العدد 45 - أردني
 

محمد عدي الريماوي

بعد انتهاء مرحلة الثانوية العامة (التوجيهي)، يتسابق الطلبة للحصول على مقعد جامعي في هذه الجامعة أو تلك، وعادة ما يضطر الطالب لاختيار تخصص يناسب معدله العام، وليس بالضرورة رغبته، وقد يأتي اختياره لأسباب عملية بحتة، كأن تكون جامعته قريبة من مكان سكنه، فتدخل إلى الجامعات أعداد كبيرة من الطلبة الذين يدرسون تخصصات تخالف رغباتهم، فتكون النتيجة أن يتجه هؤلاء بعد تخرجهم إلى العمل في مجالات مختلفة، ويتركون ما تعلموه خلال سنوات دراستهم، مما يساهم في تقليل جودة العمل وفي كفاءتهم في الوقت نفسه.

هنا يظهر ما يسمى "التعليم الوسيط"، الذي يعتبر مكملاً للمرحلة الثانوية أو ربما بديلاً لها؛ فمن خلاله يتم فرز الطلبة وتحديد توجهاتهم، فتكون هناك مساقات محددة يختارها الطالب للدراسة، وعلى أساسها يصل إلى التخصص المرغوب والمناسب له. ويعمل على تقسيم هذا النوع من التعليم إلى أكاديمي ومهني، مما يعيد الاعتبار إلى التعليم المهني الذي يفتقد الحظوة في نظامنا التعليمي، وبالرغم من أهميته وقدرته على تخريج طلبة متميزين، فما زالت النظرة لهذا الفرع، نظرة دونية بالنسبة للتعليم الأكاديمي. وإلى جانب ذلك يعمل على فرز توجهات الطلبة من علمية وأدبية، حتى يأخذ طلاب العلمي حقهم، فهناك الكثير ممن حرموا دراسة ما يرغبون به بسبب تقصيرهم في بعض المواد الأدبية في التوجيهي، رغم تفوقهم في المواد العلمية.

يرى فوزي غرايبة أن لهذا النظام شقين: الشق الأول يتضمن كليات المجتمع التي يفترض أن يكون التعليم فيها مهنياً وبعيد عن الأكاديمية، لتخريج الطلبة الراغبين بهذا المجال، وهناك ما يسمى بـ"Junior College" أو الكليات الصغيرة، التي ترتبط برامجها ببرامج الجامعات، فيدرس فيها الطالب سنتين ويقرر بعدها إكمال دراسته في الجامعة أو الانطلاق إلى سوق العمل، وتكون بمثابة المقدمة قبل دخول الطالب إلى الجامعة، ويدرس فيها المواد الأولية للتخصص الذي يرغب في دراسته، "ولتبني مثل هذا النظام في الأردن، يجب العمل على التنسيق بين المؤسسات التعليمية المختلفة، فتكون هناك حلقة أولى لكليات المجتمع وحلقة أخرى للجامعات، وحلقة للدراسات العليا الجامعية. ومن الممكن إنشاء كليات مجتمع في مختلف محافظات المملكة، لتخريج الطلبة منها قبل الدخول إلى الجامعات، ولا نكون وقتها بحاجة لهذا العدد الكبير من الجامعات في الأردن"، يقول غرايبة.

وتعد تجربة كليات المجتمع من أولى التجارب المحلية التي تتيح للطالب الذي فاته قطار دراسة تخصص يرغبه للتعويض عما فاته، فيعمد كثير من الطلبة إلى الدراسة لمدة عامين في إحدى كليات المجتمع، ثم تقديم الامتحان "الشامل" في نهاية دراسته، ومن ثم تصبح الفرصة مهيأة أمامه للقيام بعملية "تجسير"، أي عملية الانتقال إلى الجامعات الحكومية لمتابعة التخصصات التي يرغب فيها. ولكن من الواضح أن هذه التجربة في طريقها إلى الزوال، وبخاصة مع صدور توصيات لخفض نسبة من يحق لهم التجسير في الجامعات، وهي توصيات تتزامن مع ما تم أخيرا من تخفيض لمعدلات القبول الجامعية، في الجامعات الحكومية والخاصة على السواء، وذلك حتى يكون الانتقال مباشراً لجميع الطلبة من التوجيهي إلى الجامعة.

يقول عصام النقيب، المنسق الإقليمي لمشروع التعليم العالي بالمكتب الإقليمي العربي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن إيجاد نظام متماسك للتعليم الوسيط يحتاج لرؤية من الدولة، وإنه يجب تنظيم هذه المرحلة التعليمية قبل البدء بإنشائها، من خلال تحديد الأهداف والرؤى الواضحة لها، حتى لا تكون هذه مرحلة جديدة من تعقيد التعليم، وتعود بآثار سلبية على النظام التعليمي في الأردن، بدلاً من الآثار الإيجابية. "ما نسعى له من خلال التعليم هو تخريج قيادات، وإيجاد جيل جديد قادر على النهضة بالبلاد، وليس فرض المقاييس الربحية على التعليم". وذكر أن التعليم الجامعي ليس تعليماً أكاديمياً فقط، بل إن التعليم المهني يجب أن يجد مكاناً له في الجامعات أيضا، فضلا عن العمل على تطويره من خلال نظام التعليم الوسيط.

وهناك أيضاً "المواد الاستدراكية" التي تعتبر من التطبيقات الأولية على نظام التعليم الوسيط، وهي مواد تحضيرية تحتوي على أساسيات بعض العلوم، فيشترط مثلاً على طلبة إدارة المعلومات الذين يقدمون امتحان التوجيهي الراغبين في دراسة الهندسة، دراسة بعض المساقات التحضيرية لمواد الفيزياء والكيمياء قبل الدخول في التخصص، وتعد المواد الاستدراكية للغة الإنجليزية والحاسوب، الموجودة في كل الجامعات مساعدة لهذا النوع من التعليم. ويمكن العمل على تطوير هذه المواد وزيادتها حتى تكون عاملاً مساعداً وانطلاقة للطلبة، قبل دراستهم لتخصصات لا يعرفون الكثير عنها، فتساهم هذه المواد في سد الفجوة بين التعليم الثانوي والجامعي.

وبهذا، فمن الممكن أن يكون تطبيق نظام التعليم الوسيط طريقا للوصول إلى حل كثير من المشاكل المتعلقة بالقبول الجامعي والتعليم العالي، وإيجاد صيغة سليمة ومناسبة للانتقال من المرحلة الثانوية إلى الدراسة الجامعية، ومن خلال التعاون بين المؤسسات التعليمية الحكومية، تنبثق رؤية رسمية واضحة لإنشاء صيغة للتعليم الوسيط في الأردن.

التعليم الوسيط: طريق بديلة تصل المرحلة الثانوية بالدراسة الجامعية
 
25-Sep-2008
 
العدد 45