العدد 45 - أردني
 

السجل - خاص

من أهم مزايا الجامعات الخاصة أنها تبقي الأستاذ الجامعي «ينام بعيون مفتوحة»، كونه «لم يدخل دار أبي سفيان لينام آمناً مطمئناً». هذا ما يقوله أكاديمي أمضى قرابة العقد من الزمن في إحدى الجامعات الخاصة.

الأغلبية الساحقة من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الخاصة يعيشون في حالة قلق داخلي مستمر، وفقاً للأكاديمي الذي فضّل عدم نشر اسمه، لأن عقودهم سنوية، وليس أمامهم فرصة للحصول على «التثبيت» (Tenure) في التعيين، ما يجعلهم ينتظرون بفارغ الصبر في نهاية كل عام دراسي كي يعرفوا ما إذا كانت إدارة الجامعة -أو بالأحرى، الجهة المالكة- ستوافق على استمرارهم في العمل الجامعي سنة أخرى، أم لا؟

التجديد أو عدم التجديد لا يخضع في معظم الأحيان لضوابط واضحة، يقول الأكاديمي، ويضيف: «إنه يُقَرّ على أسس قد تكون في أحيان كثيرة مزاجية أو شخصية.»

في أيار/مايو 2007 أنهت إحدى الجامعة الخاصة عقود 35 أستاذاً فيها، جملةً واحدة، دون تقديم مبررات منطقية لاتخاذ مثل هذا القرار، وهو إجراء رأى فيه أكاديميون دليلاً على تغوّل رأس المال على التعليم.

شهدت التجربة الأردنية انتقال تجار وعاملين في قطاع المقاولات إلى الاستثمار في التعليم العالي، بما يتيح لهم أن يصبحوا «أصحاب جامعات». التجربة نفسها كشفت أن الأكاديميين أنفسهم حين انتقلوا إلى مواقع «أصحاب الجامعات»، لم يختلف الأمر كثيراً في ما يتعلق بأولوية التفكير لتحقيق أكبر نسبة من الربح والكسب السريع، حتى لو أدى ذلك إلى عدم توفير الحد الأدنى من المستلزمات النوعية لبناء برامج أكاديمية مقبولة، والاكتفاء بالتوسع الكمي دون التركيز على النوعية، مما يعكس قصوراً شديداً في إدراك مدى الحاجة المجتمعية للمساهمات الفاعلة لهذه البرامج في العملية التنموية.

في غالبية الجامعات الخاصة ظل حافز الربح بمثابة المنافس الأقوى لحافز الجودة، ما أدى إلى عزوف هذه الجامعات عن الاهتمام بدعم الأبحاث، وغياب اهتمامها بالتميز في تخصصاتها، وأصبح همُّها الرئيس ينصبّ على زيادة عدد الطلبة من دافعي الرسوم، وتخفيض النفقات إلى أقل حد ممكن. «تلك الجامعات بحاجة إلى تطوير جدّي في مستوياتها، ويجب عليها أن تنتهج فلسفة وتتبنى سياسة تضع الصالح العام في مقدمة أولوياتها»، يقول الأكاديمي.

إضافة إلى ما سبق، هناك جامعات خاصة لا تطبق فكرة التفرغ الجامعي (Sabbatical)، حتى لأعضاء هيئة التدريس الذين عملوا فيها لسنوات طويلة. وفي الوقت الذي يتدخل فيه مجلس التعليم العالي وهيئة الاعتماد، في «كل ما هبّ ودبّ من شؤون هذه الجامعات»، إلا أنهما لا يتدخلان في قضايا حيوية متعلقة بتنمية القدرات العلمية لأعضاء الهيئة التدريسية. يوضح الأكاديمي: «يبدو أن هذا الأمر ليس في سلّم أولويتهما، كما أن الدعم المالي للبحث العلمي وعقد المؤتمرات العلمية وابتعاث الطلبة محدود جداً، ولا يؤخذ بالجدّية اللازمة».

يقرّ الأكاديمي أن الظروف السلبية التي تحيط بعمل أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الخاصة «لا تتيح لهم التفرغ الجاد للتدريس والبحث العلمي»، وتقود إلى جو محبط، الأمر الذي لا تتعزز معه فكرة «الانتماء» إلى هذه الجامعة أو تلك. لهذه الأسباب فإن ظاهرة «التنقل» (Mobility) بين أساتذة الجامعات الخاصة متفشية، بحثاً عن ظروف عمل أفضل ورواتب مجزية أكثر.

الأكاديمي نفسه، يرى أن على الدولة أن تعمل في تشريعاتها لـ»الحدّ من تدخل أصحاب المال المباشر في شؤون الجامعات»، ويدعو إلى إرساء أعراف وتقاليد جامعية كما هو معمول به في دول أخرى، وبعضها دول نامية. «لا يمكن أين يتحقق ذلك إلا بإيجاد ضوابط قانونية تضمن إيجاد علاقة متوازنة بين قوى المال وإدارة الجامعة، والحفاظ على استقلالية القرار الأكاديمي ووضع التشريعات اللازمة لتحقيق ذلك»، يختتم الأكاديمي حديثه، آملاً أن يأتي يوم تناقَش فيه هذه القضية على محمل الجدّ، وتتحول التوصيات بشأنها إلى حقائق ملموسة، للرقي بالتعليم الجامعي الخاص في الأردن.

قوى المال تعرقل استقلالية القرار الأكاديمي
 
25-Sep-2008
 
العدد 45