العدد 45 - أردني
 

نهاد الجريري

تعرف الموسوعة الإلكترونية الحرة (ويكيبيديا) الاعتماد بأنه "نوع من ضمان الجودة، تخضع بموجبه خدمات وعمليات مؤسسة تعليمية، أو برنامج تعليمي، للتقييم بواسطة هيئة خارجية". الاعتماد، إذاً، هو محصلة لتقييم محايد لا يقتصر على البنية التحتية والخدمية، وإنما يتعداه إلى صلب العملية التعليمية. وهو بهذا يختلف عن المفهوم الدارج الذي ينحصر في إطلاق صفة "معتمد" أو "معترف به" على الجامعات الأهلية تحديدا.

هذا المفهوم الأخير بقي، حتى العام الماضي فقط، مسيطرا على عمل الجهات التي اضطلعت بمهمة "الاعتماد" منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي، مع التأسيس لأول جامعة أهلية في المملكة، هي جامعة عمان الأهلية 1990/1991. وفي آذار 2007 صدر قانون هيئات اعتماد مؤسسات التعليم العالي، الذي لم يفرق بين الرسمية والخاصة في تعريفه لاعتماد المؤسسة التعليمية.

علي ياغي، المدير المساعد لمشروع الأمم المتحدة لضمان جودة التعليم العالي، يرى أن "الاعتماد" المعمول به في الأردن لا يتجاوز من حيث الآلية والتطبيق حدود الترخيص. ويقول: "من الخطأ أن نطلق على ما يجري اعتمادا، بل هو ترخيص أو "checklist". وهنا، يشير ياغي إلى "قائمة" ببنود مطلوبة بموجب الاعتماد العام تتمثل في توافر بنية تحتية تتناسب مع عدد الطلبة في الجامعة. فمثلا، يجب توفير ثمانية أمتار مربعة من المساحة الفارغة كساحة أو متنفس لكل طالب، كما يجب أن يتوافر فيها حمامان في كل طابق، ويجب أن يتوافر مختبر لكل 40 طالباً. أما الاعتماد الخاص، فيتطرق للخطة الدراسية لكل برنامج، وما يتعلق بها من تحديد نسبة أو ساعات تقدم بوصفها مواد حرة أو متطلبات جامعة أو كلية أو قسم. بالإضافة إلى توافر عدد من أعضاء هيئة التدريس يتناسب مع عدد الطلبة؛ فمثلا في التخصصات النظرية تكون نسبة أعضاء هيئة التدريس إلى الطلبة 1 : 30 وفي التخصصات العلمية 1 :20 أما التخصصات الطبية فهي 1: 15 وهنا يلفت ياغي إلى أن التحقق من هذه المتطلبات أمر جيد "للشكل الخارجي للاعتماد"، إلا أن "توافر الشيء لا يعني وجود نتائج ممتازة"، وهو ما يجب أن يؤخذ به في الحصيلة النهائية للاعتماد. فمثلا، وجود مكتبة تتوافر فيها الشروط والمتطلبات كافة يجب ألا يعتبر أمرا حاسما في الاعتماد، إذا كانت ساعات الدوام فيها من 8 صباحا حتى 4 بعد الظهر، "وهي الفترة التي ينشغل فيها الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية"؛ وعلى هذا يمكن القياس فيما يتعلق بالهيئة التدريسية؛ فتوافر العدد المطلوب من حملة الدكتوراه لا يعطي مؤشرا على كفاءتهم وتطورهم واطلاعهم على كل ما هو حديث.

في هذا المجال، اكتفت معايير الاعتماد، المنشورة في الموقع الإلكتروني لهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي بالإشارة إلى ضرورة "مشاركة أعضاء هيئة التدريس في التأليف والنشر والترجمة، بحيث يطلب نشاط واحد على الأقل من كل عضو هيئة تدريس كل عامين،" وفي بند آخر يشير الموقع إلى "مشاركة أعضاء هيئة التدريس في المؤتمرات العلمية والندوات والبرامج التدريبية والاستشارات المحلية والعالمية، بحيث يطلب نشاط واحد على الأقل، مما ذكر من كل عضو هيئة التدريس سنوياً".

في جانب آخر، يرى أمين محمود وزير الثقافة الأسبق والذي رأس عدداً من الجامعات الأهلية، أن التركيز على حملة الدكتوراه دون النظر الى الخبرة العملية، يؤدي إلى تقييد الأقسام في تصميم مناهجها الدراسية، فقد يحرم مبدعون فنانون ومعماريون ومصممون من العملية التدريسية، لأنهم لا يحملون شهادات عليا في الفنون التشكيلية والموسيقى والمسرح والتصميم الصناعي والداخلي والغرافيكي، على سبيل المثال.

إلا أن أشد مثالب عملية الاعتماد في الأردن، بحسب محمود، هو عدم استقلالية الجهة المعنية بهذه الوظيفة. "هذه غلطة في قانون الاعتماد، فلا يجوز أن يقوم الوزير، وهو هنا وزير التعليم العالي، بالتنسيب بتعيين رئيس مجلس الاعتماد، يجب ابتعاد الوزارة نهائيا عن المجلس." وهنا لا بد من الإشارة إلى التقدم الذي طرأ باتجاه الحفاظ على استقلالية هيئة الاعتماد. قانون التعليم العالي والبحث العلمي رقم 4 لسنة 2005، ينص على أن يتولى وزير التعليم العالي رئاسة مجلس الاعتماد؛ أما القانون المعمول به الآن، وهو القانون رقم 20 لسنة 2007، فيشير إلى إنشاء هيئة اعتماد لمؤسسات التعليم العالي بحيث "تتمتع بشخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري." إلا أن ارتباطها يظل بوزير التعليم العالي الذي يقوم بتنسيب مجلس الهيئة ورئيس المجلس. "لا يصلح الحال إلا إذا ابتعدت الدولة عن الرقابة واكتفت بدورها المنظم والمنسق،" يقول محمود. ويقترح أن تتألف الهيئة من أردنيين يحملون شهادة الدكتوراه بغض النظر عما إذا كانوا يعملون في المملكة أو خارجها؛ بالإضافة إلى تعيين أعضاء من ذوي الخبرة وليس بالضرورة من حملة الدكتوراه، فقد يكونون من المهتمين بالعملية التعليمية من النقابات أو مؤسسات المجتمع المدني. هذا المجلس ينتخب رئيساً، الأمر الذي يعزز حياد هذه الهيئة. ولا تكتمل استقلالية الهيئة المعنية بالاعتماد إلا بإشهار نتائج تقييم علمي محايد يجب أن يكون أساساً للاعتماد.

عصام النقيب، المنسق الإقليمي لمشروع التعليم العالي بالمكتب الإقليمي العربي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يلفت إلى أن قرار الاعتماد والتقييم في المملكة يأتي من جهة واحدة هي هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي. ويتساءل: "كيف يكون القاضي والمتهم شخصاً واحداً؟" مشدداً على ضرورة الفصل بين الاعتماد والتقييم. ويستشهد بأن دولة مثل: بريطانيا توكل مهمة قياس الجودة إلى وكالة مستقلة تماماً ترفع توصياتها للحكومة التي تأخذ، بدورها، بهذه التوصيات في تحديد الميزانية المخصصة لكل جامعة أو برنامج فيها، فالتقييم ليس فقط أساس الاعتماد وإنما أساس التمويل الحكومي.

لم تشهد الجامعات الأردنية، لا الأهلية ولا الحكومية، تقييماً مستقلاً وشاملاً بهذا المعنى؛ وذلك باستثناء ما قام به صندوق الحسين للتميّز الذي بدأ في 2002 مشروعاً لتقييم برامج مختارة في جامعات حكومية وأهلية. المشروع تطور وعمم على المستوى العربي وبرعاية من الأمم المتحدة. وقد تم حتى الآن تقييم 4 برامج في جامعات أردنية وعربية هي: تقنية المعلومات IT، إدارة الأعمال، الهندسة، والتربية. آلية التقييم التي تستمر 15 شهراً تركز على مخرجات العملية التعليمية ومدى اكتساب الخريج مهارات تؤهله للخروج إلى السوق والعمل في مجال دراسته والارتقاء في عمله. إلا أن أياً من النتائج لم تعلن إلى الآن، وذلك بناء على اتفاقية خاصة وقعتها الجهة المنفذة للتقييم مع الجامعات المختارة.

النقيب يشير إلى أن تجربة صندوق الحسين أبرزت تفوق جامعات لم تكن معروفة، مقابل إخفاق جامعات معروفة. لكنه في الوقت نفسه يلفت إلى أن بعض الجامعات الأردنية التي أخفقت في الوصول إلى مستويات عالمية مقبولة عند إجراء التقييم الأول لبرنامج تقنية المعلومات عملت على تحسين أدائها وزيادة إنفاقها على هذا المساق، الأمر الذي رفع درجاتها في المرة الثانية التي أجري فيها التقييم.

النقيب يعلّق "وجود جهة مستقلة محايدة ومهنية للتقييم، ونشر نتائج هذا التقييم سيفيد جميع الأطراف المعنية بالعملية التعليمية"، فهو من ناحية، سيشجع على التنافس بين المؤسسات التعليمية؛ أهلية كانت أم حكومية، كما سيحدد أوجه الإنفاق الحكومي فيما يتعلق بالجامعات الرسمية. ومن ناحية ثالثة سيوجه الطالب إلى الجامعة التي توفر أفضل برنامج للدراسة، بدلاً من أن يترك هذا التقييم للشارع وبحسب انطباعات فردية عن خريجين هنا أو هناك.

هنا، لا بد من الإشارة إلى أن قانون الاعتماد رقم 20 لسنة 2007، قد أحرز خطوة للأمام عندما نص صراحة على أن من بين مهام مجلس هيئة الاعتماد "تقييم مؤسسات التعليم العالي وجودة برامجها ومخرجاتها الأكاديمية والمهنية"، من دون أن يفرق في ذلك بين جامعة أهلية أو حكومية. لكن النص نفسه جاء مشفوعا بعبارة "ونشر ما يراه مناسبا"؛ الأمر الذي قد يعيدنا مرة أخرى إلى نقطة الصفر عندما تظل النتائج حبيسة الأدراج.

سياسة اعتماد الجامعات:عبارة واحدة تعيد الأمر لنقطة الصفر
 
25-Sep-2008
 
العدد 45