العدد 44 - أردني
 

أثرت حرارة الصيف على الوضع السياسي في البلاد، لدرجة أن التجاذبات السياسية والانتقادات، بدت أحيانا أكثر سخونة من لهيب الجو.

شهدت بدايات هذا الصيف اصطفافات وصراعات غير مسبوقة بين مراكز القوى في البلاد، مَثّل الاتجاه الأول رئيس الديوان الملكي باسم عوض الله والثاني المؤسسة الأمنية وسياسيون ونواب وأعيان.

كُرست الاصطفافات والتراشقات والسجالات بين مراكز القوى تلك، منذ أن انتشر الحديث عن بيع أراضٍ في عمان الغربية تبعها حديث عن نقل ميناء العقبة وبيع أرضه لجهة مطورة، وأخذت صحف يومية تميل لهذه الجهة أو تلك، الأمر الذي استدعى تدخل رأس الدولة الملك عبد الله من خلال لقاء مع (بترا) من أجل وقف صراع مراكز القوى ذاك.

تواصلت عملية الاصطفافات بعد أقل من شهر من لقاء الملك وتواصل الحديث عن قضايا أخرى مثل أهمية منح الحكومة كامل صلاحياتها دون تدخل من أحد، ومن ثم جاءت قضية عطاء العقبة المتعلق بزوجة رئيس المنطقة حسني أبو غيدا، وعطاءات المبادرة الملكية لسكن كريم لعيش كريم، وتبعها توقيف رئيس جامعة البلقاء التطبيقية، وقضية الاتجار بالبشر.

يوميات ومواقع إلكترونية وصحف أسبوعية، دخلت في أتون التجاذبات، فكتب كتاب فيها وحلل محللون، وتوقع محررون، وجرى تصنيف بعضها على طرف وبعضها على طرف آخر.

المفارقة أن الحكومة في الوقت الذي تتحدث فيه عن ولايتها الدستورية، فان إعلامها الرسمي غائب تماما عما يحدث، وكأن «العرس عند الجيران» وفق سياسي كبير.

وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال (وزير الإعلام) ناصر جودة تحدث كثيراً خلال الفترة الماضية عن أهمية توحيد المرجعيات الإعلامية، ولهذا تم تعيينه رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، بيد أن غيابه كان كاملاً عن المشهد الأسخن في التاريخ الأردني المعاصر.

يقول مدير المندوبين في «الغد» محمد سويدان: «إنه كان من الأجدر بجودة التقاط «المبادرة وقتل الاصطفافات والتراشقات في مهدها، من خلال الخروج للرأي العام وتوضيح حقيقة ما يجري من الألف إلى الياء» ويوضح أن «غيابه المتكرر وعدم رده على التساؤلات الصحفية أعاد من جديد خلق حالة من الفوضى والقيل والقال قلما شهدها المسرح السياسي الأردني».

ويقول «كان يمكن لوزير إعلام الحكومة أن يخرج للرأي العام في مؤتمر صحفي بحضور أبو غيدا، ويكشف حقيقة كل ما جرى في موضوع العطاء، ويوضح لماذا أوقفت الحكومة إحالته على مكتب عمان الهندسي العائد ملكيته لزوجة رئيس السلطة دون أن تقوم بفتح تحقيق في القضية والتوضيح إن كان وقف العطاء لشبهة فساد أم لا».

بالمجمل، فإن «وزير الإعلام» كان عليه حمل الملفات جميعها والخروج للصحافة والرأي العام بالتوضيحات المطلوبة، وأن يتم وضع الرأي العام بكل شفافية بحقيقة ما يجري وعند ذاك تتحمل الحكومة مسؤوليتها وتصبح بحق صاحبة الولاية الحقيقية.

غياب جودة، بطبيعة الحال تبعه غياب كامل للإعلام الرسمي الذي يشرف عليه ويرعاه وزير الاتصال والإعلام فوكالة بترا غابت عن المشهد بالكامل، والتلفزيون الأردني ابتعد عن الحدث «المحتدم» في الديار، و بدا قريباً مما يحدث في الصومال، وأفغانستان، و باكستان.

هذا الغياب المتواصل أثار علامات سؤال حول مدى شفافية الحكومة في التعامل مع القضايا المفصلية، فلو أن الحكومة تعاملت بشفافية مع القضايا المثارة كافة لتم وأد الإشاعات في مهدها.

كان يمكن للتلفزيون ووكالة بترا القيام بتحقيقات استقصائية بعيداً عن الاصطفافات وتقديم الحقيقة كاملة للمواطن دون رتوش أو مواقف مسبقة، كما أن (بترا) كان يجدر بها أن تكون أكثر تماساً في الحدث وليس ناقلة لخبر هنا أو موضوع هناك.

الفترة الماضية أثارت تساؤلات أبرزها مدى قدرة الإعلام الرسمي على الاستفادة من نقل ما يحدث، أو المساهمة في رفع سقف الحريات في البلاد، ومدى استعداد القائمين على تلك المؤسسات في التعامل كمؤسسات إعلامية للدولة ككل وليس للحكومات التي تذهب وتجيء.

تخلى الإعلام الرسمي عن دوره بالكامل ووقف خلف الباب «يتفرج» وينتظر ما ستسفر عنه نتيجة الصراع، هذا الموقف السلبي يتناقض بالكامل مع الدور الحقيقي الذي كان يجب على الإعلام أن يلعبه من خلال القيام بتحقيقات استقصائية وميدانية وتقديم حوارات معمقة حول القضايا المطروحة كافة وعدم إفساح المجال لأي وسيلة إعلام لأخذ الوطن بالاتجاه الذي ترغب به هي أو يرغب به من يدعم هذه الوسيلة أو تلك.

بهذا غيب الإعلام الرسمي خلال الفترة المنصرفة بيانات لنقابات وأحزاب ونواب دعوا فيها لعدم الدخول في معركة التجاذبات والانتقال من مرحلة الشد والجذب الى مرحلة العمل والبناء والتحذير من تأثير تلك المساجلات على الوحدة الوطنية، بعد أن برزت أصوات تخوض في تلك القضية بوضوح.

بيانات عدة ومواقف كثيرة لم تجد لها وسيلة عبر (بترا) أو من خلال التلفزيون أو الإذاعة، بل إن رقابة الإعلام الرسمي نفسه طالت وزراء في الحكومة.

فـ(بترا) تجاوزت تصريحات وزير الخارجية، صلاح الدين البشير، التي أدلى بها خلال اجتماعه بلجنة الحريات العامة وحقوق المواطنين، حول قضية «الاتجار بالبشر» والتي نفى فيها ورود معلومات حول رفع قضية على شركة أردنية في محاكم أميركية. اكتفت (بترا) بإظهار التصريحات التي نفت عدم وجود إشكالية مع أندونيسيا، أو احتجاز مواطنين أردنيين من قبل السلطات هناك.

صمت الإعلام الرسمي، انعكس على هاتف «وزير الإعلام» الذي لم يجب عن اتصالات «السّجل» المتكررة للإجابة عن أسئلتها والوقوف على رأيه حول الصمت الحكومي عما يجري.

النائب عبد الله الغرايبة، لاحظ غياب الحكومة والإعلام الرسمي عن التجاذبات التي تحدث، وفي هذا تساءل: «لماذا صمتت الحكومة، ولماذا ما زالت تعتصم بالصمت عما يجري، لماذا لا تقول رأياً قانونياً أو تتخذ إجراء بهذا الاتجاه حول القضايا التي يتم تداولها؟!».

يدعو الغرايبة الحكومة لإحالة أي قضية تحمل شبهة فساد للقضاء ولا تكتفي بوقفها، ويتساءل: «لماذا لم تقم الحكومة بمثل ذاك الإجراء ولم توضح للناس ما دعاها لاتخاذ قرار وقف عطاء العقبة، دون أن تقوم بتسبيب القرار؟!».

«لماذا الصمت وترك المجال لمتسابقين في ميدان السباحة دون حوض سباحة؟» حاثاً الإعلام الرسمي على التصدي لجزء كبير من تلك المشاكل.

وزير الإعلام اختفى خلال الفترة الماضية بالكامل. هذا الأمر استدعى شكاوى متواصلة من قبل صحفيين ومواقع إخبارية بسبب عدم رد جوده على هاتفه. موقع «سرايا» الإخباري اتهم ناصر جودة «بتفسيخ وشرذمة الإعلام وليس توحيد صفوفه». وفق بيان أصدره الموقع وأرسل نسخة منه لرئيس الوزراء.

بيان «سرايا» ذكر أن جودة لا يرد على الاتصالات الهاتفية من الزملاء ولا يتواصل مع الإعلاميين في أي قضية يستفسرون عنها».

محمود المجالي من قناة «العربية» كتب مقالا حول التلفزيون الأردني والإعلام الرسمي خلص فيه إلى أن «التلفزيون الأردني ومن ورائه الإعلام الرسمي يعيش خلطة عجيبة، لأن الحكومات لم تقرر بعد ما إذا كان مهما بالنسبة لها أو لا، على خلاف باقي الدول التي عرفت فعلا كيف تستثمر فيه وفي كل المجالات».

الإعلام الرسمي غائب عما يحدث يوازيه غياب "لوزير الإعلام" عن المشهد بكامله، مما لا يتوافق مع المطالبات بمنحها الولاية الدستورية الكاملة.

الإعلام الرسمي ينأى عن القضايا الأكثر أهمية: غياب يُلقي ظلالاً على مبدأ
 
18-Sep-2008
 
العدد 44