دوراته الاقتصادية العاصفة، التي ترافقها عوامل داخلية وخارجية تزيد من حدتها ووقع آثارها.

وكانت بوادر الدورة الاقتصادية العاصفة هذه ما يسمى "بأزمة الائتمان العقارية" حيث تراجع الطلب على المساكن فانخفضت أسعارها، ورافق ذلك ارتفاع تدريجي بنسب الاستغناء عن الموظفين فارتفعت البطالة بنسبة 1و6 بالمئة حتى الآن، وانخفض بحدة نشاط البناء، وصاحب هذا ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته بنزينا ووقود تدفئة، وارتفاع في أسعار المواد الغذائية وهما أزمتان عالميتان أصابتا المواطن الأميركي كما أصابتا غيره في العالم.

بفعل هذه الظروف مجتمعة تعمقت الأزمة وكذلك آثارها، وتضاعفت آثار أزمة الرهن العقاري وزاد عدد المقترضين العاجزين عن تسديد أقساطهم، وحجزت البنوك المقرضة على المساكن المرهونة، وتضخمت محفظتها منها، وهي تعجز عن بيعها وتسييلها لضعف الطلب وكثافة العرض، فبدأت البنوك تعاني من الخسائر وشح السيولة، ما أضعف قدرتها على منح الائتمان، فتوالى ضعف الطلب لتتعمق الأزمة أكثر فأكثر، فلا المقترض قادر على التسديد ولا البنك المقرض قادر على تسييل العقار لضمانه، ولا الراغب بشراء عقار قادر على الحصول على قرض من البنوك، ولا البنك المستثمر بعقود ضمان عقارية قادر على الحصول على استثماره، ولا المؤسسة المصدرة لعقود ضمان عقاري أو الضامنة لها قادرة على الوفاء بدفع قيمة عقودها.

وبدأ مسلسل سقوط البنوك وآخرها إعلان بنك " ليمان برذرز" إفلاسه، بعد أن فشلت جهود إنقاذه، فهو يعتبر من أكبر بنوك الاستثمار الأميركية، وقد مضى على تأسيسه أكثر من قرن ونصف من الزمن، حيث سبقه في السقوط أكثر من عشرة بنوك. كما سبق وسارعت وزارة الخزانة الأميركية والبنك المركزي الأميركي إلى إنقاذ مؤسستي الرهن العقاري العملاقتين واللتين تعتبران العمود الفقري لسوق الإقراض العقاري والضامن للمقترض العقاري "فاني ماي" و "فريدي ماك" بكلف تقدر حتى الآن بمئات البلايين من الدولارات، ما اضطر مديرة المؤسسة الفدرالية لضمان الودائع أن توضح قتامة صورة البنوك الأميركية المعرضة للسقوط وازدياد عددها، حيث يوقع "بنك أوف أميركا" صفقة قيمتها (50) بليون دولار لشراء مؤسسة "ميريل لينش"، وتتنادى أكبر عشرة بنوك أميركية مثل "سيتي غروب و باركليز ومورغان وغولدمان ساخس" لإنشاء صندوق إنقاذ للبنوك المتعثرة بقيمة (70) بليون دولار.

ما سبق صاحبه ضعف ثقة المستهلك الأميركي وقلقه على استمرار وظيفته وارتفاع كلفة تشغيل سيارته، ومصروفه على الغذاء والتدفئة، ومسلسل أعاصير مكلفة للحكومات المحلية والفدرالية والمواطنين وشركات التأمين، حيث تكافح أيضا أكبر شركة تأمين عالمية لرفد سيولتها. وفوق هذا كله جبهات حرب مفتوحة في العراق وأفغانستان بكلفها المادية والمعنوية وخزانة تعاني عجزا أسطوريا. وقد بدأت آثار كل هذا تنتقل إلى بقية الاقتصادات وبدأت تلوح مظاهرها في اليابان وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، بمتوالية معروفة للاقتصاديين والماليين والسياسيين.

الاقتصاد الأردني اقتصاد صغير جدا بالمقاييس التي نتكلم عنها هناك، لكنه يبقى الاقتصاد، الذي يوظف المواطن الأردني ويقبض منه راتبه في نهاية الشهر، والذي يحتفظ لدى بنوكه بودائعه، ويتقاضى منه راتبه التقاعدي، ويصدر منتجاته الصناعية والزراعية لتبقى الدورة الاقتصادية تدور، لذلك فإن على قياداته في مواقعها المختلفة أن تتوخى الحذر، فعولمة الإعلام أدخلت الفضائيات إلى البيوت، وكذلك عولمة الاقتصادات، صغيرها وكبيرها، من أسعار الصرف، وإيداعات لدى البنوك، وأدوات الاستثمار العالمي في بورصاتها وأسواقها، وعلاقات التعاون الدولي وقدرة الدول على الاستمرار بتقديم المنح، واستقرار الطلب على صادراتنا من فوسفات وبوتاس وأدوية ومنتجات مناطق مؤهلة، وكذلك سياحة متوقع أن يضعف زخمها، وكذلك سوق العقار ولدينا العديد من شركات الاستثمار العقاري ومشاريعها ومديونيتها للبنوك، بينما مؤشرات التراجع لدينا بدأت ظاهرة واضحة.

**

قصة الانهيار الكبير في العاشر من آب 2007

تفجرت الشرارة الأولى لما يعرف بأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأميركية، أكبر الاقتصاديات العالمية، في العاشر من آب (أغسطس) 2007، لتمنى الورقة الخضراء بمزيد من الخسائر أمام العملات الرئيسية، ويبدأ وجه العالم المالي في التغير وتتكشف ملامحه الجديدة رويداً رويداً.

 وقد بدأت النتائج بالتكشف، إذ اقتفت الأسهم المطروحة في الأسواق الآسيوية ومنطقة المحيط الهادي أثر نظيرتها الأميركية والأوروبية في الهبوط بفعل الخسائر في سوق قروض الرهن العقاري الأميركية عالية المخاطر، مع تراجع معظم المؤشرات القياسية للبورصات لتفقد أكثر من 2 في المئة في ذلك اليوم.

 وقد شهد ذلك التاريخ تسجيل أضرار كبيرة بحق شركات التصدير الآسيوية مثل: تويوتا موتور كورب، وسامسونغ إلكترونيكس بفعل المخاوف بشأن الخسائر المتعلقة بسوق الرهن العقاري الأميركية.

 وهو ما دفع البيت الأبيض للتحرك في حينه، ضمن خطة جديدة تسعى لإنقاذ سوق الرهن العقاري، في ظل تخوف أوساط المستثمرين من تأثير سوق العقارات على ضعف الأداء الاقتصادي.  

وقضت خطة الرئيس بوش بإعادة جدولة ديون الرهن العقاري لأكثر من مليون أميركي، وتجميد سعر الفائدة على الدين لمدة خمسة أعوام. لكن الخطة لم تغط إلا القروض العقارية التي أبرمت ما بين عامي 2005 و2007. 

وهوت الأسهم الأميركية والأوروبية خلال الأيام التالية لتفجر الأزمة على خلفية المخاوف من أن تلك الخسائر في السوق الأميركية، قد تؤدي إلى أزمة ائتمانية وتباطؤ للنمو الاقتصادي في أنحاء العالم كافة.  

وكان أكثر المؤشرات هبوطاً في المنطقة هو مؤشر كوسبي لبورصة كوريا الجنوبية، الذي تراجع بنسبة 4.2 في المئة، ليغلق على 1828 نقطة في أكبر هبوط له منذ ثلاث سنوات في ذلك الحين.

 وفي طوكيو، انخفض مؤشر نيكاي القياسي المؤلف من 225 سهما بمقدار 406 نقاط، ما دفع بنك اليابان المركزي لضخ تريليون ين، وهو ما يعادل 8.5 بليون دولار، في سوق النقد بعد أن قامت البنوك المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا بضخ سيولة في الأسواق من أجل الحد من اضطراب سوق قروض الرهن العقاري عالية المخاطر في الأسواق المالية العالمية.

 كما سعى مسؤولون يابانيون إلى تهدئة مخاوف المستثمرين، وقال وزير المالية الهندي، كوجي أومي: «إن الاقتصاد العالمي عموماً قوي، كما أن الاقتصاد الياباني يواصل نموه بشكل ثابت». وأضاف أن الحكومة سوف تستمر في متابعة تطورات السوق العالمية عن كثب.

 وفي استراليا، سجلت الأسهم في العاشر من آب 2007 أكبر خسارة لها منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) العام 2001 على الولايات المتحدة، ليتراجع المؤشر العام للبورصة بمقدار 222 نقطة أو ما يوازي 3.7 في المئة ويغلق على 5924 نقطة. 

 وكانت البنوك المركزية ضخت في شتى أنحاء العالم ما لا يقل عن 326 بليون دولار خلال الثماني والأربعين ساعة اللاحقة للعاشر من آب 2007 في أسواق المال التي عصفت بها مشكلات في بنوك وصناديق معرضة لخسائر من قروض متعسرة في قطاع التمويل العقاري الأميركي.

عدوى “أنفلونزا” الاقتصاد الأميركي تنتقل إلى بقية الاقتصادات
 
25-Sep-2008
 
العدد 45