العدد 1 - ثقافي
 

يستخدم على نطاق واسع تعبير «المشهد» للتدليل على الحياة الثقافية المحلية. والتعبير اتفاقي أو تقريبي، ويقصد به المظاهر والظواهر العامة، كأجيال المبدعين والأجناس الأدبية والمواسم المسرحية والحراك التشكيلي، والمنابر من مجلات ورابطة كتاب وملاحق ثقافية للصحف ومجمل المنتوج الثقافي، وسوى ذلك من مظاهر معهودة أضيفت اليها مظاهر جديدة، مثل نشوء اتحاد كتاب الإنترنت العرب بمبادرة اردنية، وحفلات تواقيع الكتب الجديدة ونشوء نظام التفرغ الابداعي، وما يتخلل ذلك من مستجدات تطرأ بين الحين والآخر، دون أن يكون بين هذه المستجدات مثلاً نشوء حوار مفتوح أو تراسل ملحوظ بين الفاعلين الثقافيين، من مبدعين ونقاد ومحررين.

ما تم التواضع على تسميته ب«المشهد» يشهد منذ أمد غير قصير، ركوداً مزمناً رغم أنه لا يخلو من حيوية.وقد يبدو في الأمر تناقض، وهو كذلك.فالحياة الثقافيةالأردنية لا تتسم بتراكم يذكر، ولا تؤسس لتقاليد متطورة، ولا تقيم اتصالاً وتفاعلاً حياً لا مع جمهرة القارئين والمتلقين في الداخل ولا مع العالم العربي ناهيك عن العالم. والبادي أن ما تقدم ذكره مرشح للاستمرار و«التفاقم»، رغم زيادة المنتوج وتضاعف أعداد المنتجين من موهوبين وممن هم أقل موهبة. وهذا الأمر محل تحسس إن لم يكن موضع شكوى عامة من الفاعلين في هذه الحقول. وقد يجد بعض الدارسين في الاجتماعيات جذورا لهذه الحالة في عدم نشوء حالة مدينية (رغم أنها كانت قائمة في العاصمة ولو بصورة أولية فبل نصف قرن) واختلاط البنى التقليدية بأنماط الحياة الحديثة في صورة هجينة.مما لا يوفر بيئة صالحة لازدهار الحياة الثقافية ورسوخها.وقد يرى باحثون في التحولات الاقتصادية أن الضغوط المعيشية المستجدة والمفاجئة وشيوع حمى الاستهلاك، قد ضربت حالة الاستقرار والأمان، علماً بأن المنتجين الثقافيين ينتمون للطبقة الوسطى مع شرائح من الفئات الفقيرة.

وهناك من يرى في ثورة الاتصالات والوسائط التكنولوجية، حيث كان الأردن سبّاقاً في التعامل مع هذه الوسائط، دوراً في تشتت الحياة الثقافية واضطراب نواتها إذا كانت لها نواة، وفي اختلاط لا سابق له في المعايير.

وإلى ما تقدم ذكره برز واقع جديد، فصورة المشهد الثقافي بدأت تختلط بعلاقات وبذهنية السوق.وفي رأي شاعر على تماس مباشر مع المرافق الثقافية، فقد بدأت هذه الظاهرة تتبلور منذ العام 2002 مع اختيار عمان عاصمة ثقافية عربية لذلك العام. لقد اقترن ذلك بتخصيص ميزانيات حكومية لأمانة عمان ولوزارة الثقافة، وقد أفادت منها مؤسسات وهيئات وأفراد. وهو أمر جيد،دلل على استعداد رسمي لدعم فعلي والكف عن التقتير.

ونشأت بعدئذ حالات من التمويل الأجنبي لنشاطات فنية ومسرحية، وتسويق لأعمال تشكيلية. ومن المفارقات أن ذلك أنعش الحياة الثقافية كمياً،لكنه اقترن بتراجع دور النقد، فلم يعد هناك من فرق في المتابعات الثقافية بين نص وآخر، بين عمل فني وآخر بين مبدع وآخر، في مرآة الخطاب الإعلام الثقافي السائد، وجرى التقديم والتعتيم وفقاً لعلاقات السوق وازدهار فن العلاقات العامة والخاصة بصورة مطردة واستثمار المنابر وحتى بعض الهيئات لأغراض فردية. وهو ما وقع فيه موهوبون وضعيفو موهبة على السواء. وقد وقع ذلك كله على بيئة ثقافية غير متماسكة في الأصل.وبات مبدعون يستعيضون عن عزلتهم في مجتمعهم بالتمتع بفرص معنوية وغير معنوية. وقد أسهم الغياب المزمن للنقاد والدارسين الأكاديميين عن «المشهد» خلا استثناءات محدودة ومعدودة، في ذهاب الوضع إلى ما ذهب اليه. بما جعل الوضع الثقافي في النهاية رخواً بغير تحصين أو مناعة تذكر .فيصعب الحديث تبعاً لذلك عن حراس للضمير الثقافي، او عن نزعة «أخلاقية» مكينة، تحول دون الخلط المتمادي للمعايير وحتى عدم الاعتراف بالحاجة لهذه الضوابط، بعدما سادت عقلية «الشاطر بشطارته» واهتبال الفرص. وبعدما دخلت أو استدرجت مؤسسات تجارية لدعم أعمال فنية.ومثل هذا الدعم مطلوب من القطاع الخاص، وهو دليل حيوية المجتمع غير أنه يتم في معظم الحالات دون ضوابط أو رؤية بعينها، ويخضع للعلاقات الخاصة ويحظى بتغطية «مناسبة» في الصفحات الثقافية، نتيجة آلية المتابعات التي تعتمد على الكم، وعلى تفادي النقد واعتبارها شراً مستطيراً تجنباً لزعل فلان أو جهة ما.

وهذا بعض المقصود بمنطق «السوق» الغالب الذي يزداد استشراء، ويجد بعض المبدعين مصلحة لهم فيه. وليس المقصود التطير والشكوى من الصناعة الثقافية ولا من المبادرات الفردية.وهناك مظاهر إيجابية لها سوف تتناولها «السجل» في أعدادها المقبلة مع فتح صفحاتها لمن يشاء للمساهمة، والشرط الوحيد هو الرصانة، والنأي عن شخصنة الأمور مدحا أو قدحاً.

سوق ولا فخر! – محمود الريماوي
 
08-Nov-2007
 
العدد 1