العدد 45 - أردني
 

نور العمد

بإدخالها نظام التعليم الموازي والبرامج الدولية والمسائية ضمن أنظمتها مؤخراً، خلقت الجامعات الحكومية جامعات خاصة افتراضية في رحابها، ما ألقى ظلالا من الشك على جدوى نوعية التعليم التي تقدمها هذه الجامعات الإضافية بطلبتها العديدين.

السبب المعلن للجوء هذه الجامعات لاستقبال أعداد كبيرة من الطلبة في نظام التعليم الموازي، على الرغم من عدم وجود ما يكفي من البنية التحتية القادرة على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة من الطلبة الموازي والدولي، يعود إلى خفض الدعم الحكومي المقدم للجامعات خلال السنوات السابقة، حيث جهدت الجامعات في البحث عن آلية تحد من لجوئها للاقتراض الذي رتب على كاهلها مديونية بلغت قيمتها الإجمالية 125 مليون دينار حتى العام 2007. السبب مادي، إذاً، وهو تحقيق ربح من خلال عملية تعليمية رسمية. بكلمات أخرى من خلال تحويل التعليم الرسمي إلى سلعة.

ومنذ العام 2003 بدأت الجامعات الرسمية في تحقيق أرباح في ميزانياتها من خلال برامج التعليم الإضافية المختلفة: الموازي والمسائي والدولي. وبخاصة بعد رفع رسوم الدراسة فيها؛ فعلى سبيل المثال حققت الجامعة الأردنية فائضا في ميزانيتها لعام 2003 قدر بنحو ثمانية ملايين ومائتي ألف دينار، وفقا لتقرير أصدرته الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة "ذبحتونا" العام 2007.

وبرر أصحاب الرأي القائل بضرورة إدخال هذه البرامج التعليمية في الجامعات الرسمية، بالحاجة إلى مزيد من المال لرفد موازنات الجامعات الرسمية كونها تواجه خللاً يمثله الفرق بين إيراداتها ونفقاتها.

فوزي غرايبة، رئيس الجامعة الأردنية الأسبق، يرى أن "الدافع وراء اعتماد هذه البرامج يعود إلى شح الموارد المالية." وذلك مع تزايد عدد الجامعات الرسمية في موازاة تناقص الدعم الحكومي، وهو ما "اضطر الجامعات إلى البحث عن وسائل لتعويض ما نقص عليها لتمويل احتياجاتها، من خلال إنشاء خليط من هذه البرامج، وكلها تعتبر برامج خارجة عن الأنظمة، لكنها أتاحت فرصا إضافية للطلبة للالتحاق بالجامعات ووفرت في الوقت ذاته موارد مالية إضافية لهذه المؤسسات التعليمية".

إلا أن الغرايبة يأخذ على هذه الأنظمة ما نلمسه من إشكال دستوري فيها، يشرح الغرايبة: "التمييز الذي تفرضه هذه الأنظمة لصالح القدرة المالية للطلاب على حساب قدراتهم الذهنية، وهو ما قد لا يكون دستوريا، فالأصل أن يكون الجميع سواسية في مجال التعليم. لكن ما يحدث هو أن هذه الأنظمة توفر التعليم لفئات قادرة ماليا على حساب أخرى غير قادرة على توفير الأقساط الجامعية". وأكد أن "معظم الجامعات أصبحت تضم أعداداً إضافية من الطلبة، ما شكل زيادة في أعداد الطلبة قد تكون سرطانية، في ظل محدودية الموارد والكوادر التدريسية في الجامعات الرسمية.

أمين عبد الله محمود، رئيس جامعة البترا الأسبق، اتفق مع ما قاله فوزي غرايبة من أن إدخال هذه الأنظمة على الجامعات الرسمية، والتي أصبحت جزءا من الجامعات الخاصة، كان بهدف الربح المادي، «الجامعات تعتمد هذا النظام، دون النظر إلى ضرورة زيادة أعداد الكوادر التدريسية والطاقة الاستيعابية المؤهلة لاستقبال أعداد كبيرة من الطلبة، وهذا الأمر بالتالي ينعكس على نوعية التعليم»، كما يقول محمود.

ولا يستبعد محمود أن يكون هذا النظام قد نجح فعلاً، ولكنه في الوقت ذاته أثر في صورة كبيرة في نوعية التعليم، على حد قوله، مقترحا حلا لاستقطاب تمويل إضافي للجامعات الرسمية، وذلك من خلال «إنشاء صناديق استثمار تعطي الجامعات فرصة للاستثمار، كما هو الحال في الجامعات الغربية، أي أن يكون في استطاعة الجامعات الرسمية، في مرحلة معينة، أن تلجأ لفتح عدد من الفروع لها في الدول العربية المجاورة بهدف المساهمة في حل مشكلة التعليم في ذلك البلد وضمان دخل إضافي للجامعات في الوقت نفسه».

بدوره يرى فوزي غرايبة الحل في أن تقوم الحكومة بتوفير الموارد المالية بالطريقة التي تقوم بها الدول الرأسمالية مثل الولايات المتحدة: «لا بد أن تترك لإدارات الجامعات أان تقوم بعملها وترفع الرسوم الجامعية بحيث تعادل كلفتها، بالإضافة إلى تخصيص صندوق لتعليم الطلبة المقبولين وغير المقتدرين لدعمهم».

ولكنه يرى في الوقت ذاته أن الحكومة لا تريد أن تقوم بهذا الدور، حتى تبقى الجامعات تحت سيطرتها؛ تعين فيها من تشاء وتقيل من تشاء من إدارات الجامعات الرسمية.

المسجل العام، مدير القبول والتسجيل بالجامعة الأردنية، عماد صلاح، أعلن عن قبول نحو 2000 طالب وطالبة في الجامعة الأردنية في هذه الأنظمة للعام الجاري، وذلك عدا عن المقبولين في باقي الجامعات الرسمية. وأوضح في تصريحات صحفية له أن الجامعة فتحت باب التنافس للطلبة من خلال معدلاتهم والتخصصات التي يرغبون بالالتحاق بها، حيث شمل القيول معظم تخصصات الجامعة وفق معادلة تنافسية جمعت الطلبة المتقدمين كافة.

ووفقا لأخبار صحفية نشرت حول الموضوع، فإن مجلس التعليم درس جديا إلغاء البرامج الإضافية في الجامعات الرسمية، الموازي والمسائي، بحيث يرتبط هذا الإلغاء برفع ملموس للرسوم الجامعية للتخصصات كافة، ولكن على أرض الواقع بقيت البرامج كما هي عليه، بل إن الرسوم الجامعية شهدت ارتفاعا جديدا.

أنظمة “الموازي” و“الدولي” و“المسائي”: جامعات افتراضية في قلب “الرسمية”
 
25-Sep-2008
 
العدد 45